الكاتب والمحلل السياسي رامي الخليفة العلي لـ"المغرب": "فرنسا تدخل مرحلة من الأزمة السياسية التي تقترب من حالة الفوضى"

قال الكاتب والمحلل السياسي رامي الخليفة العلي في حوار لـ"المغرب" أن فرنسا -اليوم- أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن تتعمق الحركة الاحتجاجية وتزيد الإضرابات،

وتشمل قطاعات حيوية أخرى أو أن تخفت هذه الحركة الاحتجاجية مع مرور الوقت وتفقد الزخم الشعبي وهذا ما يراهن عليه الرئيس ايمانويل ماكرون. وأضاف أن ماكرون وضع ،من خلال مشروع قانون التقاعد المجتمع الفرنسي والنقابات والأحزاب تحت الأمر الواقع ، وهو ما اعتبر تفردا واستبدادا ودكتاتورية فتحت باب الصراع السياسي والإجتماعي على مصراعيه .

أولا لو تقدمون لنا قراءة في الوضع الفرنسي الراهن، وما خلفه مشروع قانون التقاعد من احتجاجات شعبية ومن جدل ؟

عاصفة سياسية واجتماعية تجتاح العاصمة الفرنسية باريس، صحيح أن هنالك استخدامات سابقة لقانون 49.3 من قبل عدد من الرؤساء الذي مروا بتاريخ فرنسا لكن الرئيس ماكرون توسع والأهم من ذلك أنه حاول حسم الجدل حول قانون التقاعد بالقوة، وبالتالي وضع المجتمع الفرنسي والنقابات والأحزاب تحت الأمر الواقع
وهذا اعتبر تفردا واستبدادا ودكتاتورية من قبل مختلف هذه الاطراف وما مافتح باب الصراع السياسي والإجتماعي على مصراعيه .
والوضع الاجتماعي والسياسي مفتوح على كافة الإحتمالات والتصعيد هو سيد الموقف . ويتوقع ان تحصل تحركات اجتماعية كبيرة في المدى المنظور
النقابات والأحزاب وحتى الرأي العام الفرنسي مصمم على المضي قدما لعرقلة تطبيق هذا القانون والضغط وللتراجع عنه طبعا هنالك الاليات المعتمدة دستوريا ومنها التقدم إلى المحكمة الدستورية او اجراء استفتاء حتى لو كانت الإحتمالات ضعيفة ولكن هنالك محاولات في هذا الإطار .
والتحرك على مستوى الشارع هو الأهم ، وكما قال ميلنشون زعيم أقصى اليسار أنه يمكن إسقاط المشروع في الشارع وبالتالي هذا مايتم الرهان عليه يوم 23 مارس إذ بحصول تحرك واسع .

برأيكم هل ستشهد الأوضاع تصعيدا قريبا ؟

هنالك تحركات يومية وليلية ،هناك صدامات هنالك قطع لخطوط القطارات ومنع وصول إمدادات المحروقات والبترول وهنالك أيضا إضرابات في مجالات حيوية في فرنسا . بالتالي التحرك الإجتماعي مستمر ويبدو متصاعد، بالمقابل الحكومة ليس لديها ماتقدمه وخصوصا الرئيس .ولئن كانت الحكومة قد نجت من امتحان سحب الثقة. إلا أن ذلك جعلها حكومة ضعيفة لأن الفارق كان بسيطا ولأن الحكومة تعاني من أزمة حقيقة بعد استخدام المادة الدستورية التي تتيح تمرير القانون دون المرور بالجمعية الوطنية ..
في اعتقادي التصعيد موجود وستتصاعد حدته في الفترة القادمة ، طبعا الأمر يعتمد على ما يمكن أن يقدمه الرئيس خلال الفترة القادمة ، هذا سوف يحدد أفق التصعيد ومدى وجود حوار بين الرئيس والنقابات أو الرئيس وممثلي الشارع .. هذا كله مرهون بالإستراتيجية التي سيتبعها ماكرون والذي يبدو أنه مصمم على المضي قدما لا يستمع كثيرا وهو يريد فرض وجهة نظره على الآخرين ، ذلك مايجعل التوصل إلى تسوية إمكانية صعبة للغاية شخصيا اعتقد ذلك ...

