مهرجان المسرح العربي:مسرحية "كلام" إخراج بوسلهام الضعيف: على الركح تفتح دفاتر التاريخ وتبعث الحياة فيمن تناستهم الذاكرة

تعتبر الكلمة بمثابة السلاح ونصوص محمد برادة تتوغل في النقد

وتشاكس المنظومة المجتمعية والفكرية، فبرادة يكتب نصوصه بجرأة وتمحيص عميق في المعنى والنص، ومن الرواية الى المسرح تتحول الكلمات وتلبسها الشخصيات وتنساب متجانسة مع اداء الممثل وحركة الاضاءة والموسيقى، فالمسرح مساحة حرة للنقد ولاستحضار امجاد كل وطن وبعث الحياة في ابنائه الذين سقطوا سهوا من المدونة الشفوية.

ز"كلام" تجربة مسرحية جمعت كاتب رواية مميز هو محمد بردة ومخرج مسرحي له بصمته الخاصة في الفن الرابع هو بوسلهام الضعيف ،جمعتهما مكناس الساحرة والاسطورية ليقدما للجمهور نصا مسرحيا مشحونا بالتاريخ والنقد ومن خلاله الدعوة لحرية المراة وللانصات لحكايا السابقين علّهم يكونوا اكثر حكمة في عالمهم الاخر، و"كلام" من تمثيل سناء عاصف، وأمين بلمعزة، وسفيان نعيم. صمم الموسيقى أنور الدقاقي، والملابس أسامة بوفارنو، والسينوغرافيا رشيد الخطابي.

المسرح استحضار لمن صنعوا امجاد الماضي

يتماهى الواقعي مع الخيال، بينهما مساحة جد شفافة، هي فضاء لعب الممثلين في مسرحية "كلام"، فضاء اللعب الدرامي يتغير حسب الشخصيات، لكن المكان واحد وان اختلف فهو "المقبرة"، هناك حيث تدفن الأجساد وتحت التراب تقبر الاف بل ملايين الحكايات، المقبرة اجمل فضاءات البوح ففي رحابها تتساوى كل المعاني ويصبح الموت والحياة متماهيان وكانهما وجهان لعملة واحدة، في ثلاث مقابر مختلفة ستدور أحداث المسرحية وسيستحضر الممثلين سير من كتبوا أمجاد مدينتهم "مكناس" قبل الانطلاق إلى العالم الآخر.
صوت ترتيل القرآن يرتفع تدريجيا ثم يتغير إلى تلاوة اكثر قوة يليها اصوات نواقيس الكنيسة الصادحة بقوة تحيي الموتى من سباتهم، القرآن يكون اول موسيقى يستلهم منها بوسلهام خصوصية عرضه المسرحي، تهمهم الاصوات ويتغير المنطوق من ترتيل الى ادعية ثم اغان ذات طابع صوفي تتغنى عادة في الحفلات الدينية، فالموسيقى والموروث الغنائي للمغرب سيكون من مميزات "كلام" من الموسيقى التقليدية المميزة لكل منطقة سيطوّر بوسلهام من جمالية المنطوق فيتماهى الجديد مع القديم لتتكامل الصورة والبصرية والمنطوقة وترسخ العديد من شيفرات "كلام" في ذاكرة جمهور المسرح.
الديكور عبارة عن مربعات من الخشب تتغير إلى قبور حسب تسارع أحداث العمل، رجلين بلباس رمادي يرتلون قرآنا ويقرؤون بعض الأدعية على قبور أحبائهم والدعاء وقراءة القرآن ستكون بمثابة الفواصل الموسيقية بين مشاهد الرحلة التي ستخوضها احدى شخصيات المسرحية، حارس المقبرة يختاره كاتبا النص حكيما ومفكرا له القدرة على الانصات لأحاديث الموتى كلما اجتمعوا في الربيع "في المقبرة يبدو الانسان اقرب الى الحقيقة، مجاورتي للموتى هي اكتشاف لاسرار الحياة"، فالاسطورة تقول ان الموتى يجتمعون مرة سنويا يتحدثون عن واقعهم ويستحضرون حكاياتهم قبل الموت ووحده الحارس الحكيم قادر على سماع اهازيجهم واغانيهم وحلقات السمر التي ينجزها أناس غادروا الواقع ورسخوا في الخيال والذاكرة.
المكان امكنة، واحد ومتعدد، المكان الواحد هو "مقبرة" لكن هذا المكان او فضاء اللعب المسرحي سيتحول الى مقابر متعددة، فتكون مقبرة "فاس" ومقبرة "طنجة" ومقبرة في باريس واخرى في اليابان، فلكل مقبرة خصوصياتها لانها تصنّف حسب من يسكنونها وحسب حكاياتهم خين كانوا على قيد الحياة، اما الزمن فمفتوح على الازل، هو الان والمستقبل والماضي البعيد، رحلة تخوضها امراة تبحث عن هويتها بين الموتى وتحاول استنطاقهم لتعرف حقائق سقطت من سجل التاريخ والذاكرة، ليكون الزمن مقياسا للمسافة الفاصلة بين الواقعية والخيال.
في "كلام" يستحضر الممثلين سير من بنوا مكناس والمغرب، يتحدثون عمن كتبوا تاريخ بلادهم وصنعوا مجده الابداعي والفني، امام الجمهور تحضر روح العظيم محمد شكري يلبسها احد الممثلين وينسجم مع وجعها وقوتها، شكري يحضر بمنطوقه ونصوصه، فالعظماء لا يموتون وان غادروا عالمنا، الى كل من اثّر ايجابا اهديت تفاصيل المسرحية التي قدمتها مجموعة مسرح شامات.

