دار المسرحي باردو: العرض الاول "عصفور جنة" لحسام الساحلي جميعنا مشاريع عصافير جنّة طالما احلامنا مؤجلة وافكارنا مجهضة

اكتب احلامك على الورق ثم ابعث في شخصياتك الحياة واتركها تبدع وترقص وتقاوم،

اصنع لنفسك عالمك الرمزي الخاص وزينه كما تشاء فانت سيد الفكرة والحكاية، كن حالما او مشاكسا، كن كاتبا و مسرحي او عرائسي، اذهب بكلك الى الموت ولك حرية اختيار طريقة موتك، او عد الى الحياة بقلب طفل فلك الحرية ايضا هكذا يرى حسام الساحلي العالم في مسرحية "عصفور سطح" التي قدمت في ععرضها لاول مساء الاربعاء29نوفمبر 2023 بدار المسرحي باردو.

مسرحية "عصفور جنة" نص فوزي بن حفصة ودراماتورجيا واخراج لحسام الساحلي وتمثيل فتحي بوسهيلة ورمزي سليم وسينوغرافيا لعبد لكريم ضيف الله وصوت وفيديو لصابر بوعفيف واضاءة لرضوان عجرودي.

الصورة تصنع جماليات ناقدة

تشكل الصورة قيمة بصرية وفكرية مؤثرة في المسرح وتعتبر الصورة رمزية اضافية لتفكيك العرض المسرحي وقراءته، الصورة عادة تتشكل من تناسق بين الاضاءة والصوت والديكور وهذه العناصر التقنية يتماهى معها الممثل وجسده فتتشكّل صورة بصرية موشاة بألوان مختلفة ترسخ في الذاكرة البصرية لمتابعي المسرحية ومنها تنطلق عملية تفكيك العرض وإعادة تركيبه وقراءته، واصبحت الصورة اليوم جد مهمة في المسرح وكثير من المخرجين بات يعمل على جمالية بصرية مختلفة ومدرسة اخراجية متجددة تجمع بين المنطوق مع ايلاء الاهمية للسينوغرافيا المؤثر الاول في عين المتفرج وفكره.
ركح خاو من الديكور في المشهد الاول، فقط حبل يتدلىّ من المكان، حركات الممثل تصنع الفرجة وتيبدئ في تشكيل الصورة وتعمير الركح تدريجيا كرسام يملئ القماش الابيض بالخطوط والالوان ليحصل على عمل متكامل بعد جهد وتفكير.
يشغّل الضوء تدريجيا ليصبح قويا وساطعا يكشف عتمة المكان، فيلتقي الجمهور مع عرائس معلقة كاملة وأخرى نصف مكتملة، مجموعة من الصناديق البلاستيكية ستؤثث المساحة الخاوية وفي خلفية الركح شاشة بيضاء، ستكون الشاهد والحامل لبعض المؤثرات السينوغرافية والضوئية واهمها ساعة تدور عقاربها ببطء حسب الحدث وحكايات الشخصية، بالاضافة الى بابين اقصى اليمين واقصى اليسار ستكون ملاذ الشخصية حين تغّير وضعيتها الدرامية، فالسينوغرافيا في "عصفور جنة" ستكون من دعائم العمل ونقاط القوة فيه، والتفاصيل الصغيرة والكثيرة ستصنع الفرجة ومنها تكون اوّل ما يحفّز ذهن المتلقي ليتابع حكايات الشخصيات ومصائرهم.
في المسرحية ستصنع السينوغرافيا رسائل العمل وتحمل المتفرج الى الكثير من الثنائيات، هي الموت والحياة، الابيض والأسود، الامل والالم، الحلم والخيبة، البقاء والرحيل، جميعها مفردات ستعيشها الشخصيات وتتشاركها مع المتفرج عبر الاضاءة والموسيقى وكذلك المنطو.
وهذه المتناقضات تشبه كثيرا شخصية المخرج وحقيقته فهو مرّ بثنائيات عديدة من التدريس الى الوظيفة وتنقّل بين اكثر من مكان جغرافي كما عاش الكثير من التناقضات النفسية بين النجاح والفشل ومن ذاته العميقة ولدت ثنائيات المسرحية، نفس هذه الثنائيات عاشها فوزي بن حفصة صاحب الفكرة الاصلية للنص ومن رحم وجيعة ذاتية كتب النصّ الذي تحوّل الى عمل مسرحي مسكون بفكرتي الموت والحياة والبقاء والرحيل، ولدت مسرحية متماسكة بصريا وتقنيا ودراميا، متينة النص والتشخيص لتكون "عصفور سطح" تجربة ذاتية توّلد عنها عمل فنّي متناجس الشيفرات.

