مقنع حدّ التماهي مع وجع الشخصية وفرحتها، له القدرة على استحضار كل الآليات النفسية والفيزيولوجية للشخصية التي قدمها إما على المسرح او في التلفزة او السينما، الممثل المتمكن محمد علي بن جمعة من رموز الدراما للعام 2025 ونجح في شخصية "ادريس" التي قدمها في مسلسل "الفتنة" اخراج سوسن الجمني.
محمد علي بن جمعة لا يمثّل امام الكاميرا بل يتقمص الشخصية ويتناص مع كل جزئياتها، في رمضان 2025 ابدع بن جمعة باكثر الشخصيات شرّا، شخصية "ادريس السلامي" التي حققت نسب مشاهدة مرتفعة ونسب كره حتى اصبحت ترند الشرّ الاول في الاعمال التونسية لهذا الموسم لدرجة انّ (الممثل في اطار الدعابة خرج الى الجمهور يطلب منهم بكل اللطف التقليل من الدعاء على شخصه والدعاء على ادريس) بسبب التناص الكلّي بين الشخص والشخصية .
بن جمعة اتقن الشخصية بإبعادها التقنية والدرامية، حفر في ذاكرتها ورسم لها ملامح مميزة، هادئة، رصينة في المنطوق، تحترم الواجبات وتحرس على الصداقة، قيم مفقودة تمنحها الشخصية للجميع وفي المقابل، شريرة لا تعرف معنى صلة الرحم ويمكنها شراء الذمم والخيانة فقط لاجل مصلحة الانا على المجموعة، شخصية تكرس للفردانية وتشرّع لها باستعمال كل السبل، فالغاية تبرر الوسيلة هو الشعار الذي عملت به شخصية "ادريس السلامي" طيلة حلقات العمل باستثناء المشهد الاخير من المسلسل.
لمحمد علي بن جمعة قدرة رهيبة على الاقناع، في المشهد الواحد يطير الى اقصى درجات الفرحة ثم ينقلب الى قاع الحزن في لحظة واحدة، ملامح وجهه تختزل قصص الشخصية وحكاياتها المتواترة، يتقن آلياته ويعرف كيف يشدّ إليه الجمهور رغم قيم الشرّ الكثيرة التي قدمتها الشخصية في العمل، ليكون بن جمعة ّ"دومينو" العمل يحرّك في فلكه بقية الشخصيات والاحداث حسبب مزاج شخصية "ادريس" وأهوائها النفسية والمادية.
تميز محمد علي بن جمعية في شخصيته الجديدة "ادريس السلامي" التي تعيش تناقضات جذرية، فالشخصية تعيش الهدوء والثورة، الحلم والكره، شخصية تبحث عن التموقع في كل الاماكن وفي الوقت ذاته تستعمل جميع اساليب الشر لتحمي ذاتها، شخصية جريئة وانهزامية في الوقت ذاته، متناقضات نفسية عديدة ابدع بن جمعة في ملامستها لتنجح الشخصية وتكون "ترند الشر" على وسائل التواصل الاجتماعي، ولان بن جمعة ممثل متمكن من الياته ويعرف انّ للتمثيل هدف فقد ظهرت الشخصية للجمهور بوجه اخر في الحلقة الاخيرة، تغيرت مساحة الشرّ بعد ان وقفت الشخصية امام مراتها البشعة وحاولت الاصلاح، فالشخصية الشريرة بحثت في ذاتها لتخرج منها النور ويكون سبيلها للاصلاح وحقق المشهد الاخير من العمل.
مشهد جمع الانكسار والضعف والعزّة بالانتماء الى الاخوة نسب مشاهدة مرتفعة واحدث الجدل بين متابعي العمل، فلا وجود لشر مطلق او خير مطلق والانسان قادر على الاختيار وتحمّل المسؤولية، ليكون الاصلاح افضل سبل العيش وهي رسالة "ادريس السلامي" الى متابعي العمل.
محمد علي بن جمعة نجح في شخصيته الجديدة كما نجح في ادواره السابقة، وان ينجح الممثل في دور او شخصية فالامر متاح، لكن ان يحافظ الممثل على سمة النجاح في كل شخصية يلعبها ويمنحها الكثير من الصدق فهو امر يحسب للمثل، محمد علي بن جمعة حافظ على نجاحه امام الكاميرا، كما سبق وان نجح في السينما والمسرح حدّ ان رسخ دوره في "جنون" في ذاكرة التونسيين، ممثل متمكن من الياته الفنية ومحبّ لفنّ التمثيل، يبدع كلما سنحت له الفرصة، خليفة الراحل فتحي الهداوي كما وصفه بعض المتابعين للشخصية، ليثبت محمد علي بن جمعة ان الممثل كما الصلصال يتشّكل وكل شخصية يمنحها جزء من روحه وافكاره.
محمد علي بن جمعة، فنان جامع و شامل، رمزٌ و مثال للجدّية و التواضع و العطاء و ناقل لوباء المسرح لأجيال قادمة في فضائه الثقافي " المَخزَن" و هو الخازن المُختزِن لفنٍّ لا لِقاح ضده و لا دواء كما كتب عنه المسرحي انور الشعافي، فبن جمعة يحرس على تمرير حبه للمسرح الى ابناء حيّه في باب سويقة عبر فضاءه المخزن الثقافي الذي احتضن لأعوام مواهب الشباب وصقل حبّهم للمسرح هواية وممارسة، وحلمه الابرز ان يكون المخزن، مسرح صغير ينصت لأحلام ابناء حومة باب سويقة ويحوّلها الى ابداعات فنية.
محمد علي بن جمعة الفنان المتلوّن والممثل المتمكن من شخصياته، لعب الى جانب امهر الممثلين، على غرار "المنشار الحائر" مع رجاء بن عمار، و"كلام الليل" مع توفيق الجبالي، "جنون" مع الفاضل الجعايبي ورافق الفاضل الجزيري طيلة 10اعوام تعلّم فيها الكثير، نجح في السينما في افلام "الجايدة" لسلمى بكار،
و"زهرة حلب" مع رضا الباهي، و"بورتوفارينا" لابراهيم لطيّف، وفيلم "هدوء نسبي" مع شوقي الماجي، كما نجح في الدراما في "الدوامة" و"دار نانا" و"جنون القايلة" و"براءة" و"الفلوجة" واخر الاعمال "الفتنة"، ليثبت محمد علي بن جمعة انّه ساحر وحارس امين لفن التمثيل.