علي إهتمامٍ بالغٍ من وسائل الإعلام الإسرائيلية ، وأخرها التصريح الذي يؤكد فيه إلتزامه بأن تشتري الولايات المتحدة قطاع غزة وتمتلكه ، وأنه قد يمنح أجزاء من القطاع لدول أخرى في الشرق الأوسط للمساهمة في جهود الإعمار .
وذهب ترامب في تصريحاته إلي حد التأكيد علي أنه سيحول غزة إلى موقع رئيسي ' للتنمية المستقبلية '. وتلقفت تل أبيب تلك التصريحات - مجدداً- وتفاعلت معها القوى السياسية بما يخدم أهداف كل فريق سواء الحكومة الإئتلافية بقيادة نتنياهو أو المعارضة ، ودون الإنتباه لما تمكن أن تحدثه تلك التصريحات والوعود من تأثيرات سلبية في منطقة الشرق الأوسط ودولها التي تواجه بالفعل تحديات سياسية وأمنية ، تتضاعف تعقيداتها مع كل إنتكاسة في مسارات السلام والقضية الفلسطينية .
وخلافاً لمؤشرات ظهرت على استحياء أنه قد يتراجع بشكل تكتيكي عن توجهاته ، إلا أنه في تصريحات لشبكة فوكس نيوز أكد الرئيس الأمريكي إنه سيبني ما يصل إلى ستة مواقع جديدة للفلسطينيين للعيش خارج "غزة"، والتي ستكون في الواقع مخيَّماتٍ دائمة للاجئين يتعهد بها الرئيس الأمريكي. كما أشار إلى أن خطته بشأن "غزة" لن تتضمن حق العودة لأكثر من مليونَي فلسطيني، مضيفًا أن الفلسطينيين ليس لديهم حل بديل سوى مغادرة الأراضي بسبب الدمار الذي خلَّفته إسرائيل.
وبصرف النظر عن إشارته في التصريحات أن الدمار في غزة سببته إسرائيل ، إلا أن النهج الذي يتبعه يتضمن مكافأة صريحة لمن تسبب في الدمار ، إذ تمثل تصريحاته التي إحدثت إرباكاً للجميع بمثابة مكافأة لنتنياهو -رئيس حكومة اليمين المتشدد- علي ما إرتكبه جيش الإحتلال من إنتهاكات لحقوق الإنسان ومخالفات للقانون الدولي ، وإذا كان لدي الفاعلين الدوليين المؤثرين دراية بالقانون الدولي -وتحديداً المادة 49 من إتفاقية جنيف الرابعة - التي تشير إلي أن نقل المدنيين الفلسطينيين -قسرياً- غير قانوني وباطل ويعزز التطهير العرقي ، لربما أدركوا أيضاً أنها تعد جريمة حرب.
واللافت للإنتباه تصريحات الرئيس الإسرائيلي ' هيرتزوج' لشبكة فوكس نيوز الذي أوضح أن مقترحات ترامب حوّل غزة وإعادة توطين سكان القطاع قبل تطويره ليصبح ' ريفييرا الشرق الأوسط ' هو فكرة لم تُطرح من قبل، وإن كان أبدي تحفظه على تأييدها بالكامل . ورد على سؤال حول دعمه للخطة ، أشار ' هيرتزوج' إلى أهمية التشاور مع مصر والأردن والدول الأعضاء في الإتفاقيات الإبراهيمية. وقد يكون هيرتزوج صاحب إسلوب مغاير لأقطاب حكومة اليمين المتشدد ( بصفة خاصة بن غفير وسموتريتش) ولكن الأفكار القومية وسرديات السياسيين في دولة الإحتلال تخفي بين السطور مطامع توسعية ، وإن كان الإختلاف في الكيفية التي يتم بها تمرير الأهداف الأيديولوجية.
وتشير تقديرات مراكز فكر دولية إلى أنه في حين تمثل غزة هاجساً أمنياً لدي تل أبيب ( مع طموحات في إستغلال موارد حقل غزة البحري ) ، فإن الضفة الغربية تحتل في العقيدة اليهودية موقعاً مختلفاً ( يهودا والسامرة ) ، ووجب هنا التنويه بأن نتنياهو علي الرغم من التحديات الداخلية التي تواجهه وتهدد تماسك الإئتلاف الحكومي يمتلك في ظل الإدارتين الحالية ( ترامب ) والسابقة ( بايدن ) وضع أفضل مقارنة بعام 2011 عندما إضطر للتراجع عن تنديده بمهاجمة إيران بسبب معارضة كبار المسئولين العسكريين والإدارة الأمريكية في عهد أوباما، ولذلك فهو يسعي لإستعادة التحولات في سوريا ولبنان لإعادة هندسة الشرق الأوسط بما يحقق الأهداف التوسعية وخلق عمق إستراتيجي جديد لدولة الإحتلال ، أكثر من إهتمامه بمشروعات وترتيبات الأمن والإندماج الإقليمي . كما يلاحظ أنه علي الرغم من الأحاديث البنيامينية عن مساعي توسيع مسارات التطبيع ، إلا أنه عملياً يمارس سياسات سلبية تدفع بإتجاه تحييد الأطروحات الخاصة بإقامة دولتين ، وإجبار الفلسطينيين علي النزوح وزيادة معاناتهم والدفع نحو حظر هما وكالة الأونروا ، وتقويض دور هيئات الأمم المتحدة في تقديم الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية للفلسطينيين.
هذا ، ويرتكز الموقف المصري الثابت علي رفض أي طرح يستهدف تهجير الفلسطينيين، وهو ما يتوافق مع موقف المملكة الأردنية الهاشمية ، وعبرت كل دولة من خلال بيانات صادرة عن وزارة الخارجية والإتصالات التي تجريها مع عدة أطراف دولية وإقليمية أن التصعيد الخطير في الشرق الأوسط والحديث عن تهجير قسري لسكان غزة سينجم عنه عواقب وخيمة تضر بالمنطقة وقد تمتد لخارجها، وهو ما دفع وزير الخارجية المصري إلى الإعراب -في تصريح أمس ١٠ الجاري - عن تطلع القاهرة إلى بدء عملية التعافي المبكر وإعادة الإعمار بوجود الفلسطينيين على أرضهم، علماً بأن البيان الصادر عن الخارجية المصرية في ٨ الجاري ندد بتصريحات "نتنياهو" كونها تتضمن ادعاءات وتضليل متعمد ومرفوض يتنافى مع جهود مصر منذ بدء العدوان على "غزة".
وأكد البيان على رفض التصريحات التي تستهدف تهجير الشعب الفلسطيني إلى مصر أو الاردن أو السعودية. كما أعاد البيان التأكيد علي أن القاهرة تدعم تمسك أبناء "غزة" بأرضهم رغم كل ما يتعرضون له من أهوال للدفاع عن قضيتهم العادلة والمشروعة.