"البرادعة في التّاريخ والذاكرة" للمولدي فرّوج: حكاية قرية ساحلية تسكن المكان والزمان

"بدأت سيرة المكان تأخذ مكانها في ذاكرة التّاريخ

وبدأت الحياة تدبّ في البرادعة وتأخذ شكلا آخر وتعطي طعما ألذّ، لقد اعتاد الناس في كل مكان تقريبا أن يماروا بعضهم. وفي اعتقادي إن أحسن جيل أنجبته البرادعة هو جيل النّصف الثاني من القرن العشرين أي جيل الاستقلال وما يليه، هذا الجيل المخضرم عاش التّحول السّريع للقرية وصنعه..." هذا جزء قليل مما جاء في الكتاب لصاحبه المولدي فرّوج بعنوان"البرادعة في التّاريخ والذاكرة"وقد جاء هذا الاصدار في قسمين: قسم باللغة العربية يقابله النّص نفسه بالفرنسية. وقد قام بترجمته من العربية الى الفرنسية كل من البحري البدوي وايناس بنت الهادي مفتاح المقيمين بفرنسا وهما أصيلا البرادعة فجاءت الترجمة وفيّة للنّصّ في لغة سليمة رشيقة زادت الكتاب قيمة وجمالية دون ان ننسى ترجمة الاشعار التي قام بها الكاتب مفتاح العيّاط والذي نجح هو الاخر في نقل القصائد من العربية الفصحى ومن اللهجة التونسية الى لغة بودلير في ترجمة هي أيضا من أجمل ما قرأنا من شعر.

جاء الكتاب في حجم كبير وتضمن القسم العربي 175 صفحة فيما تضمّن القسم الفرنسي 200 صفحة وبين القسمين ملحق في 10 صفحات خصّص للصور والوثائق وحملت أربعين صورة . عاد المولدي فرّوج عاد الى الصحف القديمة والى الكتب والى الارشيف الوطني بحثا عن المستندات التاريخية للمراحل التي عرفتها القرية التي منها ينحدر الطبيب الباحث والشاعر الكاتب المسرحي الذي يقول في احدى صفحات هذا الاصدار:"مازالت صورة البرادعة راسخة في ذاكرتي منقوشة كما لو أنها في الصّخر ، أذكرها بتفاصيلها الصغرى وبأحداثها الكبيرة" و من هذه الأحداث وصول الطريق المعبّد الى البرادعة في بداية الستينات و تأسيس المدرسة سنة 1934. وكان أن الأهالي منذ زمن طويل كثيري الصّدام مع السلطة السياسية. وفي هذا الاطار استشهد الكاتب بخطاب ألقاه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة في البرادعة بتاريخ 16 فيفري سنة 1938 ، قال فيه : إن وجبت عليكم التّضحية فلتضحّوا، وإن أوقفوني في يوم ما فلا تتردّدوا في التّظاهر ففي ذلك الوقت ستجد فرنسا نفسها أمام شعب مصمّم على الدّفاع عن مصالحه فتتجرّد من أسلحتها وتجبر على الانحناء . والثابت أن أهالي البرادعة جبلوا على انتزاع حقوقهم من السلطةفأجبروها على تركيز بلدية في المكان على اثر اضطرابات وتظاهرات سنة 1984.و الحدث يكرر نفسه مرة أخرى وبأكثر حدة وصلت الى حد اعلان العصيان المدني واغلاق الطّرق الذي نفذوه سنة 2016 وحصلوا على اثره على معتمدية تركزت بالمكان. وكانوا طوال رحلة المطالبة بحقوقهم في التنمية يذكرون السلطة بانهم تبرعوا بكل شيء في سبيل نهضة قريتهم فقد جبلوا على حب العطاء فساهموا في كل ما يبني الصالح العام وينجزه : تبرّعوا بالأرض لبناء المساجد ومركز البريد ومركز الحرس الوطني وروضة الاطفال ودار الشباب و المعهد والمكتبة العمومية وقصر البلدية والحي التجاري وغير ذلك من المصالح العمومية .فهذه القرية بعد ان كانت منازل متناثرة اصبحت لها صبغة مدنية حضارية بفضل نضال ابنائها في الداخل وخاصة العاملين في الخارج فغدت البرادعة من احسن المدن في الجهة وتمتاز عليها بامتلاكها لنقطة وسطية هي قلب المدينة تنطلق منها جميع الطرق مثل طريق قصور الساف وطريق الشابة وطريق الرشارشة ومنها جبنيانة فصفاقس وطريق سيدي علوان ومنها الجم وطريق زردة.كل هذه الطرق تنطلق من نقطة وحيدة أي من قلب المدينة وواجهة القصر البلدي.وقد عرفت البرادعة باسمها القديم وهو البحيرة العالية وهو الاسم الذي تداولته الخرائط القديمة اما اسم البرادعة فقد بين الكاتب معناه ومأتاه وهو اول مرة يذكر فيه معنى الكلمة صحيحا، توصل المولدي فروج الى اثباته بالرجوع الى عشرة مصادر ذكرها في الكتاب ومنها كتاب جان لويس بيليسيي: في وصف الايالة التونسية الصادر سنة 1853. كل هذه المراجع استعملت كلمة البرادعة على اساس انها العرش وهوأحد أقسام القبيلة كالفخذ والبطن.... وتنتمي البرادعة الى قبيلة المثاليث التي لم ينس الكاتب ان يبين مجيئها وكيف استقرت في المنطقة وتفرعت الى عدة برادع أو عروش.وفي الكتاب ايضامتابعة لما قام به المشائخ من نضالات ومن تعامل رخيص مع المستعمر الفرنسي ايام الاحتلال وذلك بالاستناد الى حجج. كما أدرج المؤلف نصوصا شعرية لغيره من شعراء البرادعة القدامى كان فيها الاهتمام بالواقع جليا.
 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115