الكاتبة والشاعرة وداد الحبيب لـ"المغرب": الكاتب الحقيقي لا يكتب لإرضاء السوق !

كل كتاب كتبته هو محطة خاصة في مسارها الإبداعي

له نبرته وبصمته وفضاؤه الجمالي الخاص، لكن الهاجس الإنساني والمعرفي ظلّ واحدا: الإنسان في هشاشته، في قلقه، في مقاومته، وفي بحثه المتواصل عن الحب والمعنى والنجاة. من هنا، لم تكن الكتابة بالنسبة إليها هدفًا في حدّ ذاتها، بل وسيلة لاكتشاف الذات في مرآة العالم، واكتشاف العالم في مرآة الذات. إنها وداد الحبيب شاعرة وكاتبة أنسج لها ثمانية إصدارات بين الشعر والقصة والرواية.

1. هل لك في البداية أن تعرّفي القارئ بمسيرتك الحياتية والأدبيّة؟
وداد الحبيب، أصيلة مدينة بني خلاد من ولاية نابل.ترعرعت في بيئة تعليميّة تولي الكلمة قيمة كبرى، ما جعلها أنحاز منذ طفولتي للكتب وللغة ولصوتي الداخلي الذي كان يجد في الكتابة متنفسًا ومساحة حرة. بعد شهادة ختم التعليم الثانوي في شعبة العلوم التجريبيّة تابعتُ دراستي في الآداب، وتحصلتُ على شهادة الأستاذية في اللغة الأدب الفرنسي، ثم واصلتُ مساري التعليمي في الفلسفة، حيث أتممتُ مذكرة البحث في ماجستير فلسفة الحداثة والتنوير حول الايكونسويّة.
على الصعيد المهني، بدأت مسيرتي بالتدريس ثم انتقلت الى العمل الإداري باللجنة الوطنية للتربية والعلم والثقافة ثم كانت لي تجربة بالسجل الوطني للمؤسسات وكانت تجربة مهمة بالنسبة لي حيث كلّفت بالتعاون الدولي والترجمة ومنه انتقلت الى وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن لاكتشف عالما جديدا ومثيرا غنمت منه الكثير وأنا أعمل حاليًا بوزارة التربيةحيث أشغل خطة مدير مساعد بالمرصد الوطني للتربية .هذه التجارب منحتني فرصة التفاعل مع قضايا المرأة والفئات الهشّة وأيضا قضايا التعليم وهي مواضيع قريبة جدًا من انشغالاتي الأدبية والفكرية.
2. كيف جئت إلى عالم الأدب؟
لم آتِ إلى الأدب، بل كنتُ فيه منذ البداية ولكن كانت مع اللغة الفرنسية وعشقي للأدب الفرنسي وخاصة المسرح والشعر. كنتُ طفلةً تفتنها الكلمات، وتندهش من الجُمل كما لو كانت كائنات حيّة. في البيت، لم تكن هناك مكتبة كبيرة، لكن كنت أجلس لساعات أمام التلفاز لمتابعة البرامج الثقافية والسياسيّة باللغتين العربية والفرنسيّة.
بدأت الكتابة بدافع داخلي، دون تخطيط، رغبة جامحة في بناء عالم جديد خاص بي. رغبة في التحليق بأجنحة الكلمات .
ومع الوقت، بدأتُ أكتب لا فقط لكي أعبّر عن هواجسي، بل لكي أُقاوم الصمت، ولكي أُعيد ترتيب علاقتي بنفسي وبالعالم. الأدب لم يكن مشروعًا، بل ضرورة ملحّة، وطريقة لأتواجد، لأفهم، ولأُحبّ.
3. ماذا يمكن أن نعرف عن اصداراتك؟
