موقف موحّد ضد الضم الإسرائيلي وتأكيد على حل الدولتين تصويت الكنيست على ضم الضفة الغربية يربك جهود إنقاذ هدنة غزة

تستضيف القاهرة مباحثات بين الفصائل الفلسطينية للتوصل

إلى توافق فلسطيني بشأن تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة. يأتي ذلك فيما يواجه المسار الدبلوماسي الهش الذي تحاول إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحفاظ عليه في الشرق الأوسط وتحديدا في غزة، اختبارا جديدا بعد تحرك الكنيست الإسرائيلي نحو ضم الضفة الغربية المحتلة، في خطوة تهدد بتقويض خطة البيت الأبيض لإنهاء الحرب وترسيخ الهدنة الهشة التي وُقعت قبل أيام قليلة.

وتشير زيارة روبيو إلى الأراضي المحتلة وهي الثانية لمسؤول أمريكي رفيع خلال أسبوع بعد زيارة نائب الرئيس جي دي فانس ، إلى انخراط أمريكي مكثف في محاولة تثبيت الهدنة التي ما زالت مهددة بانفجارات متقطعة من القصف في جنوب وشمال القطاع. وجاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو حاسمة في لهجتها، إذ أكد أن التحرك الإسرائيلي "ليس شيئا ندعمه في الوقت الحالي"، محذرا من أن المضي قدمًا في تشريع الضم "قد يشكل تهديدًا لاتفاق السلام". وتعكس هذه التصريحات قلق واشنطن من أن أي خطوة إسرائيلية أحادية الجانب ستفجّر الوضع مجددا في غزة وتنسف الجهود الأمريكية لبناء إطار سياسي مستدام لما بعد الحرب.
ورغم تأكيد الطرفين التزامهما بوقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب المدمرة المستمرة منذ أكتوبر 2023، فإن التقارير الميدانية من غزة تفيد باستمرار إطلاق النار والقصف الليلي الإسرائيلي، خصوصا في خان يونس وشرق مدينة غزة.
وتُظهر شهادات المدنيين حجم المعاناة النفسية المتراكمة بعد عامين من الحرب، حيث يعيش السكان بين الخوف من تجدد الحرب والحنين إلى حياة طبيعية لم يعرفوها منذ زمن.
وحذر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، من أن إسرائيل "تهدد" اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد اتخاذ برلمانها (الكنيست) خطوة نحو ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية المحتلة.وقال روبيو: "أعتقد أن الرئيس (الأمريكي دونالد) ترامب أكد أن هذا ليس أمرًا يمكننا دعمه في الوقت الحالي"، في خطوة قد "تهدد اتفاق السلام"، في إشارة لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس.وأضاف الوزير الأمريكي أن بلاده تعتقد أن تحرك الكنيست الإسرائيلي باتجاه ضم مناطق واسعة من الضفة "قد يأتي بنتائج عكسية".
معضلة سياسية جديدة
وفي سياق مواز، أقرّ الكنيست الإسرائيلي بأغلبية ضئيلة مشروع قانون يهدف إلى تطبيق القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية المحتلة، في خطوة تُعد بمثابة ضم فعلي .هذا التصويت الأولي الذي مرّ بفارق صوت واحد (25 مقابل 24) أعاد إلى الواجهة الانقسام داخل الاحتلال، إذ لم يؤيده حزب الليكود الحاكم، وجاء نتيجة مبادرة من أحزاب يمينية خارج الائتلاف الحكومي.
ويأتي ذلك بعد أسابيع من إعلان ترامب رفضه الصريح لأي تحرك إسرائيلي لضم الضفة الغربية، معتبرا أن مثل هذه الخطوة ستقوّض فرص تنفيذ خطة ترامب للسلام" المكونة من 20 نقطة، والتي تتضمن إعادة إعمار غزة وتأسيس إدارة فلسطينية مستقرة تمهيدًا لحل الدولتين.
ووفق مراقبين يتضح أن المنطقة تقف أمام مفترق طرق خطير، فبينما تحاول واشنطن إنقاذ هدنة غزة وتحويلها إلى مسار سياسي، تدفع الحسابات الإسرائيلية الداخلية واليمينية بالوضع نحو مزيد من التصعيد. ولا يهدد الضم المحتمل للضفة الغربية فقط خطة ترامب للسلام، بل يفتح الباب أمام انفجار جديد في غزة والضفة، ويقوّض آخر ما تبقى من الثقة في إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة.
