والأفلام القصيرة قبلة المخرجين ليبدعوا ويصنعوا عوالم اخرى للحياة، السينما سردية للمقاومة سواء كانت روائية او وثائقية والافلام القصيرة تجربة فنية استثنائية لانّها تقوم على معنى الاختزال والتكثيف في المعنى والجمالية، الافلام القصيرة تختزل الحكايات وتقدمها للجمهور في عدد محدود من الدقائق ما يكشف ابداع القائمين عليها، ودفاعا على حضور الافلام القصيرة في التظاهرات الثقافية وضرورة تشجيع مخرجيها كان الموعد مع مشروع5/5 الذي انطلق في قاعات السينما.
ويأتي هذا المشروع في إطار تجربة لتوزيع الأفلام القصيرة، حيث تهدف إلى منح هذا الشكل الفني مساحة أوسع على الشاشة الكبيرة، خارج المهرجانات والعروض الظرفية.
فيلم "الكازينو" اخراج رؤى وولاء الدين التليلي: السينما ذاكرة الشعوب
السينما ذاكرة، الكاميرا توثق ذاكرة الشعوب وتمررها الى الاجيال المختلفة وعبر الكاميرا رحل الثنائي ولاء الدين ورؤى التليلي الى خبايا التاريخ وذاكرة المكان ووثقوا سردية جمالية لمعلم تاريخي، ثقافي يميز المدينة ويشبه امتدادها وجمالها، "الكازينو" عنوان الفيلم يحمل الجمهور في رحلة شاعرية الى كازينو حمام الانف الذي مثّل جزء من ذاكرة ابناء المدينة وروادها، "الكازينو" المعلم الحي/الميت بعثته فيه الكاميرا حياة اخرى وقدمته للجمهور بصورة مزجت الشعر بسحر البحر وامتداد المكان وانجز الفيلم ضمن سلسلة "10مواقع، 10افلام ثائقية، سينمائيات" وهي سلسلة وثائقية قصيرة موضوعها التراث وانجزت في عدة مناطق في تونس.
اصوت تنبعث من المكان بفضل رسومات ينجزها شاب حالم عازفة التشيلو في الشرفة تستحضر بايقاعاتها روح المكان وصخبه حين كان عامرا بالحياة، اعتمد المخرجين على الشاعرية في التصوير، مراوحة بين الصور التوثيقية والشهادات الحية وبعض الحكايات المتخيلة والروائية التي اعطت للفيلم مساحة من الجمال وشدت انتباه الجمهور.
"الكازينو" فيلم مدته11دقيقة، رحلة في التاريخ والمكان عودة الى ثراء هذا الفضاء ومميزاته المعمراية الاوروبية والاندلسية، ابدعت الكاميرا في التقاط بقايا الجمال، الجليز الموشى بالازرق والاخضر، بقايا الشبابيك المطلة على البحر والدرج الملتوي المميز بلونه البنّي، جولة تقودها الكاميرا لاكتشاف جزء من تاريخ البلاد وابراز الزخم التاريخي والمعماري لحمام الانف.
"الكازينو" الصامت اليوم كان بالامس صاخبا عاجا بالحياة، وبين هاتين الثنائتين راوحت الكاميرا لتبرز شاعرية المكان وشعرية اللحظة والتوثيق، الكازينو معلم وفضاء للحياة انشئ عام 1894 وكان مساحة لاجتماع الفرنسيين والمالطيين والتونسيين، عجّت جدرانه بالحياة، وانفلتت من ذاكرة المكان العديد من الحكايا، وهاهو الكازينو رغم سنوات التهميش لازال شامخا يفتح شرفاته الى الحياة ويشرأب الى زرقة البحر، الكازينو الفيلم محاولة لتذكير اصحاب القرار ان المعلم يستحق التدخّل ويستحق التسريع في انجاز الاتفاقيات الممضاة منذ سنوات ليعود المعلم الى الحياة ويعيد البريق للمدينة.
الافلام القصيرة تكثيف في المعنى
"5/5" هو تجميع لخمس أفلام قصيرة حديثة، أنجزها سينمائيون تونسيون، وهي نتاج رؤية تقوم على ربطها بجمهور أوسع. وقد تم تصميم هذا المشروع كتجربة توزيع تأخذ بعين الاعتبار تراكمات التجارب المختلفة السابقة وتطمح إلى استكشاف تفاعل الجمهور مع هذا النوع من العروض في فضاءات العرض التجاري.
