رحيل الرسام والنّحات عبد الحميد الحجّام: منحوتات وتتويجات تتحدى الموت!

بعد مشوار طويل ، طويل من الرسم والتلوين، من التجسيد والنحت، من محاورة الحياة فنا وصورة،

رحل الفنان عبد الحجّام ليبقى أثره من بعده شاهدا على مسيرة فنية استثنائية، تركت بصماتها في ربوع تونس من شمالها إلى جنوبها . ومن من أبرز أعماله التمثال الذي يجسد الرئيس الحبيب بورقيبة في مرحلة الطفولة بمدينة المنستير سنة 1979، والذي أنجزه بالتعاون مع الفنان زبير التركي.

 عن عمر ناهز 85 سنة، رحل الفنان التشكيلي والنّحات التونسي عبد الحميد الحجّام الذي وافته المنية أول أمس الأربعاء 12 مارس 2025 ليترك إرثا فنيا مهما في مجال النحت والفنون البصرية.

الجائزة الأولى في النحت لأكثر من مرة

 ترك الراحل بصمته في إنجاز منحوتات كثيرة في عدة مدن تونسية مثل قصر هلال (1980) وحلق الوادي (1982) وتطاوين (1984)، بالإضافة إلى منحوتة بارتفاع 5 أمتار في كلية الآداب بمنوبة سنة 1990.من مواليد صفاقس في 13 نوفمبر سنة 1940 بدأ مسيرته التعليمية الجامعية بالدراسة في مدرسة الفنون الجميلة بتونس وتخرج منها سنة 1958، ثم واصل تعليمه في المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة بباريس وتحصل سنة 1960 على الشهادة العليا في الفنون التشكيلية. وبعد عودته إلى تونس سنة 1968، انضم إلى الهيئة التعليمية في مدرسة الفنون الجميلة بتونس أين تولى تدريس النحت. وعلى امتداد مسيرته الفنية حاز الفقيد الجائزة الأولى في النحت في عدة مناسبات، من بينها مسابقة الشركة التونسية للكهرباء والغاز سنة 1971 لمحطة غنوش الحرارية بقابس وسنة 1976 لمركز التكوين بالخليدية.وأقام الفنان عبد الحميد الحجام معرضا شخصيا للميداليات في رواق "أرابيسك" سنة 1996. وشارك في العديد من المعارض الجماعية منذ سنة 1970 وكانت له مشاركات بانتظام في معارض اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين ومجموعة مدرسة تونس. كما مثل تونس في مؤتمرات الاتحاد الدولي لفن الميداليات، حيث عرض أعماله في نوشاتيل بسويسرا سنة 1996 ولاهاي بهولندا سنة 1998 وألمانيا سنة 2000.وفي سنة 2004، تم تكريم الفنان عبد الحميد الحجام بإسناده الجائزة الكبرى للفنون التشكيلية لمدينة تونس تقديرا لإسهاماته الفنية في هذا المجال.

فاتح بن عامر يستذكر الراحل فنيا وإنسانيا

في شهادة وفاء وعرفان عن الراحل عبد الحميد الحجام كتب الفنان ومدير المعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس فاتح بن عامر ما يلي: "عرفت الفنّان عبد الحميد الحجام ذات شتاء بعض السنوات السّبعين، كنت تلميذا بمدرسة الفلاح هذه المدرسة العجيبة والغريبة الّتي تنقسم غلى ثلاثة مواقع، قسمان مستلان من دار الشّيخ عبد اللّطيف بوعزيز مؤسسّها ذات 1937، وبعض الأقسام على أرضيّة مقبرة عائلة الحجام وقسم ثالث على مبعدة مائتي متر في قاعة وجيدة تطل على مقبرة عائلة دمق (أصلها مقهى)، وكنا نتندر بهذه المدرسة الّتي فيها قسم بأكمله يشتمل على ثلاثة قبور لعائلة الحجام أنفسها. تتاخم المدرسة بقيّة المقبرة في اتجاه الشّمال بينما يجدّها شرقا منزل الفنّان عبد الحميد الحجّام رحمه اللّه. بين باب المدرسة وباب منزل المرحوم، كان لنا شجرة صفصاف كبيرة وقديمة شاءت الصّدف أن قطعت البلديّة جزءها العلوي وتركت الجذع متمسّكا بالأرض، كان ذلك سنة 1974 أو 1975 عندما خرج الفنّان من بيته وشرع يتعامل مع جذع الشّجرة كتلة قابلة للنّحت، وبأزاميله ومطرقته وبعض الأدوات الأخرى، انبرى ينحت الجذع لمدّة بضع أيّام. كنت أسرح واقفا أنظر إليه وأتملّى ما يفعل وأنا مزهو ومأخوذ بحركاته وبما يصنع. وبخني معلّمو تلك السّنة لتباطئي في الدخول إلى القسم ونلت ما نلت من ضرب المسطرة على الكفّ ومن الوشاية بي لأبي. لم أكن أعلم بأنّ ذاك اللّقاء سيثمر عديد الأشياء فيما سيأتي من قادم الأيام. ... وها أنا ذا أرحل إلى تونس وأدرس هناك وألتقي الرّجل من جديد. في طيبته وبشاشته وضحكته البكر واندهاشه من أيّ أمر عجيب أو على غير اعتياد. كان مثل الأطفال بريئا إلاّ ممّا يجب من حيل الحياة للمحافظة على ماء الوجه والحياء. في الحقيقة لم أدرس عنده ولا حصّة واحدة لكنني درست عنده الدّرس الأوّل، ولم يكن أبدا في أي لجنة من لجان تقييم أعمالي، لكنه كان يرشدني وينصحني ويمرّ على قاعات الدّرس للبحث عنّي كي يسألني إن كنت محتاجا أيّ شيء ويطمئن أبي على سير دراستي وعلى أوضاعي. كان كفيلا لي دون قول أو إصداح وراعيا دون مشقّة المراقبة".

نحت تمثال بورقيبة الطفل والمنحوتات النّصفيّة للزّعيم

في استدعاء للذاكرة والذكريات ولمكانة عبد الحميد الحجام في المشهد التشكيلي التونسي، يقول الدكتور فاتح بن عامر: " هو من نحت بورقيبة وهو طفل بالمنستير وهو من نحت عديد النّصب بمحوّلات عديدة ومدن عديدة في تونس والمنحوتات النّصفيّة للزّعيم الرّاحل ليلة السابع من نوفمبر. احتفظ بها واحتفظ بعديد الرّسوم التحضيريّة لمنحوتاتها الأخرى وكان رائدا في النحت التونسي إلى جانب الهادي السلمي وعمر بن محمود والهاشمي مرزوق. اختصّ في نحت وقولبة وصبّ الميداليّات وله فيها عدد كبير كما اختصّ في التّعامل مع الخشب مادّة رئيسيّة في النحت.كان وفيّا لذاته ولأخلاقه العاليّة ووفيّا للعائلة والأبوة كما عرفته حريصا على المودّة والرّحمة لا يسبّ أحدا ولا يأتي أحدا نفاقا أو رياء. كان مساويا لنفسه ولذاته وقويّ العزيمة. لم يأبه بما يأتيه من سوءات ولا من أقوال، يعمل ويمضي في صمت ويتّجه إلى حيث يرى الحقّ ماثلا بدماثة الأخلاق وخير الكلام. هذا هو عبد الحميد الحجام. الّذي كان فضله عليّ كبيرا حين أصّل في حب الفنون وتركني أرحل خلفه إلى تونس وإلى ذات المعهد وزرع في ذاتي حب مهنة تدريس الفنّ."

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115