رفض واسع
في خضم تصاعد التوتر في الأراضي الفلسطينية واستمرار الحرب المدمّرة على قطاع غزة، خرجت القمة المصرية الأوروبية الأولى التي استضافتها العاصمة البلجيكية بروكسل ، بموقف واضح وصريح يرفض أي مساع إسرائيلية لضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة أو توسيع المستوطنات غير القانونية، مؤكدة تمسك القاهرة وبروكسل بحل الدولتين كخيار وحيد لتحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط.
وجاء في البيان الختامي للقمة أنّ الجانبين "يدينان بشدة عنف المستوطنين وتوسيع المستوطنات غير القانونية بموجب القانون الدولي"، ويرفضان رفضا قاطعًا "أي محاولات للضم أو التهجير الفردي أو الجماعي للفلسطينيين من أي جزء من الأراضي المحتلة"، في إشارة مباشرة إلى الخطوات التشريعية الأخيرة في الكنيست الإسرائيلي الهادفة إلى ضم الضفة الغربية ومستوطنة "معاليه أدوميم" شرق القدس.
وتأتي هذه المواقف الأوروبية المصرية بعد يوم واحد من مصادقة البرلمان الصهيوني، بقراءة تمهيدية، على مشروعَي قانونين يهدفان إلى ضم الضفة الغربية وضم مستوطنات رئيسية في محيط القدس المحتلة، في خطوة تُعدّ تحديا صارخا للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن.
وتنتظر تلك المشاريع ثلاث قراءات إضافية قبل أن تصبح نافذة، لكنها أثارت منذ الآن موجة رفض دولية متصاعدة، لما تحمله من تهديد مباشر لإمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيا وقابلة للحياة.
وفي الضفة الغربية، لم تكن الأوضاع أقل دموية من حرب الإبادة التي عاشتها غزة ، حيث تصاعدت اعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى استشهاد أكثر من ألف فلسطيني واعتقال نحو 20 ألفا آخرين منذ بدء الحرب، بينهم 1600 طفل، وسط تقارير عن توسّع غير مسبوق في مصادرة الأراضي وهدم المنازل.
وأظهرت القمة المصرية الأوروبية تقاربا لافتا في الرؤى السياسية تجاه الملف الفلسطيني. فقد شدّد الجانبان على تمسكهما بـ"سلام عادل ودائم على أساس حل الدولتين، وفقا لقرارات مجلس الأمن وإعلان نيويورك"، الذي يدعو إلى الاعتراف الكامل بدولة فلسطين ومنحها عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
هذا الإعلان، الذي أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، يُعدّ تحولا مهما في الجهود الدولية لإحياء المسار السياسي بعد سنوات من الجمود.
وأكد البيان المشترك كذلك دعم الاتحاد الأوروبي ومصر للسلطة الفلسطينية وبرنامجها الإصلاحي، مع الإشارة إلى إنشاء لجنة فلسطينية تكنوقراطية مؤقتة لإدارة شؤون غزة، في إطار رؤية تهدف إلى توحيد الضفة والقطاع تحت سلطة واحدة، بقانون واحد وسلاح واحد، بما يعزز مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية.
مؤتمر إعمار غزة
وفي محور آخر من القمة، ناقش الطرفان ملف إعادة إعمار قطاع غزة، حيث شددا على ضرورة إطلاق مؤتمر دولي في القاهرة خلال نوفمبر المقبل، يهدف إلى تنسيق جهود إعادة الإعمار بعد تثبيت وقف دائم لإطلاق النار.
وقدّرت مصر، بالتعاون مع جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، تكلفة إعادة الإعمار بنحو 53 مليار دولار على مدى خمس سنوات، بينما تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الكلفة قد تصل إلى 70 مليار دولار نظرا للدمار الشامل الذي لحق بالقطاع.
ورغم دخول اتفاق المرحلة الأولى من الخطة الأمريكية لإنهاء الحرب في غزة حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الجاري، فإن المساعدات الإنسانية الواصلة إلى القطاع تبقى محدودة للغاية.
