ماكرون يطالب رجال الأعمال والجيش بالدخول في "اقتصاد حرب"

في موكب تقديم التهاني بالعام الجديد للجيوش الفرنسية

أقيم بالقاعدة العسكرية بمدينة شاربوربالشمالالغربي للبلاد، طالب الرئيس إيمانويل ماكرون الجيش ورجال الأعمال المهتمين بالصناعات الحربية بالإسراع في الدخولفي ما سماه "اقتصاد حرب".

وكان ماكرون قد أقام بضعة أيام قبل ذلك، للمرة الثانية منذ توليه الحكم، مؤتمرا صحفيا واسعا قدم فيه الخطوط العريضة للسياسات الحكومية الجديدة التي سوف يتولى تنفيذها الوزير الأول الجديد غابريال أتال ولم يفصح عن مشروع الدخول في اقتصاد حرب. بل اقتصر على اعلان مبدأ "تسليح" البلاد على مستوى الدفاع،والاقتصاد،والصحة، والتعليم، والحياة المدنية.
تداعيات الحرب على أوكرانيا
الدخول في اقتصاد حرب يتطلب إعادة صياغة النسيج الاقتصادي للبلاد ونمط العيش المجتمعي. ويتطلب كذلك توجها تكنولوجيا وتجاريا على المستوى الدولي في إطار نظام العولمة التي تنخرط فيه فرنسا. لكن تفاصيل الخطاب الرئاسي لم يرتق إلى هذا المستوى، بل انحصر في المطالبة بتسريع نسق الإنتاج وتطوير قدرات الإبداع وتابعة التطورات التكنولوجية المتعلقة بالصناعات الحربية.
يرجع موقف إيمانويل ماكرون في الأساس إلى تداعيات الحرب على أوكرانيا حيث أكد في خطابه أنه "لايمكن تمكين روسيا من الفوز لأن أمن أوروبا يصبح مهددا". وهو ما جعله يقول "سوف نواصل تقديم العون للأوكرانيين بصورة برغماتية وشاملة وذلك بمدهم بالمعدات في كل المجالات الحيوية: المدفعية، الدفاع أرض – جو والقصف من بعيد." هذه المجالات تتطلب توسيع رقعة الإنتاج الفرنسية لدعم مساندة أوكرانيا.
الدافع الثاني يتمثل في الموقف الأمريكي بعد رفض الكونغرس الموافقة على حزمة مالية جديدة لدعم كييف.إمكانية رجوع دونالد ترامب للرئاسة في نوفمبر القادم أصبح سيناريو تأخذه الدبلوماسية الفرنسية بجد خاصة أن فرنسا تبقى القوة النووية الوحيدة في الإتحاد الأوروبي وأن ترامب أكد مرارا أنه لن يواصل دور "الحارس" لأمن أوروبا في المستقبل. لذلك يعتبر قصر الإليزيه أن مسألة التسلح بما في ذلك تشكيل قوة أوروبية للدفاع، وهومشروع متعثر منذ مدة، الحل الأفضل باعتبار أن الاستثمار في المعدات العسكرية يبقى حافزا على تطوير القدرات الصناعية الفرنسية التي تأتي في المرتبة الثانية عالمية من حيث مبيعات الأسلحة والعتاد العسكري.
قوة عسكرية أوروبية
الهدف غير المعلن للرئيس الفرنسي هو دعم القدرات العسكرية الدفاعية والهجومية للجيش الفرنسي ليصبح قاطرة بالنسبة لأوروبا ويتمركز في قلب المشروع الأوروبي كحارس فعلي في إطار تشكيل قوة مشتركة. هذه الإستراتيجية تتطلب نسيجا صناعيا يدعمه الطلب الداخلي من قبل الجيوش الفرنسية والطلب الخارجي الأوروبي والعالمي. لذلك نوه ماكرون بالدور الفعال الذي تلهبه شركات "داسو"و "تاليس" و "نيكستار" الفرنسية الألمانية في رفع عدد منتوجاتها سنويا في صنع طائرات "رافال" ومدافع "قيصر" وصواريخ"ميسترال". وأعطى ماكرون مثال صنع الذخيرة والقذائف من قبل تلك الشركات من 1000 قذيفة شهريا عام 2022 إلى 2000 عام 2023 مع رفع الحصيلة إلى 3000 قذيفة شهريافي 2024.
وحث الرئيس ماكرون المصنعين الخواص على الدخول في هذا النسق معتبرا أنه" من الضروريفهم المتغيرات على المستوى الإستراتيجي وأهمية أن نزود بسرعة الجيوش حتى لا نخسر صفقات مثل ما حصل في الماضي." في هذا الإطار، سوف تزود فرنسا كييف بستة مدافع "قيصر" جديدة تم شراؤها من قبل أوكرانيا بتمويل ذاتي في انتظار صنع وتزويد 72 مدفع جديد خلال السنة الحالية بتمويل "جماعي". أما على المستوى الداخلي فتقول الإحصائيات الرسمية إنالإدارة العامة الفرنسية للدفاع قد اقتنت مقدار 20 مليار يورو عام 2023 لتزويد الجيوش الفرنسي بعدد 42 طائرة "رافال" و 109 من مدافع "قيصر" و420 مدرعة خفيفة و 8 هليكوبتر للقوى الخاصة و 329 صاروخ "ميسترال" و 1300 صاروخ "أكيرون". وهكذا يلتقي التصنيع بالاقتصاد لدعم القدرات الفرنسية في إطار "اقتصاد الحرب". وسوف يستثمر البرنامج 14 مليار يورو إضافية مبرمجة لعام 2024 لصنع غواصة هجومية جديدة وقمر صناعي للمراقبة من طراز "سي أس أو -3"

