تزدحم الذكريات والأحلام المنجزة والمؤجلة في مخيلته فتندفع في لحظة صدق مرة واحدة وتتراكم على اللوحة البيضاء فيسكنها الفنان من روحه ويمنحها حياة اخرى عبر الوانه وريشته، داخل كل فنان طاقة رهيبة من الحب والخوف تنتظر اللحظة المناسبة لتخرج من رحم الفكرة الى القماش الابيض وتتشكل اعمال تشكيلية بمدارس فنية مختلفة من التجريدي الى الواقعي والتجريبي ومن قوة المراة واصرارها على الضحك ولد معرض "ضحكات افتراضية" للرسامة جميلة عكروت.
"ضحكات افتراضية" انطلق منذ 3فيفري ويتواصل الى غاية 17فيفري 2024 برواق كونسبت ستوري (سماح الحباشي) بمدينة الثقافة ويضم 19عمل بين اللوحات التشكيلية والقطع الخزفية وجميعها تحاكي فلسفة الضحك.
"يوم بلا ضحك هو يوم ضائع" هكذا قال شارلي شابلن ومن فكرة الضحكة ولدت اعمال الفنانة جميلة عكروت، الضحكة بابعادها النفسية والفكرية والفلسفية تحولها الرسامة الى مادة تشكيلية تنطلق منها لتطرح العديد من المواضيع المتعلقة بالمراة وحضورها وافكارها، الضحكة تيمة تشكيلية تصنع منها جميلة عكروت لوحاتها المختلفة في الحجم والتقنية ايضا، فالضحكة عالم مليء بالاسرار، هي عنوان للفرحة والخوف، الضحكة سلاح لمقاومة الواقع وتجاوز الوجع.
مليئة هي الوجوه بالحكايات، لكل حكاية تفاصيل مختلفة تلخص احيانا في ابتسامة، او ضحكة، الضحكة التي تحولها ريشة رسامة عشقت الالوان فبعثت منها حياة اخرى في لوحاتها التشكيلية وحمل المعرض اسم "ضحكات افتراضية".
يسيطر اللون الزرق على اغلب اللوحات وزعته ريشة الفنانة بحرفية واتقان، زرقة البحر وهدوؤه، زرقة الغموض ايضا عبرها تحاكي جميلة عكروت غموض النساء وقوتهنّ وحكمتهن، فالازرق لون الامتداد والحكمة، الازرق يوجد في كل اللوحات تقريبا، ورغم اختلافه من رسالة عمل الى اخرى يظل عنوانا لانسيابية ريشة الرسامة، الازرق في "المراة والارض" لوحة تصبح فيها الكرة الارضية باكملها راس المراة، تسندها قليلا بيديها، وامامها باقة ازهار بيضاء وعصفور اصفر اللون، الزرقة تنحصر في دائرة الكرة الارضية اما بقية المساحة فيتدرج فيها البني والاصفر وكان الفنانة تبعث بالوانها رسالة انذار ان الجفاف يهدد العالم، والفنان من واجبه التصريح بكل اتلمشاكل التي تهدد عالمه الاوسع.
الازرق ايضا ينتشر على كامل لوحة "الحكمة، والانوثة"، عمل يسلط الضوء على حكمة المراة تضعها الرسامة في منتصف العمل وحولها تزرع افكارها ومتناقضاتها، يتدرج اللون الازرق حتى يصل الى درجة فاتحة جدا ومعه تمنزج الفنانة الاصفر وقليل من الاحمر ومن الوانها الاساسية تبرز عظمة المراة ورجاحة عقلها، فالعمل هدية الى كل النساء، الى كل مانحات الحياة والحب اليهن ترسم العكروت بريشة الانثى وبراعة الحكماء.
المراة والضحكة هما التيمتين الفنيتين اللتي تعمل عليهما جميلة عكروت، بين المراة والضحكة خيط شفاف منه تستلهم الرسامة ابداعاتها، ترسم المراة وتركز على تفاصيل الوجه وتنقل احساسها الداخلي على جانبي العمل، بألوانها تحاكي قيم الجمال والقوة لدى النساء وتمزجها في لوحاتها المعروضة في رواق "كونسب ستوري" بمدينة الثقافة.
من قوة الاحمر وامتداد الازرق وهدوء الاصفر وشاعرية الاخضر تحمل الرسامة متأملي لوحاتها الى تفاصيل قوة المرأة ومدى صمودها فترسمها حارسة للأرض في لوحة "المراة والارض" وتجعلها متفتحة يفوح عبقها في " الورد والياسمين" وتكون حارسة لقيم السلمك في لوحة "المقدس والسلام" فالمراة تيمة تشكيلية تتفنن الرسامة في تشكيلها حسب مناخات العمل ومساحته النقدية والفنية.
"الضحكة" اسلوب حياة، الضحكة سلاح الكثيرين للمقاومة والاستمرار، الضحكة تيمة تشكيلية واطروحة فلسفية تتعامل معها جميلة عكروت بأسلوب رسام خبر الفلسفة ومباحثها ليقدم لزواره اجمل الاعمال عملا بمقولة فريديريك نيتشه "الحياة قصيرة، أليس كذلك؟ لذلك يجب علينا أن نفكر فيما يضحكنا حقًا ونذهب ونفعله.".
من الضحكة الافتراضية الى الصادقة والملونة، فالمليئة بطاقة الكتمان او الخوف جميعها ضحكات ترتفع تدريجيا بين اللوحات ومن خلال حركة الريشة واللون تشعر انك في ساحة من الضحك والضحكة تصبح كما اجراس الكنائس تقرع لرفع صلاة الحب في هيكل نسائي وأنثوي ساحر.
لجميلة عكروت عالمها التشكيلي الخاص بها، تنصت لوجع المراة وتلتقط شيفراتها ومنها تمزج الوانها وافكارها، لتصبح لوحة تشكيلة صاخبة وصارخة، تتفنّن الرسامة في سرد قصص النساء وابداعاتهنّ ترسمها قوية وثائرة، حكيمة قادرة على تفكيك اصعب الشيفرات، ترى في المراة كيان للحب فتمنحها الكثير من الجدية في التعامل مع اللون وحركة الخط.
تبدع جميلة عكروت في التقاط التفاصيل، تتلون وتتشكل كما صرخة انثى متشوقة للحياة، تنبض ريشتها بوجع المراة، فتجدها مسكونة باللونين الاحمر والاخضر ومن ههذه الثنائية ولدت الضحكات الافتراضية معرضا فنيا ورسالة انسانية تدعوا الى الابتسام امام كل لوحة، ففي الابتسامة سبيل للنجاة والحياة.