الوجهات العالمية لتصوير الأعمال السينمائية والدرامية، تعلق آمال عريضة على إحداث صندوق التشجيع على الاستثمار في القطاع السينمائي والسمعي البصري. هذا الصندوق لا يمثّل آلية تمويل فحسب، بل يهدف إلى بناء منظومة سينمائية متكاملة، قادرة على استقطاب الإنتاجات الأجنبية الكبرى، ودفع الاستثمار في الجهات، وتثمين تنوع المشاهد الطبيعية والمعالم الأثرية التي طالما كانت خلفية لأعمال سينمائية عالمية شهيرة.
بعد اقتراحه في قانون المالية 2025 وإسقاطه، صادق مجلس نواب الشعب، في جلسة عامة السبت المنقضي، على إحداث صندوق التشجيع على الاستثمار في القطاع السينمائي والسمعي البصري بمقتضى الفصل 61 في صيغته المعدّلة، وذلك بـ 74 صوتا بنعم و9 محتفظين و40 رافضا.
جاذبية جديدة للاستثمار
بمجرّد المصادقة على الفصل 61 في صيغته المعدّلة، عاد النقاش بقوة داخل الأوساط الثقافية والسينمائية حول مستقبل الصناعة السينمائية في تونس. فالصندوق الجديد، المحدث تحت إشراف المركز الوطني للسينما والصورة، يشكل أول خطوة ملموسة نحو إعادة بناء بنية تحتية سينمائية عصرية تستجيب للمعايير الدولية.
يتجاوز الصندوق الجديد كونه مجرد آلية تمويل ليمثل رؤية استراتيجية متكاملة. فهو يوجّه موارده إلى تطوير البنية التحتية عبر تشجيع بعث قاعات سينما جديدة، وإعادة تهيئة القاعات التاريخية، وبناء استوديوهات تصوير حديثة ومخابر رقمية متخصصة في معالجة الصوت والصورة.
هذه الخطوة تمثّل تغيرا جذريا في مسار السياسة الثقافية، وذلك بتجاوز دعم الإنتاج فقط إلى بناء منظومة صناعية قادرة على خلق القيمة الاقتصادية وامتصاص البطالة وتوفير خدمات عالية الجودة لشركات الإنتاج الأجنبية.
موارد تمويل جديدة
يراهن صندوق التشجيع على الاستثمار في القطاع السينمائي والسمعي البصري على استقطاب الإنتاجات الأجنبية ذات الميزانيات الضخمة، والتي لا تكتفي بخلق حركية اقتصادية زمن التصوير فحسب، بل تساهم مباشرة في الترويج السياحي لتونس عبر أعمال تنتشر عالميا.
وتطمح تونس ة، من خلال الصندوق، إلى تشجيع الاستثمار الخاص في بناء مناطق اقتصادية حرة مخصصة للصناعات السينمائية في الجنوب الشرقي والشمال الغربي، بما يحوّل الجهات إلى فضاءات جديدة للإنتاج، ويخلق اقتصادا محليا ينهض على الخدمات على غرار الإقامة والنقل والمطاعم ...
من نقاط القوة في المشروع اعتماده على موارد مالية مستقرة، منها نسبة من رقم معاملات موزّعي الإنترنت، وإتاوة على المعدات الرقمية، إضافة إلى مداخيل الإشهار ومعاليم دخول قاعات السينما.
ومن المنتظر تمويل الصندوق بنسبة 1.75% من رقم معاملات موزعي خدمات الإنترنت والمؤسسات الخاضعة للإتاوة على الاتصالات، إلى جانب إتاوة بنسبة 1% على توريد المعدات الرقمية المختلفة، ومداخيل مالية من عائدات الإشهار السمعي البصري ومعاليم دخول قاعات السينما، والهبات والموارد التي يتيحها التشريع الجاري به العمل.
50% من الموارد لفائدة شركات الإنتاج
سيُعهد بالتصرف في الصندوق إلى المركز الوطني للسينما والصورة وفق اتفاقية تبرم مع وزارة الشؤون الثقافية، مع تخصيص 50% من موارده لضمان قروض لفائدة المؤسسات الناشطة في القطاع السينمائي والسمعي البصري.
إلى جانب رهاناته الاقتصادية وطموحاته السينمائية، يراهن صندوق التشجيع على الاستثمار في القطاع السينمائي والسمعي البصري على دعم تكوين جيل جديد من كتّاب السيناريو والمخرجين والفنيين، إلى جانب تطوير المهرجانات الوطنية والدولية، وحفظ الأرشيف السينمائي الذي يمثل ذاكرة بصرية نادرة لتونس.
إذا ما تم تفعيل الصندوق بوضوح وشفافية وفقا للأهداف المرسومة، فإنه قد يحوّل الجهات إلى منصات إنتاج دولية، ويجعل من السينما محركا حقيقيًا للتنمية الاقتصادية والثقافية.