سلاحه القلم ليكون صوتا للاطفال وصديقا لاحلامهم، مؤطر نادي مسرح، كاتب ومخرج هاجسه المسرح مساحة للتجريب والتغيير، ترك العاصمة ليمارس مواطنته وواجبه الفني في قريته الهادئة المتشوق اطفالها للفنون، نضال الحناشي يكتب للطفل ويعلّمه بجديات المسرح والمواطنة.
للمغرب تحدث نضال الحناشي عن قيمة مسرح الطفل ودوره في تغيير سلوكياته ومدى تأثير الهواية على الانسان وواجب المثقف تجاه محيطه.
كيف تقدم نص "قصص ساحرة"اخر كتاباتكم المسرحية وماهي الرسالة العامة للعمل؟
الرسالة العامة لمسرحية قصص ساحرة هو تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والفيديو والرسوم المتحركة على ذهنية الطفل وسلوكه، طفل اليوم يعيش نوع من الادمان في علاقته بالوسائط المتعددة من هواتف جوالة وحواسيب والرسوم المتحركة دون رقابة، بطل المسرحية تأثر بالشخصيات الخارقة وانصهر معها حدّ السقوط في الخطر، وعبر المسرحية حاولنا تنبيه الاولياء لاطفالهم ويراقبوا علاقتهم بالوسائط الحديثة.
كيف يكتب نضال الحناشي لطفل اليوم ما الاليات الموظفة ليكون النص ملائما لمشاغل طفل الراهن؟
الكتابة موهبة، مع السيرورة والعلاقة المباشرة مع الطفل في النادي منذ 2009، اشرّك الاطفال وأستشيرهم، فحين انطلق في مشروع كتابة مسرحية موجهة للطفل، وبعد بناء العمل اقترح على الاطفال النص وارى ردود افعالهم، وكثيرا ما يقدمون لي مقترحات تساعدني على تطوير النص او تغيير بعض جزئياته.
احيانا نحن الكبار تفوتنا بعض الجزئيات اذا طفل اليوم لم يجد نفسه في ذك النص ولم يجد واقعه ومحيطه حتما لن يستسيغ النص، في الحقيقة اخطأت مرة وكتبت نصا للأطفال دون ان اعود إليهم مسرحية عنوانها "لعبة التنكر" في جزء منها اشتغلت على شخصيات من الرسوم المتحركة وألعاب مثل"المربعات" و"الغميضة" و"الكجات" و"الخضروف: الزربوط"والمسرحية استساغها الكبار وليس الاطفال لان الطفل لا يعرف هذه الالعاب، حينها تعلمت ان استشارة الاطفال امر ضروري جدا لنجاح اي نص مسرحي.
في الكتابة للطفل اعتمد كثيرا على الجانب الفرجوي، النصوص الموجهة للطفل تقوم على المعالجة التربوية والاخلاقية والتعليمية والفنية والتجئ الى لغة مبسطة يفهمها جميع الاطفال، لا اكتب نصوصا بلغة صعبة، حتى لا اخسر الطفل المتفرج، في اي عمل مسرحي اذا وجد الطفل تراكيب صعبة قد لا يفهمها ثم يضيع تركيزه بعدها يمكن ان لا يعود الى المسرح مرة اخرى، لذلك اراهن على كسب الطفل المتفرج عبر نصّ مبسط يحترم اهداف مسرح الطفل التربوية والتثقيفية.
بعد 16عاما من الكتابة للطفل والتأطير هل يغيّر المسرح الطفل؟ هل يؤثر على الطفل في المدن البعيدة عن المركز؟
المسرح فعل بناء مواطني ووسيلة ليكتشف الطفل ذاته ويتعلّم الثقة في نفسه، حين انطلقت في تنشيط النادي جاءني رواد بعمر الثمانية أعوام، اليوم بعضهم خريج المعهد العالي للفن المسرح، وآخرين تخرجوا من الفنون الجميلة وفريق ثالث في التنشيط السياحي، بفضل المسرح اكتشفوا مواهبهم، ومن لم يوفق في الدراسة اتجه الى الحرفة وبعد اعوام من الجدية تحصل على بطاقة احتراف فني.
