له مساره اللوني والفني الخاص به، التشكيلي ناجي ثابتي يصنع عوالمه الابداعية المتفرّدة، يحادث اللون ويطوّع الفكرة لتكون محملا للفرجة وفي اعماله ينتصر دائما للمكان والذاكرة.
ناجي ثابتي فنان تشكيلي تونسي واستاذ جامعي يعمل على ثنائيتي الرسم والحفر له اسلوبه الخاص والوانه التي تميزه، فنان كما الساحر كلما مسك الالوان ابدع في توزيعها ليقنقد الواقع او ينتصر لفكرة عبر اللون والحركة.
بين طيّات اللون نقد للانسان
يدقق في التفاصيل ويعيد صياغتها تشكيليا، فنان له القدرة على معاكسة اللون والخط، فنان يجمع بين الرسم والحفر ويتلاعب بالوانه كطفل صغير يلعب بشغف باللون والفكرة، الرسم لدى ناجي الثابتي مقدس تماما، اعماله والدقة الموجودة في كل جزء من اللوحة القماشية يؤكد ان الرسم ممارسة مقدسة لها طقوسها اللونية وتعاويذها الشكلية التي تشبه فقط ناجي الثابتي رساما وحالما وحافرا في الذاكرة والمكان.
تتطور شخوصه وحكاياته، ينقل الكثير من الوجع على اللوحة، انكسارات النفس البيشرية يبرزها الى العلن، ليجد متامل العمل التشكيلي نفسه جزء من سيرة الشخصية المرسومة، ينصت الى حكاياتها، يهتم لاتفه تفاصيلها ثم يترك لريشته ملامسة الجرح الغائر والتفنن في تزيينه فتكون اللوحات موشاة باللون الاحمر المرافق لكل اللوحات تقريبا، حمرة الدم والخوف يوزعها الثابتي بمهارة بين شخوصه المرسومة سواء بشرية او حيوانية، فالوجع دائما واحد والهشاشة وحده الاحمر قادر على امتصاصها وتحويلها الى تعويذة لونية مبهرة.
تنقسم الاجساد جزئيات صغيرة، ينفصل كل شخص عمن يجاوره، لكل شخصية مروسمة عالبمها الافتراضي الخاص بها، فالادمان الالكتروني وهو عنوان اللوحة اصبح من مميزات العصر الراهن، "التويتر" و"فايسبوك" و"تيتكوك" باتت البديل عن العائلة والاصدقاء، اصبحت العلاقات الافتراضية اكثر متانة من العلاقات الحسية والمباشرة وتغيرت تعابير الحب والود الى "اعجاب" او "مشاركة" وقد تصل الى "اسد" حين يصبح الشخص مشهورا، هذا الادمان تتشربه ريشة ناجي الثابتي وتحوله الى عمل تشكيلي ينقل من خلاله الفنان الغربة التي يعيشها انسان اليوم ومدى ادمانه على وسائل التوصل الافتراضي واغلاق الباب امام التواصل المباشر.
تصنع العوالم الافتراضية شخصيات مشوهة، نفسيا وجسديا، مضطربة وتائهة كل هذه الانفعالات والاغتراب تنقلها ريشة ناجي ثابتي وتضع الاجساد متماهية مع جهاز الهاتف منفصلة عن المحيط، توزيع لالوان تحيل على معنى الخوف مثل الاصفر والرمادي والاسود كقيمة ضوئية وخلفية للعمل، امام اللوحة سينتابك حتما الشعور بالخوف متى ادمنت العوالم الافتراضية.
يسكنه الواقع وتسيطر اليوميات على بعض أعماله وافكاره، في نفس التمشي اي نقد الحياة الافتراضية توجد لوحة "سيلفي" في نفس المدرسة اللونية والحركات الخطية، في عمله يمزج الرسام الاصفر متدرجا مع البني ومساحة قليلة من البياض، يوزع اجزاء من الوجوه على كامل العمل، فاغلب الشخصيات المرسومة بنصف وجه ونصف حقيقة وتلك ميزة تقنية "السلفي" والحياة الافتراضية عموما خالية من صدق المشاعر وجماليتها الحقيقية.
الذاكرة تشرّع ابوابها للون والرمز
ناجي ثابتي من التشكيليين المعروفين بأسلوبهم النقدي فنان يطغى الأصفر على اعماله وكذلك الوجوه غير المكتملة، وفي معرضه الجديد يقدم الفنان عمل جديد بأسلوب تشكيلي مختلف، عنوان العمل "ambiance" لوحة مشحونة بطاقة الفرحة والفن، شظايا من النوتات يوزعها الرسام مستعملا اللون الاحمر ويغلب على الشخصيات ثنائيتي الأسود والابيض، عمل مرسوم بصدق وحرفية وفيه دعوة مباشرة الى الفرح دون التفكير في رمادية الواقع او سواده أحيانا.
يمثل المكان عادة جزء من الذاكرة الفنية للرسام، يؤثر المكان على حركة الريشة وسرعة اللون وفي اعماله تحضر مدينة سجنان وفخارها بكثرة في اللوحات المعروضة في دار الثقافة مرناق، "رموز سجنان" و"عرائس سجنان" و"اهداء الى سجنان" جميعها اسماء لاعمال حضرت من خلالها سجنان مكان وفكرة، تلك القرية الجبلية الشامخة التي عرفت بقدرة نسائها على خلق اجمل الاشكال من الطين وتشكيله وتلوينه دون مواد كيمياوية او دراسات عليا اليها يهدي الفنان الحب والرسم.
رموز سجنان خاصة "السلحفاة" تحضر في المعرض في اكثر من العمل، السلحفاة البطيئة والحكيمة تتماهى مع صانعات الفخار فهنّ يشكلن القطعة في وقت طويل بكل الحبّ وينفثن فيها من ارواحهنّ المحبة للمكان وللطين، تلك الرموز خاصة السلحفاة ترسم بالاحمر والاسود والاصفر حسب المناخات العامة للوحة تتلون الرموز تماما كما لون الحب المتدفّق في قلوب صانعات الفخار وحارسات ذاكرة سجنان والطين.