أكتب الشعر والقصة والرواية، وقد صدر لي ثمانية أعمال أدبيّة تنوّعت بين البوح الشعري والكتابة السرديّة. أول إصداراتي: "ثرثرة أنثى"مجموعة قصصية – 2016 ثم "أنا العاشقة"مجموعة شعرية – 2017، "خيال المرايا"شعر – 2018،"سيزيف الأخير مجموعة قصصيّة – 2019،"كأسطورة في كتاب الفناء"و"شهيّ كالوداد" (مجموعتان شعريتان – 2020)، "محراب في كفي"(رواية – 2021)، وأخيرًا "وجه يشاركني المرآة"(شعر – 2024، عن دار زينب للنشر). تُرجمت نصوصي إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وكتبتُ العديد من المقالات النقدية حول الأدب التونسي والعربي. حظيت بتكريمات في عدّة بلدان عربية من بينها مصر، الأردن، لبنان، والجزائر، في اعتراف بما قدّمته من إسهامات في المشهد الثقافي العربي.
4. كتبت الشعر والقصة والرواية فما الأقرب والأحب إليك؟
كل جنس أدبي كان بالنسبة لي تجربة وجودية مختلفة، ومجالًا للتعبير عن رؤيتي للعالم، ولكن الشعر يظل الأقرب إلى روحي والأحب إلى تجربتي الإبداعية. هو حالة شعورية داخلية، وهو اللغة التي أكتشف بها ذاتي وأفكّك بها ما يلتبس في الواقع.
الشعر لا يخضع لقوانين السرد الصارمة، ولا يحتاج لبناء شخصيات أو حبكات معقّدة، هو لحظة صفاء، ومكاشفة، وإشراق. هو بيت الروح، وملاذها حين تضيق بها الدنيا.
حين أكتب الشعر، أشعر أنني أعود إلى نفسي، إلى صوتي الأول، الصوت الذي لا يتكلّف ولا يتجمّل. بينما تمنحني القصة والرواية مجالًا للتوسّع والتفصيل، يسمح لي الشعر بالتكثيف، بالتلميح بدل التصريح، وبالتعبير عن المشاعر المركّبة في كلمات قليلة قد تكون أعمق من صفحات سردية طويلة.ومع ذلك، لا أعتبر نفسي "شاعرة فقط"، بل أؤمن بأن تنقّلي بين الأجناس الأدبية أضاف لتجربتي ثراءً وتنوّعًا. لكن الشعر سيظل، في نهاية الأمر، هو المدى الذي أعود إليه كلّما أردتُ أن أكتب بصوتي الداخلي الخالص.
5. في إصداراتك ماهي القضايا أو المسائل التي قمت بتناولها؟
أكتب لأن الكتابة فعل وجودي بالنسبة لي، أكتب لأفهم العالم، وأفكّك ملامحه، ولأفهم نفسي في علاقتها بالزمن والمكان والآخر. تجربتي الأدبية تنوّعت بين الشعر والقصة والرواية، لكنها رغم اختلاف الأشكال، تتقاطع عند نقطة جوهرية: الشغف بتفكيك رموز الإنسان والعودة إلى الذات بوصفها منبعًا للمعنى، ومساحة للتأمل والبوح والمساءلة.
في شعري، أشتغل على الأسئلة الوجودية والفلسفية الكبرى، وأحاور عبر اللغة مفاهيم مثل العزلة، الغياب، التوق، الزمن، والمطلق. أتناول أيضًا البعد الصوفي بوصفه بعدًا داخليًا وشفّافًا في التجربة الإنسانية، حيث العشق لا ينفصل عن المعرفة، وحيث الروح تبحث عن المعنى في التفاصيل الخفية.
أما في مجال السرد، فقد اتخذتُ من كل عمل مشروعًا فكريًا وجماليًا قائمًا بذاته. مثلا في "سيزيف الأخير"، تناولتُ مسألة التطرّف الديني، وحاولت أن أفتح نافذة على المأزق الفكري الذي يعيشه الإنسان حين يصطدم بالآخر المختلف، دينيًا أو فكريًا، في مجتمع يختلط فيه المقدّس بالسياسي. اشتغلتُ على الشخصيات من الداخل، على هشاشتها وصراعاتها، لا لأدينها، بل لأفهم دوافعها وارتباكها الوجودي. أؤمن بأن الكاتب الحقيقي لا يكتب لإرضاء السوق، بل ليعبّر عمّا يجب أن يُقال بالشكل الذي يليق به، سواء كان شعرًا أو قصة أو رواية.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115