على المقترحات الجديدة لوقف إطلاق النار ، نشر " أودي ديكل" دراسة في معهد دراسات الأمن القومي INSS , يشجع فيها على إغلاق دائرة الحرب في غزة ، بالتأكيد على أن " إسرائيل " قد أتمت معظم " الإنجازات العسكرية " في قطاع غزة ، وأنه من الآن فصاعدا ، لن يكون استمرار القتال سوي " تخبط " وغرق في المستنقع الغزاوي ، وسيكون مقروناً بتكاليف باهظة ، من حيث الخسائر البشرية ، من دون فائدة أمنية حقيقية ، بل قد يقود إلى احتلال كامل للقطاع . ثم تذكر الكاتب أن قليل من الدراما ينفع ولا يضر فإنتقل سريعاً إلى ملف الأسري واعتبره جرحاً مفتوحاً في قلب الشعب في "إسرائيل" ، وأن شيئاً لم يتغير منذ انطلاق عملية ''مركبات جدعون'' ، ووجه نصيحة للحكومة البنيامينية بأهمية استثمار إنجازات القتال ، سواء في القطاع أو في مواجهة إيران بصورة خاصة ، كرافعة لتحريك سياسي يُفضي إلي تحرير الأسري قريباً و إنهاء الحرب .
ولإبراز ميله النسبي إلى التسويات السياسية، نبه ''ديكل'' إلى أن البنية التحتية للحراك السياسي المأمول موجودة مسبقاً ، وتتمثل في المبادرة التي طرحتها القاهرة وتشمل شروطاً لإنهاء كامل للحرب في غزة وإنسحاب إسرائيلي من أراضي القطاع في مقابل إستعادة الأسرى وتدعم إعادة الإعمار على المستويين المدني والاقتصادي . ثم انتقل بدفة الحديث إلى" الفزاعة التقليدية " بتوجيه النصح للحكومة البنيامينية بأن تستثمر التغيُّر الجذري الذي طرأ على المشهد الاستراتيجي الإقليمي عقب ' جولة القتال' مع إيران : فقدت " حماس" راعيها ، وأصبحت إيران ومحور المقاومة أضعف كثيراً ، كذلك خسرت " حماس مكانتها كعضو رفيع في " حركة مقاومة إقليمية " وأصبحت محاصرة ، وكذلك برز الـتحالف الأمني - السياسي بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل مختلف .
يبدو أن وسائل الإعلام ومراكز الفكر في دولة الإحتلال بارعين في الترويج لسردياتهم بشكل لا يعرف ملل أو ملل ، فلا يوجد مؤشرات واضحة عن حجم الانتصار والأضرار بالأطراف المتنازعة وإن كانت من الصعب إنكار ما تُقدم عليه المنطقة ومناطق التماس معها من تحولات جيواستراتيجية ، وبالعودة إلى التقرير المُطول من " ديكل " نجد أنه إصطف إلى جوار المؤيدين لوقف " القتال " وليس فقط هدنة شكلية كما يرغب نتنياهو ، إذ يري "ديكل " أن السير نحو تسوية ليس خضوعاً لشروط حماس حسبما يروج معارضو إنهاء الحرب داخل إسرائيل بل هو خيار منطقي نحو بديل أفضل وقد يسفر وقف الحرب في تقديره عن إنجازات إضافية لإسرائيل لا يمكن للمسار العسكري وحده أن يحققها ، سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمي - في مقدمتها فرصة لإنقاذ الأسرى الأحياء وتشجيع الفاعلين الإقليميين على الإنخراط في إعادة الإعمار . في حين أن الحرب الطويلة والمكلفة بشرياً تُعمق الإنقسام داخل المجتمع الإسرائيلي ، وتُلحق الضرر بالاقتصاد وُتشتت الانتباه عن الحاجة إلى ترميم منظومات الحكم الرسمية وغير الرسمية . كما خلُص الكاتب إلى إن استمرار التخبط سيؤدي إلى فوضي تُجبر إسرائيل على احتلال القطاع ، وهي مسألة قد تحمل مخاطر متعددة ، فلن يبادر المجتمع الدولي بتقديم المساعدة لإسرائيل ، وستتحمل تل أبيب المسؤولية الكاملة عن " المشكلة الغزاوية " بكافة أبعادها ، بما في ذلك إعادة الإعمار وتلبية احتياجات نحو مليوني نسمة بتكلفة تُقدر بعشرات المليارات سنوياً.
هذا ، وقد نقلت " يديعوت أحرونوت " عن مصادر تشارك في محادثات صفقة الرهائن أن تقدماً ملحوظاً قد تحقق مؤخراً وأنه على الرغم من الفجوات بين الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس لم تُغلق إلا أنها تقلصت . كما استفاضت تقارير صحفية في الحديث عن الخلاف الدائر بين رئيس أركان جيش الاحتلال '' زامير'' من جهة وكل من سموتريتش وبن غفير من جهة أخري بشأن الحرب في غزة ، وقد وجه الثنائي الاستيطاني انتقادات حادة لزامير بأنه يتخلي عن النصر وعن كسب الحرب ، والملفت للانتباه ان نتنياهو قد هاجم أيضاً زامير خلال نفس الاجتماع وأن رئيس الأركان لديه مشكلة في التقديرات ، والتسريبات من اجتماع الكابينت الأمني أن نتنياهو قد قال أن لدينا أفضل جيش في العالم على نطاق العمليات لكننا لسنا كذلك في التقديرات السياسية وتُرتكب هنا تقديرات خاطئة مرة تلو الأخرى.
علي الصعيد الرسمي ، قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، خلال زيارته إلى العاصمة الإستونية ، إنه توجد مؤشرات إيجابية على إحراز تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار مع حماس. مؤكدًا جدية الحكومة في التوصل إلى اتفاق يشمل إطلاق سراح جميع المحتجزين في غزة، وربما تكون النبرة الإيجابية التي يتحدث بها هذه المرة تأثراً بالاستعدادات الجارية لزيارة نتنياهو الجديدة لواشنطن، علماً بأن رئيس حكومة الاحتلال يستعد لإعلان عزمه خوض الانتخابات المقبلة ( اكتوبر 2026 ) ، وتفاعلا مع ما يتردد أن الضمانات غير قطعية بشأن إنهاء الحرب كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن المقترح الحالي يتضمّن تقديم ضمانات أقوى لحماس بأن الهدنة المؤقتة "يمكن" أن تُمهد الطريق لإنهاء الحرب، مشيرةً إلى أنه يتضمن إطلاق سراح 10 من المحتجزين الأحياء، إضافة إلى تسليم جثامين 18 آخرين، مقابل إفراج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين . كما ذكرت قناة "آي 24 نيوز" أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير تواصل مع ولئيل سموتريتش لتنسيق موقف سياسي موحد يهدف إلى عرقلة اتفاق وقف إطلاق النار، معتبرًا أن الصفقة المرتقبة تمثل "تنازلًا خطيرًا" يقوّض أهداف الحرب ضد حماس.