ماهي السيناريوهات المقبلة في فرنسا ؟

هناك وسيلتان لازالتا متاحتين من المستبعد أن تؤديا إلى نتيجة ترضي المعارضين للقانون؛ الأولى هي المحكمة الدستورية العليا التي تنظر عادة في دستورية القوانين، وهذه تحتاج إلى شهر من أجل أن تصدر حكمها ومن المستبعد أن تبطل القانون، أما الثانية فهي الاستفتاء العام ولكن الإجراءات تحتاج إلى عام من إجل تطبيقه بعد ذلك موافقة الرئيس، وعند ذلك يصبح القانون سارياً خلال العام ومن غير القانوني إسقاطه بعد هذه المدة.
نحن أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تتعمق الحركة الاحتجاجية وتزيد الإضرابات، وتشمل قطاعات حيوية، وهذا بالفعل ما بدأ يحدث حيث أصبحت العاصمة الفرنسية مليئة بالقمامة بسبب إضراب عمال النظافة، ويمكن أن ينضم إليهم عمال النقل البري أو الجوي، كذلك الطلبة والمعلمون وغيرهم من القطاعات، أو الخيار الثاني أن تخفت هذه الحركة الاحتجاجية مع مرور الوقت وتفقد الزخم الشعبي وهذا ما يراهن عليه الرئيس ماكرون. المؤكد أن التوتر الموجود في الشارع الفرنسي وهذا يؤدي إلى ظهور المتطرفين من أقصى اليمين وأقصى اليسار وهؤلاء يعمدون إلى الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة، وقد باتوا جزءاً من المشهد الفرنسي اليومي.

هل أن مشروع قانون التقاعد رسم نهاية لمستقبل ماكرون السياسي ؟

أعتقد نعم هذا المشروع رسم نهاية لمستقبل ماكرون السياسي لأن إمكانية تمرير مزيد من القوانين امكانية صعبة للغاية، الحفاظ على التوزن الهش الذي كان موجودا في الحياة السياسية منذ إعادة انتخاب ماكرون إمكانية صعبة للغاية ، الآن هناك وضع سياسي معقد للغاية .هنالك ضعف في حزب الجمهوريين أدى إنقسامه على ذاته بسبب سياسات ماكرون بالتالي لم يعد حزبا مضمونا لدى الرئيس الفرنسي .. هناك تشظ في الحياة السياسية والحياة الحزبية الفرنسية ... هذا كله يجعل إمكانية قيام الرئيس بإصلاحات حقيقية إمكانية صعبة للغاية ، على سبيل المثال هناك قانون جديد للهجرة يصعب جدا تمريره الآن.
هنالك حساسية من مشاريع الرئيس ومن مقترحاته خلال الفترة القادمة لذلك فإن مستقبل ماكرون بسبب هذه الأزمة او نتيجة أزمة السترات الصفراء فقد بات ينظر إليه بأنه رئيس للأغنياء فقط ، يعتبره الفرنسيون رئيسا يعيش في برجه العاجي، وكان بقاؤه في منصب الرئاسة كان مرتبطا بأشياء أخرى ليس من ضمنها قناعة الفرنسيين بكفاءة الرجل ،ولكن الأمر مرتبط بالخوف من وصول اليمين المتطرف إلى الحكم... الآن أظن أنها لحظة الحقيقة وهذا امتحان عسير سيمر به الرئيس الفرنسي .
فرنسا تدخل اليوم مرحلة من الأزمة السياسية التي تقترب من حالة الفوضى، وهذا يجعل الرئيس الفرنسي فيما بقي له من فترة رئاسية كالبطة العرجاء إذا استعرنا التعبير الأمريكي ولكن بنكهة فرنسية حادة.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115