في ظلّ غياب إسرائيلي زاد من صعوبة الجهود المبذولة لإرساء وقف لإطلاق النار في القطاع رغم المحاولات الدولية المتعددة . ويبقى التعنت الإسرائيلي سيد الموقف رغم الضغوط الدولية والأمريكية بالأساس ، إذ طالبت واشنطن الإحتلال بوضع "جدول زمني محدد" لإنهاء الحرب المتواصلة على قطاع غزة منذ 5 أشهر. وتجري المفاوضات في القاهرة بمشاركة مصر والولايات المتحدة وقطر وحركة حماس، دون ذكر سبب عدم مشاركة "إسرائيل".
ولم توفد إسرائيل فريقها للمشاركة في مفاوضات القاهرة، ففي اللحظات الأخيرة أعلن رئيس وزراء الإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه لن يوفد وفد التفاوض للقاهرة إلا إذا قدمت حماس قائمة بأسماء الأسرى الإسرائيليين الأحياء لديها. في حين ترى حماس أن تقديم أي تفاصيل أو معلومات بشأن الأسرى لديها لن يكون دون ثمن يجب أن تدفعه "إسرائيل" على صعيد التخفيف من معاناة أهل قطاع غزة ووقف إطلاق النار.
ويرى عديد المراقبين بأن نتنياهو يلعب على ربح الوقت وتنفيذ المزيد من المجازر ، لان انتهاء الحرب تعني انتهاء حكومته وتعرضه للمحاسبة من قبل الشارع الإسرائيلي الغاضب. فبعد أكثر من خمسة اشهر على اندلاع الحرب لم يحقق نتنياهو أيا من الأهداف التي رسمها أمام الإسرائيليين بل ان فصائل المقاومة لا تزال قادرة على دكّ كيان الاحتلال بالصواريخ، وان كل التدمير الذي لحق بغزة لم يقض في الحقيقة على الأنفاق التي تعد الهدف الأصعب في هذه الحرب .
ونقلت وسائل إعلام أمريكية تفاصيل اللقاء الذي عقد بالبيت الأبيض، بحضور مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، والوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، ودعا خلالها سوليفان غانتس إلى "وضع جدول زمني محدد لإنهاء الحرب في غزة" .من جهتها، أشارت وسائل إعلام إلى أن غانتس "طلب من المسؤولين الأمريكيين الضغط على مصر وقطر لجعل حماس تقبل الموقف الإسرائيلي في المحادثات الجارية، للتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى ووقف إطلاق نار مطول في غزة" وفق "الجزيرة نت''.
وبدأ غانتس الأحد زيارة رسمية إلى واشنطن، في ظل تقارير أمريكية تفيد بأن "صبر الإدارة الأمريكية بدأ ينفد تجاه سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الحرب والادعاءات بأنه مقيد من قبل شريكيه في الحكومة وزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير" ووزير المالية "بتسلئيل سموتريتش"، وكان غانتس التقى أيضا، مساء الاثنين، كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي، بينما تعقد في العاصمة المصرية القاهرة مفاوضات من أجل التوصل إلى هدنة بقطاع غزة مع قرب حلول شهر رمضان الاثنين المقبل. وتعد هذه الأزمة بين واشنطن وتل ابيب غير مسبوقة وتؤشر الى مرحلة جديدة من التغيرات تتعلق بنتنياهو ومصير الحكومة الإسرائيلية .
وقالت وسائل إعلام أنّ ''تل أبيب'' تشترط لحضور اجتماعات القاهرة، الحصول على قوائم بأسماء المحتجزين الإسرائيليين الأحياء في قطاع غزة، للمضي قدما في الصفقة، وهو ما رفضه أيضا مجلس الحرب في إسرائيل وأشعل خلافا جديدا مع رئيسي الحكومة بنيامين نتنياهو بشأن مسار الحرب والمفاوضات.
ضغوطات أمريكية
يرى مراقبون أن الموقف الأمريكي الجديد سيمثل عنصر ضغط غير مباشر على حليفتها إسرائيل للقبول مُجبرة بهذا المقترح ، خاصة في ظل الفشل الذريع أمنيا وإستخباراتيا الذي يتكبده الإحتلال في غزة منذ يوم 7 أكتوبر المنقضي ،وماترتب عنه من تأثيرات على الشارع الإسرائيلي والدولي على حدّ سواء .
فداخليا مثلت الحرب في غزة ضربة موجعة لرئيس وزراء الإحتلال بينامين نتنياهو ولحكومته اليمينية المتطرفة ، وتسببت في فقدانه ثقة الشارع الإسرائيلي الذي تنامت داخله دعوات لإقالته ومطالب بمحاكمته أيضا وذلك لارتكابه جرائم حرب في غزة، فيما يرى البعض أنه يخوض حربا ضد القطاع من أجل منفعته الشخصية ولتبرير فشله.
