احتفال خاص بتسجيله في سجل "الألكسو" تزامنا مع المولد النبوي: جامع الزيتونة... مئذنة تحرس التاريخ

منذ أكثر من ألف عام ... وفي قلب المدينة العتيقة بتونس

يغرس جامع الزيتونة جامع الزيتونة جذوره في أرضه كشجرة زيتون معمّرة وتمتد صومعته نحو السماء في شموخ وكبرياء. اليوم بعد اعتراف الألكسو به كجزء من التراث المعماري والعمراني العربي يستعيد الجامع المعمور أو الجامع الأعظم مكانته ومجده كقبلة لأهل العلم والدين في سالف العصر والأوان. بخصوص تسمية جامع الزيتونة، فالروايات قد اختلفت، فمنها ما ذهب إلى أنّ الجامع بني في موضع كان مشجرا بالزياتين، قطعت كلّها ولم تبق إلاّ زيتونة واحدة في وسط ساحة الجامع فسمي بها. ومنها أنّ المسلمين عند فتحهم قرطاج وجدوا زيتونة منفردة في موضع المسجد فقالوا هذه تونس، وسمّي المسجد بجامع الزيتونة. وتزعم رواية مسيحيّة أنّ الجامع شيّد بالقرب من كنيسة قديمة كانت تضمّ رفاة القديسة أوليف أي زيتونة.

يحظى جامع الزيتونة بشهرة ضربت الأمصار لجمعه بين الوظيفتين الدينية والتعليمية. فلم يكن هذا الجامع ركيزة الحياة الدينية فحسب بل كان منارة علمية ومكانا للتدريس حيث تلتئم حلقات الدروس حول الأئمة والمشايخ للتضلّع في علوم الفقه والتفسير واللغة. ثم اتخذ التدريس به شكلا نظاميا وأصبحت جامعة الزيتونة قبلة طلاب العلم من جميع الأقطار.

سجل الألكسو للتراث المعماري والعمراني يثمن الإبداع في العمارة

يعتبر جامع الزيتونة أو جامع الزيتونة المعمور أو الجامع الأعظم هو المسجد الجامع الرئيسي في مدينة تونس العتيقة في تونس ، وأكبرها وأقدمها . وقد تأسس في 698م (79هـ) بأمر من حسان بن النعمان وأتمه عبيد الله بن الحبحاب في 732م، ويعتبر ثاني أقدم مسجد في تونس بعد جامع عقبة بن نافع. ويقع الجامع على مساحة 5000 متر مربع، ولديه 9 أبواب، وقاعته الداخلية تتكون من 184 عمودا، تم جلبها من الموقع الأثري بقرطاج. يتميز جامع الزيتونة " بمتانة البناء وثراء الزخرفة وتناسق عناصره المعمارية، واندماجه من حيث البناء والوظيفة الدينية والعلمية في المحيط الخارجي المكوّن من طرق رئيسة وأسواق.."
وقد حجز جامع الزيتونة عن جدارة مكانه في سجل الألكسو للتراث المعماري والعمراني في البلدان العربية. ومؤخرا أعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) عن إطلاقها سجل الألكسو للتراث المعماري والعمراني في البلدان العربية، كأحد أبرز المبادرات الهادفة إلى صون التراث المعماري في البلدان العربية وتعزيزه، بما يُسهم في حفظ الذاكرة الجماعية المشتركة وحماية مكونات الهوية الثقافية العربية من الاندثار.
واعتبرت وزارة الشؤون الثقافية أنّ "هذا التسجيل يعتبر اعترافا إقليميا بقيمة هذا المعلم التاريخي والمعماري العريق، وإضافة نوعية إلى رصيد تونس الثقافي، بما يُجسّد ما تزخر به من إرث حضاري ثري وراسخ في وجدان الأمة العربية والإسلامية".
وقد تولّى المعهد الوطني للتراث إعداد ملف ترشيح هذا المعلم الثقافي، في إطار جهوده المستمرة لحماية التراث الوطني والترويج له على المستويين العربي والدولي.
ويمثّل سجل الألكسو للتراث المعماري والعمراني وفق بلاغ صادر عن المنظمة "خطوة نوعية جديدة، تميّزه عن غيره من السجلات المعتمدة لدى منظمات إقليمية ودولية كاليونسكو والإيسيسكو، إذ يركّز على البُعد الإبداعي في العمارة، من خلال إبراز إسهامات المهندس العربي فردا كان أو جماعة في تصميم المعالم المعمارية التي تعبّر عن هوية المدن". كما يولي السجل اهتماما خاصا بالمدن العتيقة التي لا تزال تحتفظ بطابعها التاريخي التقليدي، إلى جانب التراث المعماري المعاصر الذي يعكس تطور الذوق الجمالي والمعرفي في الوطن العربي".

موكب احتفالي في المسلك الثقافي والسياحي

أمام تعاقب الحضارات التي مرت بأرض تونس، لم يكن جامع الزيتونة مجرد مسجد للصلاة بل كان جامعة متطورة ومتقدمة للتدريس. كما مثل تحفة معمارية تعكس تمازج هذه الثقافات ، فأعمدته الرخامية التي جلبت من الموقع الأثري بقرطاج تحمل بصمة رومانية ، أما أقواسه وفنائه وزخرفته فتشي بآثار الحضارة العربية الإسلامية في مختلف عهودها على اختلاف تسمياتها.. وقد حظي الجامع المعمور باهتمام "جميع السلالات الحاكمة التي مرت على البلاد التونسية. بيد أنه طغت عليه بصمة الأغالبة الذين ضخّموا بناية الجامع ووسّعوا مساحته مع تجويد عمارته وتنميق زخرفته بما كاد أن يطمس ما سبق من عمارته. وتعرّض الجامع للإهمال والاعتداء خلال فترة الاحتلال الاسباني. ثم تجدد الاهتمام به خلال الفترة العثمانية. فأقام المراديون صومعته وزادوا في ارتفاعها. وشهد جامع الزيتونة عناية فائقة في ظلّ حكومة الاستقلال فقد أنيطت بالمعهد الوطني للتراث مهمة الإشراف العلمي على عمليات التّرميم والتحسين".
بمناسبة المولد النبوي الشريف وتسجيل جامع الزيتونة المعمور ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الألكسو، اجتمعت وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي مؤخرا بالمندوب الجهوي للشؤون الثقافية عماد المديوني وعدد من إطارات الوزارة للنظر في التحضيرات الفنية واللوجستية والمالية لإحياء احتفالية خاصة بالمناسبتين المذكورتين.
وأكدت الوزيرة "أهمية الاحتفاء بهذه المناسبة الدينية والاحتفال في الآن ذاته بتسجيل هذا المعلم الديني والتاريخي في سجل منظمة الألكسو بمشاركة عدد من مؤسسات الوزارة والهياكل المعنية ووزارة الشؤون الدينية وذلك من خلال تنظيم موكب احتفالي في المسلك الثقافي والسياحي بمدينة تونس العتيقة".
اليوم، بعد إدراج جامع الزيتونة في سجل الألكسو للتراث المعماري والعمراني في البلدان العربية يتأكد أن الجامع الأعظم لم يكن مجرد مسجد شهير من تاريخ مجيد بل ذاكرة معمارية حيّة وخالدة عبر العصور.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115