النساء باعثات الحب ومانحات الحرية

هن مانحات الحياة والامل، هن زارعات البسمة والمحافظات على الذاكرة من النسيان، النساء سيدات المكان والفكرة، والمراة ورغبتها في الاكتشاف ستكون مطية الجمهور ليعرف العديد من الحكايات التاريخية والشخصيات المهمة في تاريخ المغرب.

هي امرأة، أنثى تريد المعرفة، تبحث هن ذاتها وهويتها في كل الأماكن واختارت ان تبدأ من المقابر لان في المقابر توجد كل الحقائق، هي امرأة تريد الوصول الى أقصى حدود المعرفة والبحث لا تكتفي بالنصف "انا مصممة على امتلاك حريتي، عندي يقين بأن من يحبني لن يرضى بي خانعة" وتضيف "انا امراة لا تريد ان تقف في منتصف الطريق".
ولشخصيته اختار المخرج الممثلة سناء عاصف المتمكنة من آلياتها التمثيلية والقادرة على اللعب بتلقائية دون الحاجة الى التشنج الكثير الذي تمارسه بعض ممثلات الوقت الراهن، ممثلة خبرت شخصيتها وعرفت تركيبتها النفسية والروحية، تقمصتها حد التماهي فكانت على الركح بسيطة وصادقة وشدت بأدائها وصوتها الجميل جمهور مسرحية "كلام".
"كلام" هو عنوان المسرحية، عتبة العمل تحيل المتلقي إلى مادة منطوقة كبيرة فالكلمات بمختلف معانيها ودلالتها اللغوية والقيمية ستصنع الفارق في الحكاية، بالكلمات سيسافر الجمهور من "بغداد" مكان العرض الى "فاس" و"طنجة" و"مكناس" في المملكة المغربية، ثم "باريس" و"اليابان" فالشخصية تتبع الحقائق المتعلقة بعالم الموتى في كل مكان، بالكلمة سيتعرف الجمهور على روائع محمد شكري وكتاباته الناقدة والموجعة، بالكلمات المنسابة من أفواه الشخصيات سيتغنون بالحب ويغنون للحرية فالكلمة في نهاية العمل حرية.
الشخصية النسائية ستقوم برحلة في التاريخ والجغرافيا والزمن ايضا، تنتقل كما المريدين من فضاء انساني الى اخر، تتبع امجاد السابقين وتنصت لحكاياتهم وتشاكس الراهن، شخصية مختلفة ينساب صوتها بتلقائية مع موسيقى القناوة ووشطحات الصوفيين لتبدوا كانها ملاك للحرية يحمل الجمهور الى مساحات من الجمال.
"كلام" مسرحية من اخراج بوسلهام ضعيف ومن انتاج مسرح الشامات بمكناس وهي تجربة مسرحية وانسانية "راهنت على تقديم مسرح يتفاعل مع قضايا الناس، أنتجت العديد من العروض بالإضافة لذلك قدمت ورش للاشتغال على اعداد الممثل والفني المسرحي، والفرقة حملت على عاتقها مسألة جداً مهمة وهي أنها وجدت نفسها مسؤولة عن خلق فضاءات مسرحية جديدة والعمل على ورشات التأطير والتكوين ليس فقط للممثلين إنما لخلق جمهور شغوف بالمسرح، ومن هنا تطورت فكرة فريدة في العالم وهي مسرح بين الأحياء" حسب تصريح المخرج في الندوة الصحفية لتقديم العمل مضيفا "إستطاعت أن تخلق جمهور متابع ووفي للمسرح داخل المدينة وكونت شريحة من الشباب الأوفياء للمسرح نمى فيهم شغف المسرح وحصلوا على أدوات جمالية تؤهلهم لقراءة العرض" واكد بوسلهام ان المسرح هو تلك الشامة الجميلة على خد المجتمع التي تعطيه لمسته الوجودية المختلفة وهو سر تسمية مسرح الشامات.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115