نضال حناشي في ممارستكم للفعل المسرحي تجاوزتم الفني الى الاجتماعي فاغلب الرواد ينادونكم بلقب "خالي"؟ كيف اكتسبتم هذه الثقة؟
انا ابن هذه المنطقة، وادي الزرقاء تعلمت فيها ممارسة المسرح والفني والانساني متلازمين نحن لا نكوّن ممثلين او تقنيين، نحن نمارس مواطنتنا ونحاول ان نمرر معارفنا لأبناء النادي ورواده، نريدهم مواطنين قادرين على التفكير والتحليل، وفي ظلّ انتشار العديد من المشاكل التي قد تهدد الطفل في الشارع نحاول في النادي تعزيز مناعتهم ضدّ مخاطر الادمان والانحراف والانقطاع الدراسي، نحن ملتزمون بواجبنا تجاه ابناء الجهة، وكل منخرطي نادي المسرح هم جزء من العائلة ولا يمكنني مطلقا رفض من يتجه الي بطلب المساعدة او التوجيه فالفنان الحقيقي من يلزم بانسانيته وفنه معا.
جربتم الكتابة والتمثيل والإخراج والتأطير؟ كيف كانت البداية في هذا المجال؟
الصدفة هي من قادتني الى عوالم المسرح المغرية، انطلقت في رحابه في عمر العاشرة بمسرحة القصة مع معلمة الفرنسية انذاك عام 1994، وفي العام الموالي شاركنا بمسرحية باللغة العربية في ملتقى المسرح المدرسي وتحصلت على جائزة التمثيل، ومنذ تلك اللحظة بدات علاقتي بهذا الفن الذي لم تنقطع يوما، بعدها توجهت الى نادي المسرح في دار الثقافة الحبيب الحداد وقبول عضو جديد صغير السن لم يكن بالأمر السهل وبقيت لعامين على كراسي الاحتياط اشاهد فقط التدريبات وتعلمت من المشاهدة انماط جديدة للممارسة المسرحية.
والانطلاقة الحقيقية كانت في المدرسة الاعدادية حين كونّا فريقا صغيرا انضممنا جميعنا لنادي المسرح بدار الثقافة وأصبحنا فرعا اخر لنا اشتغالاتنا المختلفة وبعض الفريق لازال يمارس المسرح على غرار رامي الهمامي وخبيب العياري واشتغلنا على مسرحية "ضمير الذئاب" بالعربية موضوعها القضية الفلسطينية، كانت التجربة الاولى لإثبات الذات، ثم اشتغلنا على نص" شمشون ودليلة" لمعين بسيسو ودخلنا في اعمال بمقومات العمل المسرحي والممثلين الاكبر انخرطوا معنا في المقترح.
ولعلّ من اجمل الاعمال التي قدمناها سنة الباكالوريا واشتغلنا على مسرحية في جمعية مسرح الحلقة للراحل يحى يحى، ومسرح الحلقة كان مختص في تجربة بيتر بروك العالمية، انجزنا مسرحية اسمها "كلون ونص"وعرضت امام اللجنة وتحصلت على التاشيرة، وانجزنا افتتاح باردو الصيفي وافتتاح مسرح الهواية ابن رشيق نهار 13جانفي 2021، ثم انتهت العروض بسبب الظرفية في البلاد وتلاشت المجموعة، لكّن تاثير العمل فينا لازال لان التجربة مختلفة لانها تشبه مسارنا، فبطل المسرحية يعود من غربته ليؤسس مسرح في بلده كما يريده وهو ما يعمل عليه نضال الحناشي وخبيب العياري في وادي الزرقاء.
بعض التجارب المتعددة أسستم جمعية القناع المسرحي؟
في الحقيقة حلم انجاز جمعية مسرحية سكننا منذ البدايات، وقدمنا مطلب في العام 2008 لكننا لن نحصل على الموافقة انذاك لان اغلب الاعضاء لم تكن علاقتهم جيدة مع النظام، الى ان جاءت الثورة واعدنا تقديم مطلب وتحصلت الجمعية على الموافقة وانطلقنا في العمل، قدمنا اول مسرحية عنوانها "بروفة" كنت ممثل، ثم مسرحية "توبة الضباع" من تأليفي والعمل الثالثة "الليلة نرتجل" و"لعبة التنكر" والمسرحية الخامسة "دار الحسب" لازالت عروضها قائمة.
الجمعية عاشت تجارب قاسية جدا بسبب التمويل والتأسيس لكنّنا تمسكنا بحقنا في النجاح ورسمت لنفسها طريقا والجمعية عضو مؤسس وفاعل في باجة وانجزنا لعشر دورات المهرجان الوطني لمسرح الهواية.