تعتمد المبادرة على برمجة متجانسة واستراتيجية توزيع في عدد القاعات السينمائية ويضم البرنامج خمسة أفلام قصيرة تتنوع بين الروائي والوثائقي وامام الجمهور كان اللقاء مع افلام تونسية الروح جمّعت قضايا تمس المواطن التونسي وتعرج البعض من واقعه ولكل مخرج اسلوبه في التعامل مع الفكرة والكاميرا والتقى الجمهور مع افلام.
"فريدا " اخراج محمد بوحجر الفيلم روائي مدته 20 دقيقة. بطولة صباح بوزويتة و كمال التواتي و وليد عيادي وثريا بوغانمي و يتابع الفيلم قصة فريدا، معلمة تناضل من أجل المساواة بين الجنسين، تجد نفسها في مواجهة أولياء أمور يعارضون اختلاط ابنتهم بالذكور، لتُفاجأ بأنها وحيدة في وجه مؤامرة لإقصائها.
"فريدا" تجربة سينمائية ممتعة نقلت جزء من معاناة المراة التونسية في السنوات الفارطة خاصة مع تصاعد الموجات المتشددة دينيا، تجربة للحرية ابدعت بوزويتة في تقديم دور البطولة وانصهرت افكار فريدا وصباح لأجل تحرر المرأة ودفاعها عن حقوقها.
شارك "فريدا" في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج السينمائية ، وفي عدد من المهرجانات الدولية كالمهرجان السينمائي الدولي ياسمين الحمامات والمهرجان الدولي للموسيقى والسينما بمرسيليا، وكذلك مهرجان مسقط للفيلم العربي حيث منحته لجنة تحكيم المسابقة الجائزة الأولى للمهرجان.
في نفس السياق الديني السياسي تابع الجمهور فيلم "الرحلة" لجميل النجار، الفيلم كوميدي تراجيدي من بطولة الشادلي العرفاوي ووجيهة الجندوبي، الفيلم يقدم في شكل كوميديا سوداء الفوضى العارمة التي عاشتها البلاد ابان فترة حكم التروكيا صعود الاسلاميين للمشهد، وابرز الفوضى والفساد والمحسوبية رغم محاولات البطل المتكررة لانقاذ صورة بلده امام زوجته الفرنسية، الفيلم كشف قدرة الشادلي العرفاوي ووجيهة الجندوبي على تقمص اصعب الشخصيات بمختلف مشاربها الفكرية والحياتية.
الفيلم الثالث "نهار الكيراتين" روائي من 11 دقيقة للمخرج سامي تليلي بطولة نجلاء بن عبد الله ورياض حمدي غازي الزغباني وبحري الرحالي و محمد منسية و أسامة زروق. ويأخذنا الفيلم داخل صالون حلاقة رجالي، يتحول "نهار الكيراتين" إلى لحظة مواجهة مع المسكوت عنه، حين تكسر امرأة فجأة التوازن الذكوري السائد وكذلك يعالج مواضيع اجتماعية اهمّا علاقة التونسي بالكراء ومشاكله التي لا تنتهي.
اخر الافلام كان "براكاج" لبلال بالي من بطولة صلاح مصدق ونجوى زهير وفاطمة صفر و غزوة قلوب و عبد المنعم شويات و عربي بن سايل وسليم بوشيحة وياسمين العجنقي وشيماء الرحاولية و سليم الذيب و يطرح الفكرة التي تقول إن المال لا يصنع السعادة، لكنه يساهم فيها. شخصيات تتقاطع طرقها في رحلة لمطاردة المال بطرق مختلفة، إلى أن تأتي المفاجأة غير المتوقعة.
مشروع 5/5 تجربة توزيعية مميزة تحتفي بالفيلم القصير، المشروع ,يعيد النظر في إمكانية طرح الأفلام القصيرة داخل القاعات السينمائية ويفتح بابًا للتفكير في سبل دعمه وتطوير انتشاره، عبر تجربة ميدانية في ثلاث قاعات تجارية وأمام جمهور متنوّع.