وسلام على رفرفة نبضاتك في مراقصة النسائم والحمائم... ستبقى تحرس سماءنا وتحرض ضميرنا، وستظل تذكّرنا بأن تونس ليست صدفة جغرافية، بل حكاية شعب تعلّم كيف ينهض من جديد مهما كانت الانكسارات.
مئة وتسعون عاما مضت على ميلاد العلم التونسي، ذلك المستطيل الأحمر النابض فوق الساريات في وعد بالحرية والكرامة، وفي اختزال مكثف لهوية شعب وتاريخ وطن وصمود أمة. وحين يُلف العلم جثمان شهيد ندرك معنى التضحية من أجل الوطن، وحين يرفرف في مباريات رياضية أو محافل دولية تقشعر الأجساد فخرا بتونس الاستثناء.
احتفلت تونس أمس الإثنين 20 أكتوبر 2025 بالذكرى 198 لعيد العلم التونسي الذي ظهر إلى النور سنة 1831 زمن حكم حسين باي، في فترة كانت فيها تونس تبحث عن ملامح دولتها الحديثة وسط مخاطر التفكك والهيمنة الأجنبية. مرّ العلم التونسي بفترات استعمار، ثم استقلال، ثم دولة وطنية، ثم ثورة، ثم صراعات سياسية وحكومات متتالية. ورغم كل هذا بقي العلم صامدا، ثابتا، مستقلا لا ينتمي لا إلى حزب ولا إلى إيديولوجيا وإلى لا سلطة.
إنّ العلم ليس قطعة قماش ولا بروتوكول دولة بل هو الذاكرة والوجدان، وعمره يقترب من مائتي سنة وقرنين من الزمن، يبقى العلم الوطني أجمل الرموز وأبلغها لأنه كان وبقي وسيبقى شاهدا على كلّ المحطات والمنعطفات وتونس تقاوم الاستعمار، وتونس تحتفل بالاستقلال، وتونس تنتفض في ساحات الثورة ...
قد تتغيّر الحكومات والعهود، وقد تتناوب على كرسي الحكم وجوه وأسماء، لكن العلم وحده لا يتبدل. فهو لا يبايع أحدا ولا ينحاز لحزب أو تيار... فبعد ثورة 17 ديسمبر 2010، وعلى عكس دول عربية أخرى، تمسك التونسيون بعلمهم لأنه علم الشعب وليس علم الرؤساء. وبعد الثورة أيضا، تصدّت شابة تونسية شجاعة وحرة اسمها خولة الراشدي لشاب ينتمي إلى تيار ديني متشدد حاول إنزال العلم التونسي من فوق سارية كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة.
وإن يحمي القانون حرمة العلم بفضل المادة 129 من قانون العقوبات التونسي حيث يعاقب على "علانية، بالكلام أو كتابة أو حركات أو بأي طريقة أخرى مخلة للعلم التونسي - وكذلك الأعلام الأجنبية - بالسجن لمدة سنة واحدة"، فإنه يحز في النفس أن يُرى العلم التونسي على واجهة المؤسسات الوطنية في حالة يرثى لها وقد لوثت حمرته الأوساخ أو عبثت بقماشه الرياح ! وحدث أن وقعت إحدى المباني التابعة لشركة السكك الحديدية في الخلط بين العلم التونسي والعلم التركي في السنة الفارطة ليثير الأمر غضبا لم يمتصه الاعتذار !
وفي كتابه "العلم التونسي: التاريخ، الدلالة، الاستعمال"، انتهى الباحث "محجوب السميراني" إلى دحض النظريّة القائلة بعثمانية العلم الوطني وإثبات أصله التونسي، مؤكّدا في الخاتمة ضرورة تنشئة الأجيال على حب العلم واحترامه وحسن التعامل معه باعتباره مقوّما من مقوّمات عزة الشعوب، حافظا لوحدتها، مرسخا لأمجادها.
عبر التاريخ، راكم العلم التونسي عزّة قرطاج ومجد القيروان وشموخ النخيل وعطاء الزيتون... فهل نكرّم العلم فعلا حين نرفعه فقط… أم حين نحمي قيمه؟ هل يكفي أن نردّد النشيد الوطني… أم علينا أن نكتب سطورا جديدة من الإخلاص لتونس؟