تطوير القدرات الصناعية الفرنسية في مجال التسلح يدخل في إطار استراتيجيا قررها الرئيس ماكرون في قانون التسلح 2024 – 2030 الذي رصدت له الدولة 400 مليار يورو بزيادة 40% على ما كان عليه البرنامج العسكري. وتدخل هذه السياسة في فتح الباب أمام البلدان الأوروبية الأخرى، وفي مقدمتها ألمانيا، للعمل على تشكيل جيش أوروبي للدفاع تسنده شبكة صناعية لتصنيع الأسلحة والعتاد العسكري في أقرب الآجال من أجل مواجهة المخاطر القادمة من الجهة الشرقية لأوروبا. في هذا الصدد أعلن المفوض الأوروبي تياري بروتون أنه خصص ميزانية بمائة مليار يورو للصناعات الدفاعية الأوروبية. وهو رقم يمكن أن يرتفع بسرعة في صورة حصول اجماع أوروبي على تشكيل الجيش المشترك.
توسيع رقعة النزاعات المسلحة
اذااعتبر الرئيس الفرنسي أن الرهان الأساسي الذي تواجه فرنسا هو الحرب فيأوكرانيا فغن اندلاع الحرب ضدغزة سرعت من انخراط باريس في عمليات عسكرية خارجة عن الفضاءات المعتادة لتحركات الجيش الفرنسي الذي كان مرابطا أساسا في افريقيا و في المحيط الهادي. إرسال حاملة طائرات وباخرتين إلى البحر المتوسط ومشاركة البواخر الفرنسية في قصف مواقع للحوثيين في المعركة على المرر التجاري في قناة السويس أدخل فرنسا في استراتيجية جديدة تأخذ بعين الاعتبار التقلبات الدولية وإمكانية الدخول في نزاعات جديدة إضافة إلى المشاركة في الحرب ضد روسيا على التراب الأوكراني.
الاحداث الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط التي شهدت قصف مواقع إيرانية في سوريا والعراق من قبل البحرية الأمريكية ورد تهران بقصف على موقعين في أربيل وباكستان تعتبرهما إيران يهددان أمنها القومي أدخل المنطقة ككل في نسق جديد يبشر بتوسيع رقعة النزاعات الحربية. ويتطلب هذا الوضع الجديد دعم تسليح الجيوش الغربية، وخاصة الفرنسية، التي لم تتجهز من قبل لمثل هذه الفرضية.
لا يبقى أمام إيمانويل ماكرون إلا ثلاث سنوات في ولايته الثانية يريدها فرصة لإتمام استراتيجيته الرامية إلى تقوية القدرات الفرنسية كدولة نووية أوروبية قادرة على تطوير قدراتها العسكرية للتأثير على السياسات الأوروبية وأخذ موقع في عالم متعدد الأقطاب. وهو ما أشارت إليه الزيارة الرسمية الأخيرة التي قام بها ماكرون إلى الهند بدعوة من الوزير الأول الهندي نارندرامودي بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني. وكانت فرصة لمواصلة النقاش في مسائل بيع 26 طائرة "رافال" إضافية بعد شراء 36 طائرة من قبلو6 مفاعلات نووية فرنسية من الجيل الجديد و3 غواصات "سكوربان" مع مشاريع أخرى اقتصادية يشارك فيها 15 رجل أعمال فرنسي قدموا مع الرئيس الفرنسي. تطوير العلاقات الإستراتيجية مع الهند يدخل في إطار أخذ موقع كقوة اقتصادية ونووية متوسطة الحجم في نظام متغير تلعب فيه القوى العظمة الأمريكية والصينية والروسية الدور الأول.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115