احبوا صحراء الطفولة فجعلوها قبلة للباحثين عن الفرجة والمتعة والفن، انتصروا لصحرائهم المنسية بالفن ليكون للصحراء مهرجان دولي يجمع على رماله فنونا مختلفة ودولا متباينة وفنانين من كل المشارب الابداعية يجمعهم النضال بالفنون.
تفصل ايام قليلة ابناء الصحراء عن فعاليات الدورة الثالثة للمهرجان الدولي للمسرح في الصحراء بولاية قبلي الذي اطلقه ابن مدينة جمنة حافظ خليفة واصرّ مع كامل الفريق على ان تصبح الصحراء مسرحا مفتوحا للفنون فولد المهرجان الدولي للمسرح بالصحراء في ربوع ولاية قبلي ليطفئ شمعته الثالثة من 28افريل الى 2ماي 2023.
النويّل من قرية محلية الى وجهة عالمية
في «النويل» تلك القرية الصحراوية الصغيرة التي تحتل مرتبة متاخرة في سلم التنمية يكون الموعد، في قرية تفتقر لمقومات الفعل الابداعي خاصة البنية التحتية يكون الموعد الدولي، نويل قرية يعرفها ابناؤها بانها «كنز بين الرمال، واحات في ربوع الجنوب التونسي، تحديدا في جهة نفزاوة نعثر على أحد كنوز الأرض، منطقة صغيرة ميزتها أنها محاطة بالواحات، واحات جميلة مزدانة بنخيلها الباسق و موشحة بخرير مياهها العذبة و الفياضة».
فالنويل لم تعد قرية محلية يعرفها فقط ابناء قبلي وسكانها لكنها ستصبح مسرحا بمواصفات عالمية يعرفها محبو الفن الرابع والمقبلون على التخييم طيلة ايام المهرجان، فالمسرح سيخرج القرية من محليتها الى العالمية بفضل الفن ومحبي الحياة وباعثي الجمال.
المهرجان الدولي للمسرح في الصحراء حلم انطلق بعرض مسرحي، ثم كبر الحلم مع ارتفاع عدد الجماهير التي تقبل على العروض الملحمية المنتجة لمهرجان «قبلي»، اختمرت الفكرة وكبرت لتولد مهرجانا كبيرا من حيث عدد العروض وطاقة استقطاب جماهير غفيرة العدد، جماهير متعطشة للفرجة لاعمال مسرحية تنتمي إلى مدارس مختلفة من الصعب ان تعرض في القرى الصحراوية في العادة، تأسس المهرجان في دورة اولى بجمنة، ثم اخذ طريقه ليحطّ الرحال الفني في قرى الصحراء وربوعها الممتدة لتكون النويل فضاء للمسرح في الدورة الثالثة للمهرجان.
المهرجان الدولي للمسرح في الصحراء ليس مجرد تظاهرة بل هو لبنة حقيقية لنشر ثقافة المسرح في الجنوب التونسي، محاولة جادة وجدية حتى يكون لتلك الربوع فنانوها وراقصوها، وتنطلق فعاليات المهرجان دوما قبل اشهر من الافتتاح الرسمي من خلال الورشات التي توزعت على ستّ ولايات في الجنوب التونسي، ورشات في الرقص المسرحي والجسد الراقص والسينوغرافيا وغيرها من المفاهيم المسرحية حتى يتمتع بها شباب الجنوب وابناؤه المولعون بهذا الفن العظيم، الورشات مطية لترسيخ ثقافة الفعل المسرحي وتقريب الجانب التكويني لشباب تسكنه الموهبة لكنه يفتقر لفضاءات تدربه وتشجّعه على النجاح.
واتخذت الورشات هذه السنة منحى اكثر شمولية بانفتاحها أكثر على المناطق الداخلية حيث سعى مدير المهرجان حافظ خليفة إلى عقد اتفاقيات شراكة مع دور الشباب بقبلي ونويّل وقبلي وحزوة وتوزر والقطار قفصة و محمد علي بقابس إضافة إلى دار الشباب المتنقلة بتطاوين والمركب الشبابي بصفاقس والمركب الشبابي بمدنين والمركز المندمج للشباب والطفولة بدوز وبدعم من وزارة الاسرة والمرأة و الطفولة و كبار السن وبشراكة مع جمعية أنصار المسرح والمندوبية الجهوية للشباب و الرياضة لتنتشر ثقافة المسرح اكثر وتمس اكبر عدد من شباب الجنوب التونسي ليظل المهرجان فكرة حقيقية تدافع عن الحق في الثقافة.
المسرح مساحة للفرجة والدفاع عن الحق في الثقافة
يقدم المهرجان الدولي للمسرح في الصحراء لجمهوره وضيوفه مجموعة من العروض المسرحية المتغيرة حسب طبيعة المكان والإضاءة الطبيعية، ويكون للجمهور التونسي فرصة متابعة احدى اشهر قصص الحب من التراث الشفوي الموريتاني مع ملحمة «منت البار» اخراج حافظ خليفة، ومنها عرض ملحمة «خضراء» وتتناول قوة المرأة التونسية وقدرتها على الانتصار ضد كل الغزاة، كذلك ملحمة «العودة» لجمعية المسرح بالنويل وجميع العروض الفرجوية الكبرى لبنة اساسية في المهرجان وجميعها تجمع بين التوثيقي والمسرحي والفلكلور.
كما أن لأطفال الصحراء نصيبهم من الفرجة اذ يقدم لهم المهرجان عروض الاطفال بنسق يومي في الفترة الصباحية بمسرح الواحة وهي على التوالي مسرحية الدب الحاج كلون في الصحراء لنزار الكشو والدب الطيب لكريم الخرشوفي وعم قدور..يدور يدورمسرح طفل لهشام غزواني والمسعف الصغير لجمعية المسعف الصغير.
المهرجان الدولي للمسرح في الصحراء تجربة فنية وانسانية وحقوقية تدافع عن الحق في الثقافة وتكرس لامركزية الثقافة، تجربة تنصت لسكان الصحراء وتنقل قصصهم الى عوالم المسرح الشاسعة، تلتقط من بهاء الصحراء وشموخها بعض المفاهيم الابداعية، تجربة تجمع بين الفعل الابداعي والنضالي فتقديم عروض مسرحية وقت الظهيرة في الصحراء يعتبر فعل مقاومة وانجاز مسامرات ليلية تحت السماء المفتوحة وببرودة الصحراء ليلا هو ايضا فعل نضالي ينتصر للثقافة وللإبداع.