تشتغلون في الهواية منذ اعوام، ما الذي يمنحه مسرح الهواية لممارسيه ولا يوجد في الاحتراف؟
التجريب الهواية بحر ممتد، وعمق تجربتي واختلافها كان وليد الهواية، الهواية مساحة لنجرب ونحقق احلامنا الفنية نريد انجاز فعل مسرحي يشبهنا ويتماشى مع افكارنا دون قيود او تدخل وهو ما يمنحه الهواية: جربنا مسرح الاقنعة، اشتغلنا على الارتجال ، وعملنا على نصوص عالمية على غرار نص "شخصيات مرفوضة تبحث عن مؤلف" للويجي بيرانديللو واشتغلنا على المسرح داخل المسرح.
مارسنا التجريب لنكتشف مواهبنا في التمثيل والإخراج والتعامل مع نصوص من مشارب مختلفة، الهواية تمنح مساحة واسعة للتجريب وفرص للتعامل مع ممثلين مبتدئين وشغوفين بدورهم يريدون تنويع التجربة لاكتساب خبرات اكبرن لنصل في مرحلة ما الى التعامل السهل مع الممثلين المحترفين.
كيف تشرّحون واقع مسرح الهواية؟ ما هي ابرز مشاكله؟
يعاني قطاع مسرح الهواية من مشكلتين بارزتين، الاولى هيكلية والثانية تشريعية:
بالنسبة للمشكل الهيكلي، لاوجود لهيكل واضح يضمّ الجمعيات الممارسة لمسرح الهواية، في السابق كانت الجامعة التونسية للمسرح تجمعنا لكن في الاعوام الاخيرة الجامعة لم تعد موجودة بصفة واضحة، لا مقر لها او ميزانية.
اما المشكل التشريعي فحتى مقترح قانون الفنان لم يعترف بقطاع الهواية بسبب القوانين القديمة يعاني الهواة خاصة في الدعم المالي، قبل الثورة كان هناك منحة تسيير للجمعيات وصلت لثلاث الاف دينار قبل 2010 لكنها الغيت بعد 2011 المنحة كانت تساعد الجمعيات على العمل.
اليوم قيمة العرض في مسرح الهواية لا تغطي مصاريفه واغلبها تذهب للتنقل، فالقانون يقول ان "الكلم بدينار حين كان لتر الوقود بدينار"، اليوم على سبيل الذكر ثمن العرض حسب عدد الافراد ثمن العرض (صفر كلمتر) 500دينار لأربعة افراد و6افراد 650 في صفر كيلومتر، اي ثمن العرض سيخصص فقط للتنقل، على سبيل التوضيح عرض في مدنين قيمته 650دينار وهي لا تكفي ثمن التنقل، فكيف بتوفير بعض الراحة للممثلين.
تعاني الجمعيات ايضا من مشكل الاداءات، بالاضافة الى 5بالمائة المقتطعة تلقائيا من ثمن اي عرض، تقدم الجمعيات تصريحا شهريا بقيمة30دينار بعنوان "خصم على المورد" هذه الاداءات اثقلت كاهل جمعيات غير ربحية لذلك هناك الكثير من ممارسي مسرح الهواية تخلوا عن احلامهم ولم يكملوا المشوار.
رغم كل هذه المشاكل كيف خضتم تحدي انجاز فعل مسرحي في القرية والحفاظ على الجمهور؟
ما يميز وادي الزرقاء انها قرية متمدنة، القرية الحالية حديثة العهد لان القديمة كانت ضحية السد، هذه القرية فوتت في مصلحتها لمصلحة الشعب التونسي لان السد يوفر الماء الصالح للشراب ل40بالمائة من الشعب التونسي.
لكن دار الثقافة واد الزرقاء القديمة كان بها فسيفساء رومانية، كانت توجد الكنيسة والجامع وتصالح للافكار والاديان، دار الثقافة القديمة جمعت الناس لمشاهدة كاس العالم 78 ففكرة الاجتماع في دار ثقافة موجود لدى سكان المنطقة حتى بعد اانتقال من فضاء جغرافي الى اخر.
دأبنا على انشاء وتأسيس الفرجة المسرحية من خلال عزمنا على تقديم عروض في كل الفضاءات الخارجية لجلب الجمهور كتبنا نصوصنا في المقاهي ليعرف الجمهور ما الذي نقدمه للناس ونشرك المواطنين في النقاشات حتى يعرفوا ان الفرقة تعمل وكسبنا الثقة تدريجيا، وامتدت التجربة ببعث فضاء "ارسطوفانيس" لخبيب العياري واجتمع داخله كلّ الناس والشرائح العمرية.
