الذي قدم للجمهور باقة من اشهر الاغاني الفكاهية وكرّم مؤسسي الاغنية الفكاهية في تونس.
في فضاء عرض واحد تدور الرحلة الغنائية الهزلية، ممثلون بصدد انجاز تدريبات لعرض مسرحي وموسيقيون يرغبون في العودة إلى العمل بعد انقطاع قسري بسبب "كورونا" يختلفان، يحدث الصراع ثم يكون الحل تقديم عرض يجمع بين الموسيقيين والمسرحيين، فيعزف الموسيقية أجمل ألحانه ويصبح الممثل مطرب العرض.
حين يبدع الممثل في الغناء
"العمل تحية منا الى مؤسسي الأغنية الفكاهية وكل روادها، حاولنا تجميع اكبر عدد من الأغاني التي يحفظها التونسي اعترافا بمجهود فنانين وممثلين كانوا سباقين في المكانة لرسم الضحكة والنقد على التونسيين" حسب تصريح منير العرقي مخرج العمل.
"ديما نضحك" كوميديا موسيقية تتوفر على مقومات الفرجة والتمثيل، جمال المداني سيد العرض على ركح مدنين، يتقن جيدا الشخص والشخصية، تلقائية وصدق في التعامل مع الاغنية والفضاء يكشف عن ممثل محترف احب الركح فقدم له الكثير من الابداع.
"ديما نضحك" سرد مسرحي لباقة من اجمل الاغني الفكاهية في تونس، رسالة اعتراف لمن صنعوا هذا الفن النبيل وقدموا الكثير للاغنية في تونس وكانوا مختلفين ومتميزين، نقدوا الواقع والوضع الاجتماعي والسياسي عبر الضحكة والنكتة وايقاعات لحنية ترسخ في ذاكرة المتلقي، تجميع لمساحة من السعادة يبدع الممثلون في توزيعها بالعدل على جمهور متشوق للفرجة والفرحة.
على ركح مدنين صنعت تلقائية جمال مداني وخفة ظل جلال الدين السعدي وفكاهة فتحي المسلماني وحرفية كوثر بلحاج وقدرة حنان الشقراني على التلون حيوية العرض، ممثلون اكدوا ان بقدرتهم على التلون والتغير والمزج بين الشخصية والشخص والتماهي بين الاداء التمثيلي والحياة الواقعية، لكل منهم خصوصيته على الركح ولكل طريقته في تقمص الاغنية وتقديمها حيث تنسجم مع روحه وتقدم للجمهور مساحة من المتعة.
بالاضافة الى الممثلين على الركح صنع الموسيقيون عالما من السعادة، عازفون مهرة انتشوا مع ايقاعاته وانسجموا مع الممثلين واشرف على توزيع الاغاني المايسترو حكيم الغربي الى جانب رضا القاسمي ولطفي الشواشي وفيصل ميلاد وبلحسن مطيمط وزين العابدين المرناقي، لكل منهم عالمه الابداعي وآلته التي صنع من نوتاتها ساعة ونصف الساعة من المتعة.
الاغنية الفكاهية مزيج بين النقد والسخرية
"ديما نضحك" هو عنوان العرض والاغنية، رسالة للتمسك بالضحكة ضد الوجع، محاولة للخروج من واقع بائس وتعيس عبر الفن والضحك، فلكل اغنية شيفراتها ولكل اغنية ظرفية تاريخية واجتماعية كتبت فيها، لكن جميعها تشترك في كونها "تنفيسة" او محاولة ثورية للسخرية من الحرب والفقر والتهميش والانتصار للامل ولليوم دون التفكير في قساوة الغد وظلمه.
العرض يجمع القديم بالجديد، يمزج بين اغاني محمد المورالي وحمادي الجزيري وصالح الخميسي والهادي السملالي وبين حرفية جمال المداني وفتحي المسلماني وجلال الدين السعدي، الاغنية واحدة مع تغير المؤدي والممثل لكن الظرفية تقريبا تتشابه فلازال الفنان في تونس يعاني الكثير من الضيم وتحولت الحرب من حرب بالاسلحة الى اخرى اخلاقية وقانونية راح ضحيتها الفنان بسبب انعدام قوانين تحمي وجوده وابداعه.
الاغنية الفكاهية مزيج من الضحكة والدمعة، خليط بين فضاء ملون واخر ضبابي، بينهما يرتكز الممثل ويحاول الانتصار للحياة، يشاهد سوداوية واقعه ويحولها الى اغنية ضاحكة او مشهد كوميدي ينسيه ذاك الواقع قبل ان يعود اليه مرغما، فالاغنية الفكاهية وعرض "ديما نضحك" يشبه مساحة من الالوان يضعها الطفل على ورقة بيضاء شاسعة.
الاغنية الفكاهية في تونس مرجعها القريب فترة ما بين الحربين العالميتين. لقد فرضت ظروفها السياسية والاقتصادية والنفسية على المجتمع التونسي المستعمر والمأزوم بالأزمة العالمية والحرب اللجوء إلى الفكاهة الناقدة ليتنفّس نسمة الحرّية ويعيش يومه غير منشغل بغده كما انها اليوم متنفّس للممثل والفنان من ضغط الراهن ومشاغله، الاغنية الفكاهية مساحة للنقد ومشاكسة السلطة، تراجع هذا النمط الفني في تونس واكتفى الكثيرين بالسكاتش التمثيلي دون غناء، لكن يبقى لهذا الفن بريقه وسحره الخاص واعادة تقديمه الى جمهور اليوم تعتبر لفتة ذكية لتكريم رواده ودعوة التونسي للبحث من جديد في هذا النمط الموسيقي والتمثيلي المتميز.
للاغنية الفكاهية نجومها الذين ابدعوا في الغناء والتمثيل، فنانون نقدوا واقعهم انذاك فنقدوا السلطة، السجن، الظلم وارتفاع نسبة الانجاب ووضعية الفنان وقساوة العمل وغيرها من المواضيع اليومية التي التقطتها عين الفكاهي وصنعت منها اغنية ظلت تحافظ على وجودها رغم مرور العديد من الاعوام .للتذكير عرفت تونس عددا من فناني الفكاهة ومقدمي الاغنية الفكاهية لعل اهمهم صالح الخميسي والهادي السملالي ومحمد المورالي وحمادي الجزيري ومحمد الحداد وصلصلح ورضا الحجام ومحمد الجراري واحمد الملوح والرزقي العوني ولكل منهم طريقته المميزة في طرح الاغنية الفكاهية.
مفيدة خليل