ويرى منتقدو نتنياهو أنه فاقد للحس الإستراتيجي ماتسبّب في فشل المنظومة الأمنية والإستخباراتية في استباق عملية طوفان الأقصى وهو ماخلف انقساما سياسيا وشعبيا إسرائيليا متفاقما يزيد من الضغوط المفروضة على نتيناهو.إلى جانب التأثيرات الداخلية لهذا الفشل، يرى مراقبون أن تراكمات الحرب في غزة بدءا بالفشل الإستخباراتي الإستراتيجية علاوة على حرب الإبادة الجماعية التي تشنها في القطاع والأوضاع اللإنسانية التي أوصلت إليها الفلسطينيين ، كلّ ذلك حرض الرأي العام الدولي ضد كيان الإحتلال ووضعه في موضع اتهام صريح .وهو مايرى مراقبون أنه قد يدفع الإحتلال للقبول بقرار الهدنة إذا تمّ التوصل إليه رغم التعنت الذي تمارسه إسرائيل حاليا.
قرار أوروبي بتخصيص 50 مليون يورو للأونروا
من جهتها أعربت إسرائيل، أمس الثلاثاء، عن أسفها إزاء قرار المفوضية الأوروبية تخصيص 50 مليون يورو لدعم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
وقال ليؤر خياط، متحدث وزارة الخارجية الإسرائيلية، في منشور على منصة إكس: "إن قرار المفوضية الأوروبية بتخصيص 50 مليون يورو للأونروا قبل أن تنتهي لجان التحقيق التابعة للأمم المتحدة من عملها وتقدم استنتاجاتها وتوصياتها، هو قرار مؤسف يضفي الشرعية على تورط موظفي الأونروا في الأنشطة الإرهابية والتعاون مع حماس"، علي حد تعبيره.
وأضاف أنه في الأسابيع المقبلة "ستقدم إسرائيل كافة المعلومات التي بحوزتها إلى الدول الراعية وإلى لجان التحقيق التابعة للأمم المتحدة"، مجددا دعوة تل أبيب "المفوضية الأوروبية والدول المانحة الأخرى إلى وقف مساهماتها للأونروا".
وكانت عدة دول بينهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قررت في 26 جانفي الماضي، تعليق تمويلها لـ"الأونروا"، بناء على مزاعم إسرائيل بمشاركة 12 من موظفي الوكالة بهجوم "حماس" في 7 أكتوبر 2023، على مستوطنات إسرائيلية محاذية لقطاع غزة.
لكن المفوضية الأوروبية أعلنت الجمعة الماضي أنها تعتزم "تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بـ50 مليون يورو الأسبوع المقبل (الجاري)".وعلى صعيد آخر، ادعى خياط أن "إسرائيل ملزمة بتسليم المساعدات الإنسانية لسكان غزة، وتعمل مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى والكيانات الأخرى لضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة".
وتتعارض تصريحات خياط مع المناشدات الدولية حيال انخفاض حجم المساعدات الداخلة إلى القطاع الذي يعاني من حرب إسرائيلية شرسة منذ 5 أشهر، فاقمها تراجع الأوضاع المالية لوكالة "الأونروا" علي خلفية المزاعم الإسرائيلية وقرارات وقف التمويل.
وبينما أعلنت "الأونروا" فتح تحقيقا في المزاعم الإسرائيلية للوقوف على الحقائق، لا تزال إسرائيل تضغط من أجل تصفية ومحو الوكالة الأممية وتحويل مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
''خيارات إنقاذ الأونروا ''
من جانبها أعلنت السعودية أنها تبحث جميع الخيارات التي تساهم في إنقاذ وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" من الانهيار، ومنها تقديم دعم إضافي لها.
جاء ذلك خلال كلمة ألقاها سفير السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة عبد العزيز الواصل خلال جلسة للجمعية العامة للمنظمة الأممية، بشأن مناقشة وضع وكالة الأونروا، عقدت في مدينة نيويورك الأمريكية، فجر الثلاثاء.وقال إن بلاده "ستواصل دعم وكالة الأونروا، وأنها تبذل كل الجهود وتنظر في جميع الخيارات التي تساهم في إنقاذ الوكالة من الانهيار، ومنها تقديم دعم إضافي سيتم الإعلان عنه في حينه".
وشدد على رفض بلاده التام "للمساس بدور الأونروا والتفويض الممنوح لها، ولوسائل الابتزاز والضغوطات التي تتعرض لها".وقال إن المملكة "تحذر من محاولات تصفية الأونروا، وانعكاساتها السلبية على أمن المنطقة"، داعيا "جميع الدول الأعضاء بشكل عاجل إلى تقديم مساهماتها وتوفير الموارد المالية لاستمرار عمل الأونروا".
وتأتي تصريحات السفير السعودي في ظل تدهور مستمر للأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، جراء الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 5 أشهر، والتي تحاكم بموجبها تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية".
وتأسست "أونروا" بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، وتم تفويضها بتقديم المساعدة والحماية للاجئين في مناطق عملياتها الخمس، الأردن، وسوريا، ولبنان، والضفة الغربية، وقطاع غزة، حتى التوصل إلى حل عادل لمشكلتهم.ويتم تمويل الوكالة بالكامل تقريبا من خلال التبرعات الطوعية، ومعظمها من الجهات المانحة الحكومية، كما يدعم الاتحاد الأوروبي، ووكالات الأمم المتحدة الشقيقة، الأونروا.وبحسب قائمة المساعدات لعام 2022 التي نشرتها "الأونروا" واطلعت عليها الأناضول، فإن الولايات المتحدة تعتبر أكبر داعم للأونروا، يليها ألمانيا، وفي المرتبة الرابعة السويد، والخامسة اليابان.