دورنا توسيع دائرة النشاط والانفتاح على جميع الشرائح والفئات والفضاءات من مركبات الطفولة الى المنقطعين على الدراسة والنساء وانجزنا منتدى الحوار التفاعلي في الفضاء حول حقوق المراة والادمان والبيئة، تطرقنا لجميع المواضيع التي تهمّ المواطن وهذا واجبنا.
والتجربة الاخيرة مع مركز الدفاع والادماج الاجتماعي في اطار بعث نادي مسرح مع الاطفال المنقطعين عن الدراسة، تجربة اخرى تؤكد ان المسرح فعل حياتي جميل.
بالاضافة الى الهواية لكم تجربة في مسرح الاحتراف؟ ما هي اهمّ الاعمال الراسخة بذاكرتكم؟
تجربة افتتاح مهرجان الحمامات الدولي بمسرحية "لله ينصر سيدنا" اخراج صابر الحام 2015 ومسرحية "السنقرية" اخراج ناصر العكرمي ايام قرطاج المسرحية وحصولنا على جائزة السينوغرافيا لمسرحية "الصبية والموت" اخراج سميرة بوعمود، ومسرحية "المدونون" للاطفال من اول بوادر مسرح الطفل المعاصر 2011/2012 انتاج شرق للانتاج وقدمت اكثر من 50عرض فيها اغاني معاصرة منها ادماج الهيبهوب والراب انذاك كانت محور جدل وفتحت الباب لرؤى معاصرة لمسرحيات الموجهة للطفل
لان قبل 2011كان مسرح الطفل يقتصر على نصوص عالمية شخصياتها محصورة في الملوك والأمراء وهي لا تمتّ لواقع الطفلة بصلة، وكانت النصوص ادبية اكثر منها فرجوية ودرامية.
هل حققت بعض احلامك الفنية بعد سنوات من الكتابة للطفل؟
اخترت مدينتي لأمارس المسرح، حققت نجاحات فنية هنا، حققت نوع من الرضا لكن المقربين يلومونني لاختياري الهامش دون المركز، لان المركز خاصة العاصمة تضمن الاشعاع الاكبر، ولكني اخترت مدينتي عن وعي، فاذا تغافلت عن محيطي؟ اين دوري كمثقف، يجب ان اؤدي دوري هنا قبل التفكير في الاشعاع الشخصي، وجودي هنا من باب ايمان بواجبي تجاه الاطفال وضرورة تمرير المعارف المسرحية اليه فدوري ينطلق من محيطي عملا بمقولة الفيلسوف ادموند هوسرل " الفنان الحق هو الذي ينطلق من محيطه ويعود اليه".
من من الكتاب اثر في تجربتك المسرحية؟
شخصيا تأثرت كثيرا بشكسبير واعتبر ان الحركة المسرحية بعده لم تتطوّر من حيث التقنيات والمدارس المسرحية، فشكسبير جربها جميعها واشهرها "هاملت" عمل جمع مدارس مسرحية متعددة ومنها المسرح داخل المسرح، فهاملت حين اراد معرفة حقيقة مقتل والده انجزها في شكل عمل مسرحي، اعتبر نصوص شكسبير ملهمة ومختلفة.
كيف تقيم المشهد المسرحي التونسي؟
الحركة المسرحية التونسية رائدة جدا في مجال الكتابة والمعالجة الدرامية والاخراجية والأفكار والطاقات التمثيلية ينقصنا فقط تثمين هذه التجربة، المسرح التونسي متميز فرجة ومضمونا.
ما الذي ينقص تجربتكم اليوم؟
ينقصنا الاعتراف من سلطة الاشراف، تحديدا وزارة الشؤون الثقافية من واجبنا العمل وعليها ان تعترف بمبدعيها وتعترف بحقوقهم المالية وحقوق التاليف، على الوزارة ان تعترف بمبدعيها وتدعم التجارب المختلفة، نريد للفعل المسرحي ان يصل الى الجمهور في كامل الجمهورية وعلى الوزارة ان تعترف بمجهودات جنود الثقافة من النواتات الصغيرة الى اكبر المبدعين، فدون مبدع لا يمكن الحديث عن ثقافة.