ميشال بارنيه الوزير الأول الفرنسي المعين يتخبط في تشكيل حكومته إمكانية رمي المنديل أصبحت واردة بعد لقائه مع الرئيس ماكرون

أسبوعين بعد تعيينه وزيرا أولا من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون لا يزال ميشال بارنيه يلازم مكانه

بدون التوصل إلى تشكيل حكومة "يقبلها" رئيس الدولة. عند لقائه ماكرون يوم الأربعاء 18 سبتمبر أصبح رفض الرئيس التشكيلة التي قدمها بارنيه معتبرا أن "لها لون واحد" يميني يعطي من حيث العدد ونوعية المناصب السيادية لحزب الجمهوريين.

في بداية مشوار ميشال بارنيه كوزير أول، طلب الرئيس منه تشكيل حكومة "واسعة" تشمل وجوها من اليسار. وكانت في تلك الظروف مهمة شبه مستحيلة بعد أن رفض ماكرون تعيين وزير أول في صفوف اليسار الذي تصدر الأحزاب في نتائج الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها. ولم يبخل ميشال بارنيه في الإتصال بجل الأحزاب التي شاركت في "الجبهة الجمهورية"، ما عدا حزبي "فرنسا الأبية" و"التجمع الوطني"، من أجل منع حزب مارين لوبان المنتمي لليمين الراديكالي من الفوز بأغلبية في البرلمان تسمح له بممارسة الحكم في إطار "نظام تعايش" مع الرئيس ماكرون.
ضغوطات اليمين
واجه ميشال بارنيه ضغوطات كبيرة من عائلته السياسية ، "حزب الجمهوريين"، حيث تكلم زعماؤه في لهجة واحدة مطالبين بتعيين عدد هام من الوزراء من صفوفه مع اعتماد سياسات تتماشى ومواقفه اليمينية . ثم انتقل في مشاوراته تجاه أحزاب اليسار واتصل بحزل الخضر وبالحزب الشيوعي وبعدد من الشخصيات في الحزب الإشتراكي وعرض على بعضهم مناصب وزارية رفضت جميعها. لكن المشكلة الأساسية التي واجهته جائت من الحزب الرئاسي "معا من أجل الجمهورية" الذي رفض عدد ونوعية الحقائب الوزارية المسندة لحزب الجمهوريين الذي له 47 نائبا في البرلمان في حين يتمتع الحزب الرئاسي بعدد 97 نائبا.
وعبر غابريال أتال رئيس الكتلة النيابية للحزب عن رفضه التوجه نحو فرض ضرائب إضافية على الفرنسيين من أجل الخروج من أزمة المالية العمومية. وسبق أن صرح بارنيه للصحافة الباريسية أن حالة المالية "خطرا جدا" في خطوة نحو تمرير فكرة فرض الضرائب كوسيلة سياسية. وقال إنه "لايستثني" تقديم مشروع "عدالة جبائية" في برنامجه فهمه الجميع أنه يشمل ضرائب إضافية. وهو خط أحمر بالنسبة لحزب الرئيس ماكرون وحزب الجمهوريين على السوى.
غيوم تتراكم على أبواب "أزمة النظام"
في نفس الوقت الذي يواصل فيه ميشال بارنيه مشاوراته لتشكيل الحكومة، أظهرت الاحزاب مواقف صلبة تمحورت في العمل النيابي. فقد قدم حزب "فرنسا الأبية" لجون لوك ميلونشون لائحة لعزل الرئيس ماكرون قبلها مجلس البرلمان الذي يسيطر عليه اليسار بموافقه الحزب الإشتراكي الذي قبل نقاش اللائحة مع التنبيه بأن نائبيه لن يصوتوا لصالحها. بعد يومين قدم "التجمع الوطني" مشروع قانون لتنقيح قانون التقاعد وتم قبوله كذلك من قبل مكتب البرلمان. وهي خطوتين واضحتين تستهدف شخص الرئيس و سياسته الماضية. وإن عبر "التجمع الوطني" عن رفضه الخوض في مسألة العزل فإنه يلتقي مع "الجبهة الشعبية الجديدة" اليسارية في موضوع ابطال قانون التقاعد.
من ناحية أخرى دخلت فرنسا في ممارسات مخالفة للدستور بعد رفض وزارة المالية تسليم الجنة البرلمانية للمالية مسودة الميزانية كما ينص عليه القانون في إطار العمل البرلماني. وأصبح النظام الجمهوري بقيادة الرئيس ماكرون يتخبط في مسائل سياسية ودستورية لم تحصل من قبل في تاريخ الجمهورية الخامسة منذ تأسيسها على يد الجينرال دي غول عام 1958. وهو ما جعل بعض المحللين يعتبرون أن فرنسا على أبواب "أزمة نظام" لا يعرف مىلها في صورة فشل بارنيه في مهمته.
حالة سياسية ضبابية
يجد ميشال بارنيه نفسه في مفترق طريق يواجه فيه من ناحية الأحزاب التي يمكن أن تدعم حكومته الافتراضية ومن ناحية أخرى في مواجهة الرؤية الرئاسية لمستقبل الحكم في فرنسا. وهو يتحرك بين نارين لا بد له أن يستغل كفاءاته المعروفة في الإقناع والحوار من أجل التوصل إلى "اتفاق" حول مشروع برنامج حكومي وشخصيات "مقبولة" من قبل الرئيس ماكرون. ما يسند بارنيه اليوم هو الدستور الذي ينص على أن الوزير الأول "يحدد ويقود" شؤون البلاد ويقتسم مع رئيس الدولة في "حالة التعايش" تعيين الحقائب السيادية. لكن نفس الدستور يعطي للرئيس وحده سلطة تعيين الوزراء.
وهي حالة معقدة دستوريا خاصة في وضع برلمان بدون أغلبية و استحالة حله مجددا قبل جوان 2025 حسب ما ينص عليه الدستور. يبقى، في صورة فشل ميشال بارنيه في الأيام القليلة القادمة، أن يستقيل من منصبه ويترك الرئيس ، الذي رفض اليمين الراديكالي و اليسار وفشل في تكوين حكومة بمساعدة حزب الجمهوريين، أمام خيار استعمال البند 16 من الدستور الذي يسمح له بالحكم المباشر بدون الرجوع للبرلمان في "حالة استثنائية". وهو السيناريو، إن تحقق، الذي يهدد البلاد باندلاع حالة من الفوضى وعدم الاستقرار التي يمكن أن تهز كيان الدولة خاصة أن عددا من زعماء اليسار الراديكالي يحلمون بهذا التوجه للدخول في عصيان سياسي من أجل المطالبة باستقالة الرئيس ماكرون والدخول في "جمهورية سادسة" تقطع مع الحكم الفردي.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115