صناعة الأخبار الزائفة : في نشر خطاب الكراهية و زرع الخوف

تقول الأرقام أن عددهم بلغ 700 ألف" هذه إحدى المعطيات المضللة المتعلقة بالمهاجرين من جنوب الصحراء

في تونس والتي تداولها رواد منصات التواصل الاجتماعي للإشارة إلى خطر المهاجرين النظاميين وغير النظامين على المجتمع التونسي.
معطيات مضللة وأخبار زائفة وقع تداولها على مستوى واسع في منصات التواصل الاجتماعي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة وقامت منصة "فالصو" التونسية الناشطة في التحري عن الأخبار الزائفة بتوثيقها في تقريرها الأخير "رصد مواقع التواصل الاجتماعي: تطور الخطاب المضلل ونظرية المؤامرة حول مهاجري جنوب الصحراء". لتعود الى بدايات الحملة المضللة التي انطلقت مند 2020 تاريخ إثارة خطر المهاجرين غير النظاميين من جنوب الصحراء الإفريقية.
حملة من التضليل والتوجيه امتدت طيلة ثلاث سنوات تقريبا قبل ان تتكثف في 2022 تاريخ انشاء عدة صفحات ومجموعات وقامت على ترويج جملة من المعطيات والمعلومات المضللة والكاذبة بهدف ترسيخ فكرة خطر "تغيير التركيبة الديمغرافية لتونس" او ما يعرف في خطاب التيارات اليمنية الشعبوية بـ" Grand remplacement" وهو المصطلح الذي وضعه Renaud Camus رينو كامو. .لفهم ما حدث وكيفية التلاعب بالرأي العام وكيفية انتشار هذه المعلومات المضللة لابد من العودة إلى البداية، والقصد ليس بداية الحملة المعادية للمهاجرين بل بداية التلاعب بالرأي العام عبر الأخبار المضللة التي باتت تسوق اليوم على أنها "سرديات وحقائق بديلة" يكشف عنها "الإعلام البديل" أي منصات التواصل التي غيرت نمط إنتاج وتوزيع الأخبار والمحتوى ليكون "من الجميع وإلى الجميع
.البداية كانت بإنشاء الأحزاب السياسية لوحدات كلفت بمهمة نشر معلومات مضللة عن الخصوم السياسيين وانتقادهم بشكل عنيف ومكثف بهدف خلق صورة سلبية وترسيخها لدى التونسيين، قبل ان تصبح العملية صناعة احترفتها عدة شركات في تونس وخارجها، واشهر مثال عالمي قصة "كامبريدج أناليتكا" وتلاعبها منذ 2014 بالرأي العام في أمريكا لفائدة مرشحين من بينهم دونلد ترامب.
أمّا في تونس فابرز مثال سابق "عملية قرطاج" التي أدارتها الشركة التونسية "يو ريبوتيشن" UReputation وكشف تحقيق نشره موقع "ديجيتال فورنسيك ريزوش لاب" في جوان 2020 ان عملية قرطاج أثيرت في العديد من الحملات الرئاسية الأفريقية، حملة إعادة انتخاب الرئيس التوغولي فور غناسينغبي كما أنها أثرت في الحمالات الانتخابية في تونس 2019. هذه الحملات الاتصالية السابقة كما في الحملة الراهنة تستند الى إنتاج الأخبار الكاذبة مستخدمة مصادرِ مجهولة أسماءِ مستعارة لمنح الحملة زخما ينتهي بان تنتشر المعطيات والمعلومات المضللة والهيمنة على المنصات التي تعيد نشرها على حقائق بديلة تكشف عن مؤامرة النخب والاعلام التقليدي. ففي حمالات التضليل والتلاعب بالراي العام وتوجيهيه يقع الاستناد بشكل شبه كلي على منصات التواصل الاجتماعي، فايسبوك تيك توك وانستجرام بالاساس باعتبارها فضاءات تسمح باطلاق عمليات إلكتروني تهدف الى ترويج الأخبار الكاذبة والمضللة لما تمنحه هذه المنصات من امكانيات كبرى لضخ المعلومات والبيانات المضللة للتأثير في الرأي العام معرفيًّا ونفسيًّا وسلوكيًّا.
وفي الحملة ضد المهاجرين من جنوب الصحراء يتضح وجود تضليل مؤسساتي (أي تضليل مخطط له) يهدف الى خلق حالة من الذعر والهلع في الشارع وذلك عبر نشر واعادة نشر اخبار وصور وتسجيلات مصورة مضللة وملفقة تم التلاعب بها تقنيا بهدف اثبات خطر المهاجرين من بينها فيديو مفبرك يصور مجموعة من مهاجري جنوب الصحراء بصدد تجاوز الحدود التونسية بطريقة غير قانونية.
فيديو وقع تداوله على نطاق واسع من قبل حسابات بأسماء وهمية، وهذه إحدى الأساليب المعتمدة في الحملات التي تقوم بها شركات الدعاية التي تعتمد على تمش احدثته شركة كامبريدج أناليتكا تعرف بـ"الرسم البياني النفسي" الذي يستند الى دراسة "شخصية/بروفايل المستهدفين" ويقسمهم إلى أنماط من الشخصيات عبر غربلة وتصفية البيانات التي يقع تجميعها من منصات التواصل الاجتماعي. وهذا ما يشرح رواج المعلومات المضللة من بينها المعطيات عن اختفاء القطط من الأحياء التي يقطنها الأجانب، فقصة اختفاء القطط وربط هذا الاختفاء بوجود مجموعات بشرية وافدة حديثا إلى التراب التونسي تم نشرها وتكرارها ضد عدد من الجاليات الوافدة على تونس ولا فقط ضدّ مهاجري جنوب الصحراء. بهدف استثارة حالة من الخوف والاشارة الى وجود خطر يهدد البيئة المحيطة بالجمهور المستهدف من حملة التضليل. ولا تقف الحمالات عند بث الخوف والترهيب بل تتمدد لنشر الكراهية ضد بتعمد تضخيم بعض الاحداث او اختلاقها كجرائم الاغتصاب والعنف وبيع المخدرات او كل ما يمكن ان يصنف من قبل الجمهور المستهدف كخطر يهدد نمط الحياة العامة أو نموذج النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقيم الثقافية والرمزية والأخلاقية، انشاء محاكم خاصة بالمهاجرين احتراف نشاطات ارامية كالدعارة والخطف الخ. حالة الرعب التي تم بثها طوال سنوات ثلاثة وتكثفت خلال الأشهر الأخيرة انتهت الى ان تدفع بالجمهور المستهدف من الحملة الى التفاعل معها كسردية بديلة او حقائق بديلة يعمل البعض ممن يتامر على طمسها، وهو ما ادى الى ان يقع هذا الجمهور كاسير لهذه الحملات يرفض أي سرديات مخالفة لها ويشترك في عملية نشرها وصناعتها، وهذا ما حققته الحملة ضدّ المهاجرين من جنوب الصحراء.
حملة انتهت الى ان تصبح معلوماتها وأخبارها المضللة جزءا من الخطاب الرسمي الذي وقع في فخ تضخيم التجاوزات القانونية لعدد من المهاجرين غير النظاميين وعممها ليشكل صورة نمطية تتناغم مع الصورة التي شكلتها الحملة، من ذلك ان تقديم رقم مليون او 700 الف مهاجر من جنوب الصحراء يقيم في تونس دون استناد إلى أي مصدر يؤكد حقيقة هذا الرقم.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115