 

الخشبة مساحة حرة للنقد والسخرية من المجتمع والسلطة

المسرح مساحة للحرية والنقد وعلى الركح يجتمع شخصين اثنين، يحى ويوسف الاول في الثلاثين من العمر والثاني في عقده السادس، تجمعهما الصدفة في مكان واحد، يحى يريد ان يغادر الحياة انتحارا لعدم قدرته على تحمل المجتمع وضغوطه "نكرهكم، نكره حقدكم وعنفكم وعنصريتكم" والثاني لازال متمسكا ببقايا احلام وعنفوان لم تأثر فيه السنين لكنه يعيش بعقدة الذنب، ومع تصاعد الاحداث وتسلسلها يكتشف الجمهور ان وجود يحى ويوسف في مكان واحد لم يكن صدفة، ففي تلك الخرابة المهجورة ولدت نطفة الحب التي تشكلت جنينا سيكون يحى العرائسي الفاقد للحلم والرغبة في لحياة.
"عصفور جنة" هو عنوان المسرحية، كلمة عادة تحيل الى الموتى صغار السن، ويحى يشارك الاطفال احلامهم لأنه فنان وعرائسي والفنان يظل طفلا مهما تقدم في العمر، اختيار مهنة الشخصية لم يكن اعتباطا من كاتب النص بل تيمة عن الوجيعة وانتصار للفنان ومعاناته في هذا الوطن بين "صبوش الدعم" و "اللجان" و" غياب قانون الفنان" وهي مفردات تسطّر حياة الفنان وتقتل تدريجيا هاجس الحلم عنده، فالمسرحية تعرّي واقع الفنان وتكشف بؤسه في منظومة لا تحترم فنه ولا ابداعه وتعتبره مجرد رقم في السجلات المدنية.
الشخصية الثانية تكون محملا لنقد لواقع السيسي وتشوّهه، فيوسف "مناضل الصدفة" ورفيقه "الطيب" الذي سيصبح "الماركانتي" كلاهما اتخذ السياسة وسيلة ليصعد اجتماعيا وكل حسب رغبته في الصعود، واحد صعد في سلم المال والاخر صعد سلم النساء والشهوة، فالسياسة تصبح مساحة لتحقيق الرغبات الذاتية لا المصلحة العامة كما يقول يوسف لمحدثه.
"عصفور جنة" مسرحية تجمع النقد والسخرية، مساحة للحرية تعيشها الشخصيات والممثلين، نص مكتوب بسلاسة وممثلين تمكنوا من شخصياتهم دون الحاجة لى الصراخ الكثير لايصال شيفرات الشخصية وحكايتها، ببراعة تمنكنوا من ايصال وجع الشخصية الى الجمهور مع سينوغرافيا شكّلت جمالية بصرية ممتعة جميع العناصر تماهت لتقدم عمل مسرحي كتب بلكثير من الوجع، وجع بين ثنايا النص المنطوق والاضاءة الخافتة مع حركة الممثلين، ليكون العمل متكاملا، يضحك ويبكي المتلقي في اللحظة ذاتها.
عصفور جنة مسرحية جديدة لحسام الساحلي، تجربة ابداعية نجح في نحت معالمها صحبة فريق فني وتقني عمل على تقديم عمل يحترم جمهور المسرح.

 

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115