ووفق "حكومة غزة"، لم تدخل سوى 986 شاحنة مساعدات منذ سريان الاتفاق، من أصل 6600 شاحنة كان من المفترض دخولها، ما أبقى الأوضاع المعيشية على حافة الانهيار.ويحذر مراقبون من أن المجاعة التي تضرب القطاع لن تُكسر ما لم تفتح المعابر بشكل كامل وترفع القيود الإسرائيلية المفروضة على حركة الإغاثة والبضائع.
ويرى محللون أن البيان المصري الأوروبي المشترك يشير إلى تحول نوعي في الخطاب الأوروبي تجاه "إسرائيل"، بعدما كانت مواقف بروكسل أكثر ترددا في إدانة سياسات الاحتلال .ويعزو هؤلاء التغيير إلى تصاعد الكلفة الإنسانية والسياسية للحرب على غزة، وضغط الرأي العام الأوروبي الذي بدأ يُظهر مواقف أكثر انتقادًا لإسرائيل، إضافة إلى الدور المصري المتوازن الذي يسعى لربط العمل الإنساني بالحل السياسي الشامل.
كما أن تركيز البيان على رفض الضم وتوسيع المستوطنات، يحمل رسالة واضحة بأن أي تسوية مستقبلية لن تُبنى على وقائع تفرضها إسرائيل بالقوة، بل على أساس قرارات الشرعية الدولية.فبينما تسعى إسرائيل لتكريس واقع استيطاني جديد، تعمل الأطراف الدولية على إحياء فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، في لحظة مفصلية قد تحدد مستقبل المنطقة بأسرها.
محاسبة "إسرائيل"
من جهته قال رئيس "محكمة غزة" التي تحقق بجرائم ''اسرائيل''، ريتشارد فولك، إنه حان وقت الإصرار على محاسبة تل أبيب على جرائهما التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين.
جاء ذلك خلال الكلمة الافتتاحية في الجلسة الختامية للمحكمة الرمزية التي انطلقت الخميس بمدينة إسطنبول التركية، على أن تصدر قرارها النهائي الأحد المقبل.و"محكمة غزة" مبادرة دولية مستقلة، أسسها في العاصمة البريطانية لندن في نوفمبر 2024، أكاديميون ومثقفون ومدافعون عن حقوق الإنسان وممثلو منظمات مدنية، بسبب "إخفاق المجتمع الدولي تماما في تطبيق القانون الدولي بقطاع غزة".وأكد المقرر الأممي السابق المعني بحقوق الإنسان في فلسطين فولك أن انتهاكات ''إسرائيل'' المتكررة لوقف إطلاق النار دليل على أنها لا تسعى إلى السلام.
وأعرب عن أمله في أن تكشف "هيئة المحلفين" في المحكمة الحقائق، ليس فقط عما حدث، بل أيضا عما يحدث حاليا.
وتضمّ هيئة المحلفين الصحفية الكاتبة الفرنسية كنزة مراد، والعالم السياسي الماليزي رئيس حركة "عالم عادل" الدولية شاندرا مظفر، والأكاديمية الفلسطينية غادة كرمي، ورئيس المحكمة الدستورية العليا الكينية الأسبق ويلي موتونغا، وأحد منظمي "أسطول الصمود العالمي" تياغو أفِيلا، والأكاديمي الفلسطيني سامي العريان، والشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي، وأستاذة القانون الدولي كريستين تشينكن
وشدّد فولك على أن الوقت قد حان لمبادرات التضامن مع نضال الفلسطينيين من أجل نيل حقوقهم الأساسية.وأضاف: "حان الوقت للإصرار على محاسبة إسرائيل على جرائمها، حان الوقت لفضح النفاق الأخلاقي للشريك والداعم للإبادة الجماعية المطولة ضد شعب بريء عاجز".
وشدد على أن الوقت ليس وقت الافتراض بأن المشكلة الملحة التي أوجدتها الإبادة الجماعية في غزة أصبحت من الماضي، موضحا أنها أصبحت "قضية تاريخية ملحة".وأردف: "يجب ألا ننسى أن الناجين من مواطني غزة ما زالوا يعانون يوميا من التشرد والجوع والمرض والإصابات، ويعانون من ألم خسائرهم، ويعانون من الفوضى، ومختلف الاستفزازات العنيفة من جانب إسرائيل".

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115