مسرحية "شعلة" اخراج امينة الدشراوي المشاركة في مسابقة مواسم الابداع الى كل النساء ثرن واصنعن من الضعف قوةّ

ثرن اذا تعرضتن للخوف او الظلم، ثرن كلما سنحت المساحة للثورة والتغيير،

ثرن على الموجود واصنعن بقوتكن المنشود الافضل، ثرن على العقلية الذكورية وكنّ شعلة للحرية والحق فوحدهن النساء قادرات على تغيير مصيرهنّ والنجاة من طوق الخوف متى اردن ذلك هكذا تقول الشخصية في مسرحية "شَعلة" اخراج امينة الدشراوي التي اعتمت الخشبة مساحة لتنقد ظاهرة التحرش في المؤسسات الجامعية.

شَعلة مسرحية ناقدة تشحن المتلقي بطاقة من الرفض والقوة وتشعر "المتحرّش" بالخزي والخسّة، على الركح اجتمع جيلين مختلفين الاول جيل المحترفين ذوي الخبرة ويمثله منير الخزري والثاني جيل صاعد بقوة وثقة تمثله هيفاء الكامل، وكتب النص امينة الدشراوي انطلاقا من مسرحية "الدرس" ليوجين يونسكو وانجز السينوغرافيا علي اليحياوي وتوضيب عام عبد الله الشبلي وموضب الصوت الاسعد الصالح وموضب الركح عمر الجمل وشكري قمعون وملابس اسماء حمزة وتجميل محمد عدالة والمسرحية انتاج مركز الفنون الركحية والدرامية تطاوين.

إذا ولعت شعلة الثورة لا تطفئوها

تعيش الانثى الكثير من الصراعات لاثبات ذاتها والنجاة من منظومة مجتمعية تعمل كثيرا على هرسلتها، تعاني الانثى في المدرسة والجامعة والشارع والعمل من ضغط المجتمع ونظرته السلبية والتحرش، وهو الموضوع الذي اختارته مخرجة مسرحية "شعلة" كتيمة مسرحية تعمل عليها واختارت المؤسسة الجامعية فضاء للعب الدرامي ولاحداث العمل.
فالتحرش في المؤسسات الجامعية ظاهرة موجودة وكشفت مجموعة "انا زادة" عدد مهول من الطالبات اللواتي تعرضن للهرسلة النفسية والتحرش من الاساتذة المؤطرين لرسائل التخرج او الاساتذة بصفة عامة، وكم من انثى دمّر مستقبلها المهني والنفسي فقط لمعاناة الاستاذ من مرض يسمى "الانثى".
تعاني الطالبات من عنصرية جهوية وجنسانية مزعجة، يعانين من ظلم المجموعة وخاصة الاساتذة وهو محور المسرحية التي اخرجتها امينة الدشراوي بعنوان "شَعلة" (بفتح الشين) وهو اسم الشخصية ايضا، فشَعلة ستكون عتبة للدخول الى عوالم كل الطالبات اللواتي شعرن بالخوف والظلم داخل الحرم الجامعي، تلك الشخصية المترددة والتائهة بين "الغباء" و"الذكاء" ستكون مطية لتمرد الطالبات وستصبح "شُعلة" ملتهبة لاجل كرامة الطالبات وحريتهنّ.
"شَعلة" فكرة وشخصية، شخصية مركبة ومربكة، طالبة مجتهدة دفعت الكثير من الصدق للحصول على شهادتها الجامعية، لكنها تصطدم بجدار استاذ مادة علم الاجتماع، تسقط في المادة فتخسر فرصة النجاح حتما، شعلة طالبة مجتهدة لكنها تعاني الكثير من الخوف والرفض "الجميع لهم اصدقاء يتناقشون الدرس، لكن لا احد يقبلني، نحس روحي غريبة وسطهم" هذه الطالبة حلمها الوحيد النجاح لكن الخوف يجعلها تتأخر عن سلم العلاقات الاجتماعية الطلابية.
شخصية شَعلة قدمتها الممثلة هيفاء الكامل، شعلة طالبة جنوبية الانتماء تعاني منذ دخول الجامعة من عنصرية جهوية مزعجة، لعبت الممثلة بلهجتها الجنوبية الممتعة، بين الشخص والشخصية الكثير من الملامح المتشابهة، بين لعب الممثلة ووجع الشخصية تفاصيل مشتركة عديدة أحيانا ينقلب الدور لتجدك امام براعة هيفاء الكامل وحقيقتها وليس امام قصة شعلة ووجعها.
بين شعلة الشخصية وهيفاء الكامل الممثلة تماهي في الصدق والانتماء، فكلتاهما اختارت عدم السكوت على الظلم، كلتاهما قررت ان تكون صوت بقية الطلبة وكما كانت هيفاء الكامل تصدح بصوتها عاليا في اجتماعات الطلبة مدافعة عن حق زملائها وزميلاتها في معهد الكاف وكانت صرحا شامخا للحقيقة كذلك نجد شعلة تتزود بقوة داخلية لتقدم شكوى الى المجلس العلمي والمحكمة وتقدم في استاذها شكوى علّها توقف طمعه وشبقيته المقيتة للنساء والسلطة، فالمسرحية رسالتها واضحة وهي دعوة الطالبات والنساء الى التحلي بالشجاعة وعدم الخوف والاستكانة، فكلما تمتعن بالقوة اكتسبن مناعة ضد منظومة ذكورية بالية والقانون الضامن الوحيد لحقوق النساء حسب الفصل 226ثالثا من القانون عدد58المعدل للمجلة الجزائية "يعاقب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها خمسة آلاف دينار مرتكب التحرش الجنسي" وحسب الفصل ذاته "ويعتبر تحرشا جنسيا كل اعتداء على الغير بالأفعال أو الإشارات أو الأقوال تتضمن إيحاءات جنسية تنال من كرامته أو تخدش حياءه وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغبات المعتدي أو رغبات غيره الجنسية أو بممارسة ضغط خطير عليه من شأنها إضعاف قدرته على التصدي لتلك الضغوط".

