وهو الشاعر الذي تنبأ بموته ورثى نفسه فقال : " سأموتُ من وَلـَـهٍ... أمــوتُ/ سأموت حقـًّـا، لا مجازا ثـُــمّ يطــــويني السّـُـــكوت." لكن السكوت لم يطو صفحات سيرة محجوب العياري ولم يخمد جذوة شعره حتى بعد رحيله منذ 14 سنة.
تحت عنوان " محجوب العياري: مسارات الخلود"،وضمن ندوة فكرية تليق بأثره وآثاره، بادر منتدى الفكر التنويري التونسي بتكريم محجوب العياري على امتداد يومي 5 و6 نوفمبر 2024 في مدينة الثقافة.
شعرية الحياة في قصائد محجوب العياري
في محاولة الوقوف عند التجربة الشعرية لمحجوب العياري التي أثارت الدهشة والإعجاب وأسالت حبر النقد والتحليل وتوجت بعديد الجوائز والألقاب في تونس وخارجها ... تحدث عن محجوب العياري كل من محمد المي ومحمد آيت ميهوب ومنصف الوهايبي وآمال مختار و فتحي النصري والأزهر النفطي وصالح الدمس ومنصور مهني و مصطفى الكيلاني.
في تقديم الندوة وكتاب "محجوب العياري " محجوب العياري: مسارات الخلود" الذي يصدر عن المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية ضمن سلسلة "أعلام الثقافة التونسية"، قال مؤسس ومدير منتدى الفكر التنويري التونسي محمد المي :" محجوب العياري ممن يسميهم زين العابدين السنوسي من ضحايا النبوغ الباكر فقد فارق دنيانا ولم يبلغ الخمسين من عمره (1961 -2010) لم يعش حياته بالطول ولكنه كالشابي والدوعاجي والعربي والطاهر الحداد وطرفة بن العبد وأرتير رامبو عاشها بالعرض حيث أصدر خمس مجموعات شعرية وكتب رواية عنوانها أمجد عبد الدائم يركب البحر شمالا (2006).نشر في تونس ونشرت له الهيئة المصرية العامة للكتاب. نال جائزة سعاد الصباح ونال جائزة ولاية بنزرت للشعر وجمع أعماله الكاملة في کتاب كان سيصدر قبيل وفاته، هل هذا هو محجوب العياري ؟"
وعن هذا السؤال أجابت بقية مداخلات الندوة، حيث قال عنه الأزهر النفطي:"تحتل ثلاثية الحب والحلم والعاطفة منزلة رفيعة على المستويين الفني والوظيفي في منظومة فن القول لدى الشاعر الراحل محجوب العياري إذ تحضر بكثافة في الخطاب الشعري لتقوم بتغذية مفاصل النص بتحويلها إلى عناصر في قصائد المدونة تثري بحضورها النص الشعري بالتنوع والدلالة والثراء فكأن الشاعر ينشئ عالمه بالتوسل باستثمار هذه الثلاثية وبالتوظيف الفني لها بمدلولاتها الفنية ولوازمها وتأثيراتها السيكولوجية في شعر وجداني عاطفي لتصبح بمكوناتها وحركة مفرداتها ثوابة وجوهرا لشعرية قصائد المدونة."
وعن محجوب العياري، قال الشاعر الكبير منصف الوهايبي :" على أنه إذا كان من الصعوبة بمكان حشر محجوب في مدرسة، أو حساسية شعرية بعينها؛ فهذا لا يعني أيضا أن تجربته الشعرية خارج كل تصنيف؛ وهو الحريص على أن يكون نصه في سياقه التاريخي أو ما أسميه شعرية الحياة؛ لا فقط بمعنى أنه يؤرّخ الزمانه أو يشهد له وعليه، وإنّما بمعنى أنه يصدر عنه في لغته وبلاغته. صحيح أن لغته، وبخاصة الشعرية موصولة بذاكرة الشعر العربي. وهذا يطرح على الشاعر المعاصر مهمة شاقة جدا، وهي أن يتقصى عن زمنية شعرية يتجاوز بها زمان القصيدة العربية القديمة التاريخي، ويغادر بفضلها أيضا زمانه هو، ليلج ما نسميه الزمنية الشعرية»، أي الزمنية التي نرى ضمنها إلى القصيدة العربية القديمة من داخلها، ولعلها من دون ذلك هو سطح أبكم. وأقدر أن هذا ما كان محجوب يحاول القيام به في قصائد غير قليلة."
وفي اقتفاء أثر "صورة الطفل ودالاته في قصيدة »الطفل« لمحجوب العياري، ذهب محمد آيت ميهوب إلى أنه "بناءً على ذلك، فإذا صح أن الطفل هو صدى للطفل محجوب العياري الذي تحدث عنه حديثا موجزا في ما كتب من شذرات سيرذاتية قصيرة، فإنّ هذا الطفل هو بلا شك الطفل الذي حلم الشاعر بأن يكونه في قلب عالمه الشعري لا الطفل الذي كانه يوما ما في ستينيات القرن العشرين في إحدى قرى الشمال التونسي النائية. أفليس في هذه الحقيقة دليل آخر على أن الشعر، الشعر
الحق، يخلق العالم ولا يخبر عنه .
ولد محجوب العياري في 13 أوت من سنة 1961 بمنطقة ريفية قريبة من مدينة ماطر اسمها "هنشير عيشون"، كان يصرّ على استحضارها في شعره. زاول دراسته الابتدائية والثانوية بمدينة ماطر. وحاز على الأستاذية في التوثيق وعلوم المكتبات سنة 1987. وبعد التخرج التحق بوزارة الثقافة والمحافظة على التراث ليعمل في إدارة المطالعة العمومية. ارتقى في السّلم الوظيفي إلى أن أصبح رئيس مصلحة المطالعة والمكتبات بالمندوبية الجهوية للثقافة والمحافظة على التراث بنابل التي استقر بها في مطلع التسعينات. توفّي محجوب العياري بمدينة نابل فجر 30 مارس سنة 2010. ودفن بمدينة ماطر.