لكن يبدو اننا لا نحلم لوحدنا في هذا العالم، الاشكال والألوان والخطوط والسطوح والظلال تحلم ايضا هكذا كتبت ام الزين بن شيخة في تقديمها لأعمال الرسام مبروك الكامل.
فلوحاته تتماهى مع نبضات القلب وتدفق الذكريات دفعة واحدة، شلالات من الحب يتقن تحويلها الى مادة تشكيلية تجمع الواقعي والغرائبي يتفنن في رسمها وبعث الحياة فيها باسلوبه المتفرد، فالكامل فنان متفرّد، حالم دائما بطفولة لا تشيخ وهو ما يجده زوار معرض "اضاءات" برواق (الكسندر روبتسوف) المرسى.
تنسجم الالوان وتتدافع الاشكال الغرائبية، يحمل مبروك الكامل زوار معرضه الى عوالم ابداعية وروائية جد مختلفة، تجدك تزور منمنمات بلاد فارس وتلامس بريق حكايات الف ليلة وليلة، وتستمتع بجمالية الالوان وتكاتفها في ادغال افريقيا وربما ستفتح كتاب او مرجعا عن اسماء الحيوانات النادرة والطيور الاكثر ندرة منذ تشكل الكون الى اليوم، وقد يشدك حوار بين كائنات طفولية واخرى هلامية من وحي خيال طفل الرسام وكل هذه المتناقضات والتلوينات التاريخية والغرائبية يمزجها الكامل في لوحة واحدة لتضيء دروبه التشكيلية وتنصهر فيها الكتل اللونية والفكرية.
تتوزع الوانه على كامل مساحاته التشكيلية، يبهرك بتفننه في توزيع اللون والدقة في رسم الجزئيات، يحمل زائره الى عوالم غرائبية وعجائبية ترضي غرور الطفل وتعيد ذكرياته الى الحياة، يعرف مبروك الكامل ان الفنان طفل دائم ومن بوابة الطفولة يحلم وينتشي مع حكاياته وحيواناته وحتى الحجارة التي يرسمها موشاة بالزهري والازرق وألوان طفولية تنعش الروح ويخفق لجمالها قلب الانسان الحالم دائما، في "اضاءات" تختلف الافكار وتتباين المواضيع المرسومة لكن سيرورة اللون والحلم تكون جزء اساسيا في جميع اللوحات.
ممتع هو اللقاء بين المحبين، في غابة لا يغيب عنها الضوء يكون لقاء المحبين مميز، تتحول الاشجار الى شموع ملونة تضيء دروب المحبين وتنير طرق القلب، الطيور بدورها تتبادل الحب والعشق، طيور نعرفها مثل الطاووس والبومة والشحارير واخرى من اختراع الرسام ومن تمازج اللون يمكن ان تسمع هسيس العشق وزقزقات الطيور وهمسات الورود تتفتح للحب والجمال، فاللوحة دينها الحب وامام لوحة العشاق يمكن البقاء لفترة اطول فقصصهم مغرية ونبضات قلوبهم تصنع موسيقى مميزة.
يرسم عوالم تشكيلية جد مميزة، تنتشي كل الحواس امام الكتل اللونية الموزعة بحرفية على الاعمال الفنية، يلتقط بحساسية الفنان اجمل تعابير الحب والحلم ويعيد تشكيلها لونيا وفنيا، لاعماله رائحة الحنين وصوت الذكريات، في اضاءاته مساحات من الحب وطفولة متواصلة يستلهم منها الرسام فضاءاته الابداعية.
يعرف ان الحياة "سباق" دائم فيختزل السنوات وصراعاتها في لوحة تحمل اسم "السباق" يضع فيها شخصياته الغرائبية، بعضها انسية دون اقدام او وجوه ملونة، اخرى لبطون دون جذوع، افواه وعيون دون رؤوس ودوائر رمادية مع تمازج لوني ومنحنيات تملئ كل فراغات اللوحة، عالم غرائبي تتوسطه ساعة بعقارب حمراء وكانها انذار للانسانية ودعوة الانسان ليصحو من سباته ويرفض الحروب ويحاول الانتباه لوجع الطبيعة وتاثيرات الانسان السلبية على هذا الكون، في العمل دعوة صريحة للانسان حتى ينتصر للحب والالوان وينبذ الحرب ويوقف العدوانية، فالحياة لن تستقيم مادام هناك حروب تشنّ واحلام تجهض.
يتماهى الرسام مع المكان، ينسجم مع كل التفاصيل المثيرة للانتباه والمحفزة للذاكرة البصرية، يلتحم روحيا ولونيا مع كل جزئيات الفضاء الجغرافي الذي انتمى اليه، يرسم مناخات تشبه لمناخ الطفولة، فهناك الكثير من التماهي بين عوالم الرسام التشكيلية وعوالم قرية المزونة المحفورة في ذاكرة الطفل الفنان، وعن هذا التماهي بين الانسان والمكان يكتب الحبيب بيدة ""ما اجمل ان يلتحم الفنان في كل زمان ومهما كان المكان، بلحظة يشعر فيها بتوحده ووصله بهذه المغامرة التي صنعت فنّ المبدأ الاول والتي بدورها صنعتهن تتداور في اذهاننا هذه الخاطرة عند تأملنا في اختراق مبروك الكامل لفضاء اللوح المفتوح وبحثه فيه عن كائنات صورية وصورويّة تريد ان تنساب من هذا الفضاء وفي نفس الان تشكّله ليصبح مكانا حاويا لهذه الكائنات العجيبة".
تنساب الالوان كما الايقاعات الموسيقية من بين اللوحات، لوهلة ستنصت لموسيقى ساحرة تنبعث من بين النصوص والشخوص العجائبية المرسومة، ستشعر ان هناك جوقة مخفية في مكان ما تعزف سيمفونية الجمال وصخب الالوان بدوره يتحول الى ايقاعات موسيقية تنتصر لفكرة المرح الطفولي، فلوحات مبروك الكامل مزيج من الالوان والشخوص والايقاعات وامام العمل يفضل صلاة الصمت للانسجام مع الموسيقى التي تحدثها ريشة الرسام كما تقول لوحة "ويكاند" المشحونة بطاقة من الالوان والشخوص وتتوسطها منازل صغيرة تشبه كثيرا تلك البيوت المتناثرة في ارياف المزونة وقراها الهادئة والصاخبة في الان ذاته.
"اضاءات" رحلة الى عوالم الطفولة يتقنها مبروك الكامل، جولة فنية وتشكيلية ترحل الى التاريخ والغرائبي وتمزج بينهما بحرفية وذكاء، مشاكسة للذكريات الخالدة الموجودة داخل الطفل في كل انسان، هي مزيج من التشكيل واللعب بالفكرة واللون وانصات حقيقي لصوت القلب وضحكات الروح، اضاءات مساحات تشكيلية وجغرافية لا تعرف اليها الظلمة طريقا، فضاء من النور والطفولة يحاكيها الرسام الشغوف بعوالمه الغريبة "اليوم احتفي بذاكرتي وخوفي الطفولي، فارسم الغريب واضع الالوان لتزيينه" كما يعلق الكامل على اعماله.