السينوغرافيا تنحت ملامح الشخصيات وعوالمها

المكان ثابت غير متحوّل، مجموعة من الجدران رمادية اللون ينعكس عليها الضوء المسرحي فتبدو عالية كما الأسوار الشاهقة في إشارة رمزية إلى علوّ همة الأستاذ والحرم الجامعي في نفسية التلميذ، مكتب فوقه حاسوب وبعض الكتب، مع مجموعة من الألواح الخشبية الناصعة البياض موزعة على مساحة العرض ومكان حركة الشخصيات، الأبيض يرمز للنقاء والعلم، واختلاف الأحجام يشير إلى اختلاف درجات العلم الواجب على الطالب صعودها حتى يصل إلى قمة النجاح.
لكن باطن الشخصية صاحبة المكتب الناصع البياض موغلة في السوداوية المقيتة، مزيج من مرض التحرش والسخرية من المنظومة التربوية واحتقار النساء والشعور بالعلوية على الطلبة جميعها عجنت وكونت ملامح شخصية الاستاذ التي أبدع في نحت معالمها الممثل منير الخزري، بدور جديد ومختلف ولهجة متجددة عما عهده جمهور المسرح أتقن الخزري الشخصية بكل ابعادها الجسدية والنفسية والمنطوق من حوارها ايضا.
يحدد المكان طبيعة الحوار، ضيقه يشير الى محدودية مساحة الحرية الموجودة داخل المنطوق بين الشخصيتين، الاضاءة وحدها تضفي عمقا على مساحة الخشبة، تجعلها ممتدة أثناء تنظير الاستاذ امام الطالبة وتضفي عليها بعدا من الضيق في الخطاب الثنائي او لحظة دفاع الطالبة عن موقفها وافكارها.

سينوغرافيا الفضاء ساهمت في سيرورة الاحداث ورسم الملامح العامة للشخصيات والفضاء ايضا، اذ تتحكم طبيعة الخشبة المسرحية اتساعا وعمقا ليس بصيغة المشهد المسرحي وحركة المجاميع والشخصيات فحسب وإنما بعمارة المكان المسرحي وجمالياته كونه جزءا من الفضاء المسرحي اي هو جملة من العلامات التي اكتسبت صفة المكانية، فالمكان جزء من الشيفرة العامة التي ترسلها سينوغرافيا العرض تجاه العرض الجمهور والمتلقي"(عبد الفتاح رواسه) وفي "شعلة" تحدد تلك القطع الخشبية البيضاء مساحة اللعب وتنقل ايضا ملامح الشخصيات الداخلية ونفسيتها تجاه الحكاية والحياة بصفة عامة.
"شعلة" مسرحية تنقد المنظومة التربوية المتهلهلة وتنقد اساسا فكرة التحرش داخل الحرم التربوي وتشير الى الهرسلة التي يتعرض لها الطالب او الطالبة، مسرحية داخل المسرحية، حكايات كثيرة بوبتها مخرجة العمل لتنصر للنساء ولحقوق المستضعفين، في المشهد الاول اختارت المخرجة لشخصيتها ملابس رياضية محتشمة وعادية تجنبا للقولة السائدة "لباسها سبب تعرضها للمضايقة" وهي من الصور النمطية المنتشرة في قضايا التحرش الجنسي لتجعلها بعد قرار التمرد بفستان بنفسجي جميل.
مزيج من نص منطوق بلهجة تونسية بسيطة مع سينوغرافيا تشد الذاكرة البصرية للمتفرج فتصنع عبرها فرجة ترسخ في الذاكرة وحوارا لا يزعج المتفرج او يشعره بالقلق، ساعة من الزمن تجمع في داخلها التراجيدي والكوميدي وعبر المسرح تنقد المخرجة المنظومة وتعري بؤسها للجمهور.

 

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115