وبدأ تراشق الأفكار والمبادرات والتسريبات، وثمة إحساس بأن إسرائيل وداعميها، قد أنهكوا وإنهم باتوا أكثر إستعداداً للذهاب لخيار التسويات، بعد أن أنهكت الحرب قواهم وأثقلت كاهلهم، وبدا لها أن الحسم العسكري غير ممكن، وأن استمرار الحال على حاله، لن يفيد إلا صموداً للمقاومة.
لكن الكيان الصهيوني انتهج طريقاً خاطئاً ووسع الحرب، لأن نهاية الحرب في غزة تعني نهاية عمل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وحكومته، فسعى الى أخذ واشنطن رهينة كي يبقى أطول مدة ممكنة في السلطة بإسرائيل ظناً منه أنه يستطيع القضاء على حركة حماس وعلى المقاومة الفلسطينية.
بالمقابل يماطل نتنياهو ويحاول تمديد فترة الحرب من خلال فرض شروطاً جديدة في مفاوضات قطر بشأن تحرير الأسرى الفلسطينيين، وهذه الشروط تختلف عن اتفاقية باريس 2، بهدف تمديد فترة النزاع من أجل خدمة مصالحه. فهي لا تريد وقف حمام الدم في غزة ولا تريد حواراً يساعد على الحل في غزة.
لا شك إن الحرب على غزة أصبحت تمثل عبئاً إقتصادياً كبيراً على تل أبيب وستزداد هذه الأعباء مع مرور الوقت عدا عن المخاطر الأمنية التي تمثلها هذه الحرب على أمنها مع صعود واتساع المقاومة وصمودها في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
في سياق متصل إن زيادة تدخل وتورط الكيان الصهيوني والأطراف الدولية والإقليمية في الحرب على غزة، وتعارض مصالحهم وتصاعد العنف والجوع الذي يتسبب فيه نتنياهو وجيشه في قطاع غزة ، هو ما يزيد من حدة الحرب وتصاعدها هذا ما يؤدي إلى تضاؤل الآمال في التوصل إلى اتفاقات سياسية .
وعلى الصعيد الآخر تلقى الكيان الصهيوني دعما عسكريا من الدول الغربية إذ زودتهم بالصواريخ والأسلحة الفتاكة، وهناك بعض الدول خاصة واشنطن التي تلعب لعبة مزدوجة في تعاطيها مع ملف الحرب الإسرائيلية على غزة إذ أنها في العلن تؤيد الحل السياسي، بينما تحت الطاولة تساعد وتدعم الكيان الصهيوني، فمجمل هذه العوامل والمعطيات قد تؤخر وتعقد التوصل إلى الحل السياسي في غزة في القريب العاجل.
اليوم هناك قلق أمريكي -إسرائيلي مما حققه رجال المقاومة في غزة، إذ يعلن صراحة رعبه غير المسبوق من وصول المقاومة إلى مناطق كان يستحيل الوصول إليها، فيما تواصل المقاومة سحق قوات الجيش الإسرائيلي ودك أوكارها محرزة تقدماً كبيراً على كافة الجبهات، ما جعل من المعادلة أن تنقلب على الأرض وتعيد الكثير من الجهات الداخلية والخارجية حساباتها من جديد خصوصاً بعض الدول التي راهنت على إسقاط المقاومة، لذلك فإن هذه الدول التي أدارت الصراع ووقفت إلى جانب إسرائيل خسرت رهانها في غزة.
من هذا المنطلق، فإنّ محاولات إسقاط المقاومة مستمرّة ومتواصلة، لكنّها تتقلّص تحت وطأة الانتصارات التي يحققها رجال المقاومة، وكلّما حقّقوا انتصاراً، نجد أنّ الحملة على غزة تشتدّ على الأصعدة كلّها، هنا يمكنني القول إن المراهنين على تمزيق وحدة أبناء الإقليم بأنهم واهمون وخاسرون والذين يراهنون على انتصار الكيان الصهيوني وأدواته لا يعرفون مصلحتهم لكن الكراهية والحقد الذي يغلي في صدورهم هو الذي يدفعهم إلى هذا الرهان الخاطئ.
مجملاً... إن سبيل الحل السياسي عند الإدارة الأمريكية وحلفاؤها أن يبقى معقد لإعطاء إسرائيل الوقت الكافي لكي تختبر الحقائق على الأرض، ولكن يبدو أن التطورات الراهنة في المنطقة، والتقدم الذي يحققه رجال المقاومة على الأرض، يجعل من الضروري تأجيل مؤتمر التشاور المفترض عقده في الايام القادمة، بهدف إنضاج أكبر ورؤية أشمل وأوسع من قبل المقاومة للخيار النهائي بين حسم عسكري أو حل سياسي يجنب البلاد المزيد من الدمار، وإن كنت أرى أن الحل معقد وشائك ما لم يتم الضغط على كل الدول الشريكة في سفك الدم الفلسطيني وحلفاؤها في المنطقة كي يتوقفوا عن دعم الإرهاب ونزع فتيل الاضطرابات وحقن الدماء.
ومن الجانب الآخر أن الحل السياسي صعب التحقيق، في وقت يرفض الكيان الصهيوني أيّ حوار مع المقاومة وهو يفضل القتال وسفك الدماء وتدمير البنية التحتية، وبالتالي فإن الوضع يتّجه إلى المواجهة العسكرية، خاصة بعد المساعي التي فشلت من أجل تسوية سياسية، وبذلك تكون إسرائيل هي الطرف المتعنت والمعيق، وبالتالي فهي اليوم في حالة ضعف، فقد كسرت قوتها وانهزمت في غزة وميزان القوة لصالح المقاومة الفلسطينية.
وأختم بالقول، إن غزة كانت وستبقى الجدار المتين في وجه المشروع الغربي والحضن الكبير للمقاومة وستنتصر لأبنائها لأن فيها رائحة الشهداء وعبقهم يتنفسه أهلها كل صباح، ولن تهزم أو تنكسر لأن فيها رجال أبطال يرفضون الاستسلام والخنوع.