تدمير حارة المغاربة ...مسح للذّاكرة وسرقة التاريخ

منذ القدم كانت فلسطين ولا تزال بحكم موقعها الجغراسياسي

وما تتميز به من ثروة أثرية هدفا ومطمعا للأعداء ،فكانت حارة المغاربة أول ضحية أثرية وقع تدميرها بدءا 10 من جوان 1967 . وحارة المغاربة هي واحدة من الحارات الأربعة التي شكلت مدينة القدس القديمة ويرتبط موقعها بعدة أماكن أثرية واستراتيجية وهي الأقرب للمجسد الأقصى والوحيدة التي تفضي إلى الحرم الشريف مباشرة وملاصقة لحائط البراق. أوقفها الملك الأفضل سنة 1193 على المغاربة وحدد جغرافيتها، تميزت بجدرانها السميكة، وبآبارها، وأعمدتها، وقبابها.

توسعت الحارة خارج السور (الحارة البرانية) ، وكان لها دور هام في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية طيلة قرون حتى أصبحت مركز استقطاب للعلماء والطلبة والتجار
تشتمل الحارة على تراث معماري يؤكد هويتها العربية الإسلامية ويرسم الحضارات التي تعاقبت عليها ويشكل الذاكرة البصرية والفردية والجماعية التي تشد الإنسان إلى المكان الذي يحمل في طياته عوامل عدة منها الروحية و المعنوية والمادية
كما تتميز الحارة بموقعها الذي أقيمت عليه الراجع إلى العصر الأموي حيث أنشأوا قصورا باسم دار الامارة،.
كما تضم الحارة عدة مرافق أهمها المدرسة الأفضلية التي بناها الملك الأفضل على بعد 75 متر من الحائط الغربي للمسجد الأقصى والتي أدت دورا مميزا في الحركة الفكرية والعلمية ،
وهي مرتبطة بالمسار التاريخي للعرب والمسلمين وبالهوية المعمارية التي تمثل الحقبات التاريخية التي مرت بها والحاملة للطابع العربي والإسلامي.
لذلك يعتبر المشهد المعماري الفلسطيني مرتبط مباشرة بالذاكرة الفردية والجماعية التي تمثل الخاصية الهامة التي يمتلكها الإنسان وتمكنه من القدرة على معالجة الاحداث و التعلم من الخبرات السابقة.
لذلك يعمل العدو على تغيير المشهد المعماري في محاولة لمصادرة الماضي ومسح للذّاكرة وسرقة التاريخ وإعادة تشكيل المدينة وكسر حلقة الوصل بين المغرب العربي وفلسطين
وفيما يخص حضور المغاربة في القدس، بدا المغاربة بالحج منذ الفتح الإسلامي للمغرب العربي حوالي 675 ميلادي وكانوا يقضون وقتا طويلا في رحلتهم التي تسمى برحلة الينابيع الثلاث أي المدينة المنورة وبيت الحرام والقدس ثم يمكثون بالقدس بعد الانتهاء من الحج
كما كانت عدة شرائح مختلفة من المغاربة: طلبة، أدباء، علماء، معماريين، تجار يشدون الرحال إلى القدس لما تتميز به من ثروة أثرية لعدة حضارات إنسانية وإشعاع علمي وثقافي
وعلى سبيل الذكر لقد زارها الجغرافي الإدريسي سنة 1154 صاحب كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ووصف في كتابه الأقصى وكنيسة القيامة.
وقد برز وجود المغاربة بالانضمام للحرب مع صلاح الدين حيث شكلوا أحد أعمدة جيشه من ناحية العدد ب 25 % والشجاعة والثبات في الميدان حتى استرجاع القدس.
فتمسك بهم صلاح الدين وخصص لهم الزاوية الجنوبية الغربية لحائط الحرم التي تقع في منطقة سهلة والتي تمثل خطر عودة الصليبيين وقال مقولته الشهيرة: لقد أسكنت من يثبتون في البر ويفتكون في البحر، أسكنت من استأمنتهم على بيت الله، أسكنت المغاربة.
وبهذا نخلص إلى الرمزية التاريخية للعمق العربي الإسلامي الناتج عن سيرورة نضال علمي فكري ثقافي سياسي أدت إلى عيش مشترك ومصاهرة وإدراك بحتمية حماية القدس ومحيطها وفلسطين عامة. وهذا يقتضي تأمين موارد مالية من خلال الأوقاف التي تنوعت وتمركز أكثرها في أماكن هامة من القدس القديمة
لذلك يمكننا القول أن الحارة كانت تمثل الحارس أو خط دفاع على ثروة أثرية معمارية وثقافية وحضارية ضاربة في القدم في داخل الحرم وخارجه وهي رمز إجماع العرب والمسلمين حول القدس وفلسطين وهي بمثابة جينات وراثية تنتقل من جيل إلى آخر ومحرك للذاكرة.
وأيضا فهي شاهد مادي على مجد وانتصار عظيم على أكبر قوة عسكرية أوروبية مجتمعة واسترجاع القدس بعد احتلال دام 88 سنة
اما التخطيط لاستهداف الحارة والاستيلاء على الحائط فقد بدأ بمحاولات شراء الحي من طرف روتشيلد عام 1887 ميلادي قصد إنشاء ساحة لصلاتهم كما حاولت الشركة الصهيونية لتنمية الأراضي الفلسطينية سنة 1895 ميلادي شراء الحائط
وفي 1919 حاول الصهيوني وايزمان شراء الحي يقول مؤسس الحركة الصهيونية هرتزل" إذا حصلنا يوما على القدس ومازالت حيا سوف أزيل كل شيء غير مقدس لليهود".
لذلك وقع استهداف الحارة لأنها تمثل عائقا أمام تحقيق مشروع التهويد والتوسع.
وفي الختام نستخلص أن المعمار والتراث عامة يشكلان ساحة صراع وأن تدمير حارة المغاربة جريمة اثرية والم لا يُنسى .

بقلم: خميسة العبيدي 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115