يوم الأحد المنقضي، مستهدفا كنيسة ''مار إلياس'' أثناء قدّاس مسائي حضره العشرات من المصلين. وكانت الحصيلة الأولية صادمة حيث خلف التفجير 20 قتيلا وأكثر من 50 جريحا، في هجوم تبناه تنظيم "داعش" الإرهابي بعد ساعات قليلة من وقوعه.وجاء العمل الإرهابي الذي استهدف كنيسة ''مار إلياس'' ليرسم مشهدا بالغ الخطورة، ليس فقط لما أحدثه من خسائر بشرية، بل لما يحمله من أبعاد عميقة تتعلق بالتوقيت والمكان والغاية.فالتفجير الذي نُفّذ بأسلوب انتحاري عبر حزام ناسف داخل أحد أكثر الأحياء المسيحية كثافة، يُعيد إلى الأذهان التكتيكات المعهودة للتنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم داعش الارهابي، الذي لم يتأخر في تبني العملية، مؤطّرا إياها بخطابه المعتاد من خلال منصته "النبأ"، حيث وصف السلطات السورية بأنها "مرتدة" وحرّض على استهدافها.
وتعد كنيسة ''مار إلياس''، إحدى أقدم الكنائس في الحي ذي الغالبية المسيحية، تحوّلت في لحظة إلى ساحة دمار. ووصفت تقارير المشهد بأنه "جحيم على الأرض"، بينما أفادت مصادر طبية أن غالبية المصابين يعانون من إصابات حرجة.وكان المهاجم، بحسب مصادر أمنية، يحمل حزاما ناسفا انفجر داخل صحن الكنيسة، مستهدفا أكبر تجمع بشري داخل المكان.
في بيان تبنّ مقتضب، أعلن تنظيم "داعش" الإرهابي مسؤوليته عن التفجير، مبررا إياه بما وصفه بـ"الرد على أعداء الخلافة". ويعد هذا التفجير الأخطر في دمشق منذ عدة سنوات، ويكشف عن قدرة التنظيم ،رغم هزيمته جغرافيا ، على التخطيط لعمليات نوعية تضرب في العمق المدني والديني للدولة السورية.
أبعاد وتداعيات
ووفق مراقبين ورغم انتشار نقاط التفتيش في العاصمة، فإن وصول انتحاري إلى داخل كنيسة محصنة نسبيا يشير إلى ثغرات أمنية خطيرة تحتاج إلى مراجعة عاجلة. ويرى محللون أن التفجير جاء في توقيت سياسي حساس، يثير التفجير مخاوف من محاولة إحياء الفتنة الطائفية وزعزعة السلم الأهلي في بلد أنهكته الحرب.
وجاءت الإدانة العربية والإسلامية واضحة؛ فقد وصف الأزهر الشريف الحادث بأنه "إرهاب غاشم لا يمتّ للإسلام بصلة"، فيما دعا مجلس حكماء المسلمين إلى حماية دور العبادة واحترام التنوع الديني. وتدل هذه التصريحات على قناعة متزايدة بأن الحرب ضد الإرهاب لم تنتهِ بعد، وأن سوريا لا تزال ضمن خارطة الاستهداف الإرهابي.
الردّ الرسمي السوري لم يتأخر فقد أدان الرئيس احمد الجولاني الهجوم، ووجّه بتكثيف الإجراءات الأمنية. من جهته، دعا مفتي الجمهورية إلى الوحدة بين مكوّنات الشعب السوري، معتبرا الهجوم "اعتداء على كل سوري دون استثناء".في الوقت نفسه، انطلقت مبادرات تضامن شعبي واسعة بين المسلمين والمسيحيين، في تأكيد جديد على وعي الشارع بخطورة محاولات التفريق والفتنة.
واعتبر متابعون أن التفجير في ''مار إلياس'' ليس مجرد حدث دموي، بل هو مؤشر على تحديات قادمة. ففي بلد لم يتعافى كليا من الحرب، يبدو أن التنظيمات الإرهابية لا تزال تراهن على الفوضى والدم. ولعل ما يضاعف من خطورة هذا الاعتداء ليس فقط الأسلوب أو الهدف، بل السياق الجيوسياسي الإقليمي الذي تم فيه.
الأوضاع الإقليمية
ففي ظل توتر الأوضاع بين إيران و''إسرائيل''، والمشاركة العسكرية الأمريكية الأخيرة في استهداف منشآت نووية إيرانية، تتصاعد مؤشرات الانفجار الإقليمي الشامل. هذه البيئة المتوترة توفر للتنظيمات المتطرفة فرصة مثالية لإعادة التموضع واستقطاب مجندين جدد، سواء من داخل سوريا أو من خارجها. كما أنّ انفلات السلاح وتراجع السيطرة الأمنيّة في بعض المناطق السورية يُعدّ عاملا مساعدا إضافيا لتنفيذ مثل هذه العمليات، وخلق بيئة خصبة لحرب داخلية أو فتنة طائفية تسعى تلك الجماعات لتأجيجها.
ووفق تقارير فإن الاستهداف لم يكن عشوائياـ فكنيسة مار إلياس تنتمي إلى الكنيسة الأرثوذوكسية المشرقية التي تعد روسيا مظلتها الروحية والسياسية، ما يفتح باب التساؤلات حول ما إذا كان التفجير يحمل أيضا رسالة رمزية تتقاطع مع الاصطفاف الدولي.كما أن اختيار يوم الأحد لتنفيذ العملية، وهو اليوم الذي تحتشد فيه الكنائس بالمصلين، يكشف عن نية متعمدة لتحقيق أعلى قدر من الخسائر البشرية، وإثارة صدمة عامة يمكن استثمارها إعلاميا بهدف التحريض.
إدانات عربية
تواصلت الإدانات العربية للهجوم "الإرهابي"، الذي استهداف كنيسة مار إلياس بحي الدويلعة في العاصمة السورية دمشق، وخلف "22 قتيلا و63 جريحا" حتى مساء الأحد.وفي بيانات رسمية أدانت كل من فلسطين والعراق ولبنان والأردن والسعودية وقطر والإمارات والبحرين وسلطنة عمان، واليمن والكويت وحركة حماس، معبرة عن دعمها ووقوفها جنب سوريا إثر الهجوم.
وأدانت سوريا ، بأشد العبارات الهجوم الإرهابي الذي استهدف الكنيسة والذي نفذ بواسطة انتحاري تابع لتنظيم داعش بحسب التحقيقات الأولية، وأسفر عن سقوط عدد من الضحايا والجرحى من المدنيين الأبرياء.
وفي بيان، اعتبرت وزارة الخارجية السورية "العمل الإجرامي، الذي استهدف أبناء الطائفة المسيحية، محاولة يائسة لضرب التعايش الوطني وزعزعة الاستقرار، وردا من فلول الإرهاب على الإنجازات المتواصلة التي تحققها الدولة والقيادة السورية".
وشدد البيان على أن هذا الاستهداف ليس اعتداء على طائفة بعينها فحسب، بل هو اعتداء على كامل الهوية السورية الجامعة.وجددت سوريا دعوتها للمجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى إدانة هذا الهجوم ودعم جهود الدولة في محاربة الإرهاب وإرساء الأمن والاستقرار.
كما استنكرت وزارة الأوقاف في بيان نقلته وكالة سانا السورية الرسمية صباح الاثنين، بشدة "التفجير الإرهابي" الذي حدث في الكنيسة.وأكدت أن مثل هذه "الحوادث الإرهابية لن تثني سوريا عن المضي في دعم التعايش والسلم الأهلي الذي تنعم به منذ آلاف السنين".