وتعبيرة فنية مختلفة تختزل مئات الاعوام من الجدية والموسيقى سلاح للدفاع عن الذاكرة المشتركة فصداها رمز للتاريخ وتردداتها عنوان للأرض وللقيم الانسانية التي تعبّر عنها تلك الموسيقى، و"طوايف غبنتن" بسيدي مخلوف من ولاية مدنين تجربة فنية جد مميزة، انتصر لها التاريخ بتسجيلها ضمن التراث العالمي.
انتصار تونسي جديد، فرحة تونسية بتسجيل عنصر ثقافي جديد ضمن لائحة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو، تحديدا "طوايف غبنتن" بسيدي مخلوف الذي اصبح رسميا ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للانسانية.
اربعة اعوام من العمل والاجتهاد، اربعة اعوام من المراجعات لانجاز الملف كاملا انتهت اخيرا بالتسجيل الرسمي للطوايف ضمن التراث العالمي، وحسب الناطق الرسمي باسم المشروع سعيد شامخ عملت الهيئة التسييرية لمشروع تسجيل "طوايف غبنتن" ضمن التراث العالمي اللامادي للإنسانية على تقديم ملفها لليونسكو نهاية شهر فيفري 2021 تحت عنوان طوايف غبنتن : فنون العرض وتحت شعار " طوايف غبنتن نحو العالمية " وذلك من اجل الاعتراف بقيمة هذا الفن وما قدمه طيلة قرن او اكثر من نمط موسيقي تراثي فريد ونموذج ثقافي مندمج في بيئته في مناسبات الاعراس والأفراح بجهة الجنوب الشرقي.
وتدخّل في الملف العديد من الاطراف منها الرسمية على غرار وزارة الشؤون الثقافية والمعهد الوطني للتراث وولاية مدنين وبلدية مدنين ودار الثقافة سيدي مخلوف ودار الثقافة بني خداش ومعهد المناطق القاحلة مدنين بالإضافة الى "رياس الطوايف" المسجلين في الملف التقني وهم الرايس جمعة زراقة الخف والرايس محمد تليش والرايس مبارك التومي والرايس مصطفى عويدات والرايس الحبيب التومي والرايس العروسي دبوبة والرايس مختار عويدات، بالإضافة الى خبراء المعهد الوطني للتراث وهم الدكاترة عماد بن صولة واسمهان بن بركة والناصر البقلوطي.
وطوايف غبنتن فرق فنية شعبية استوطنت بالمجال الترابي القبلي لجماعات قبيلة غبنتن المستقرة بعمادة القصبة من معتمدية سيدي مخلوف وقرية مُقُر بعمادة الشوامخ من معتمدية بني خداش ارتبطت تسميتها بالطوايف لاعتبارها فرق طوافة حول طبلها الذي عليه تكون الحركة الرئيسية للفرقة اثناء تأثيث سهرات الاعراس، وتتكون الفرقة من 7 الى 11 عضوا اولهم رئيس الطايفة الذي يقوم وحده بنظم الشعر وتنظيم الادوار بين بقية اعضاء الفرقة الذين يطلق عليهم اسم البحرية فهذه الطايفة تعتبر نفسها بمثابة سفينة قائدها الرايس وأعضاؤها البحرية ومهمتهم الاداء الجماعي وميزتها ان اعضاء الفرقة جميعهم فوق الخمسين سنة.
تاريخيا غبنتن هي حصيلة المكون الاثني للمجتمع التونسي من خلال المجموعات التي وفدت على تونس في اطار المبادلات التجارية والحراك المجالي الذي كان يربط ضفتي المتوسط بافريقيا جنوب الصحراء وهناك من يقول انّ مجموعات افريقية عديدة حلت بتونس لأنها كانت منطقة لبيع العبيد وبعد الغاء العبودية (1846) بدأت تتشكل الهوية الثقافية لهذه المجموعات ولعب الارث الافريقي دوره ورسم الملامح العامة لاندماجها وتسييرها.
"طوايف غبنتن" مجموعات موسيقية لها اسلوبها الفريد في عروضها، يبدأ الحفل بنقرات الطبل ثم تبدأ الاحتفالية، تميزت اغانيهم بنقد السلطة وارتجال اشعار وأغان على القضايا الكبرى مثل القضيىة الفلسطينية فهي حاضرة في كل العروض، كما يغنون على الوضعيات المجتمعية مثل غلاء الاسعار وضعف المقدرة الشرائية للمواطنين، فأغاني الطوايف صرخة موسيقية بالكلمة ضدّ كل ما يؤرق انسانية الإنسان اغانيه احتفالية خاصة ينتصرون معها للحق في حياة كريمة لكل انسان.
"غبنتن" نظام متقن وموروث متداول عمره القرن، لباس لا يتغير ونظام لا يمكن الاخلال به، هم يمزجون الهوية التونسية مع الارث الافريقي في اللباس الواحد والموحد، جميعهم يرتدون البرنس الأبيض مع الجبة و السروال والشاشية الحمراء فوق رؤوسهم ووشاح احمر صغير يربط فوق الكتف ويستعمل في اغلب الرقصات وعصا معقّفة باليد اليمنى وهي وسيلة الرقص، اللباس ميزته ايضا اللونين الاحمر والابيض لون العلم الوطني التونسي، ايضا حمرة الدم (فالعبيد كانوا يضربون بالسياط حدّ انفلاق الدماء) و الابيض بياض السلام والهدوء لتكون غبنتن وعبر التاريخ مقدمة لرسائل عن الحرية والبحث عن السلم والسلام..
بعد سجيل "طوايف غبنتن" رسميا في قائمة اليونسكو يرتفع عدد العناصر التونسية المسجلة على قائمة التراث الثقافي اللامادي للإنسانية لدى اليونسكو إلى 8 عناصر وهي: فخار سجنان (2018)، النخلة (2019)، الكسكسي (2020)، طرق الصيد بالشرفية (2020)، فنون الخط العربي (2021)، الهريسة (2022)، النقش على المعادن (2023)، وأخيرا ملف "فنون العرض لدى طوائف غبنتن" (2024).