وأن زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى السعودية تمثل تحولاً هامًا في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وإعلان ترامب عن خطط لرفع العقوبات عن سوريا واستعداده للتفاوض مع إيران، يُشير إلى إعادة هيكلة للسياسة الخارجية الأمريكية لا وجود فيها لـ«أعداء دائمين». كما قدّم خطاب ترامب في منتدى استثماري عُقد في الرياض رؤية شاملة- وإن كانت متناقضة في بعض الأحيان وفقاً لتقديرات الواشنطن بوست- لدور القوة العسكرية الأمريكية في العالم، وفى حين أعلن ترامب معارضته للتدخلات الأمريكية السابقة في الشرق الأوسط، إلا أنه أبدى أيضاً استعداده لاستخدام القوة للدفاع عن الولايات المتحدة وحلفائها.
تفاعلاً مع حدة التنافس على تصدر المشهد العالمي للذكاء الإصطناعي وتوجه القوى الوسطي والصاعدة ( السعودية ، الإمارات ) إلى عقد شراكات متنوعة - سواء مع واشنطن أو بكين - أعلن الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، عن إطلاق شركة «هيوماين» وهو ما يمثل تأكيداً على قوة المنافسة الجارية على المستوى الدولي في المجالات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وتهدف الشركة- التي سيرأس محمد بن سلمان مجلس إدارتها- إلى تطوير وإدارة حلول وتقنيات الذكاء الاصطناعي والاستثمار في هذا القطاع, وتتضمن خطط الشركة تطوير أحد أفضل النماذج اللغوية الكبيرة باللغة العربية، إلى جانب الجيل الجديد من مراكز البيانات والبنية التحتية للحوسبة السحابية.
ولا يُمكن النظر إلى التوجّه السعودي الاستراتيجي للذكاء الاصطناعي بمعزل عن المنافسة الدولية والإقليمية للحصول على التقنيات الخاصة بالذكاء الإصطناعي واستخدامها في مجالات أخري ( التعليم ، النقل ، الفضاء ) على سبيل المثال وليس الحصر، إذ تواصل الإمارات تعزيز استثماراتها في تقنيات الفضاء والأقمار الاصطناعية، محققة إنجازات متتالية، منها إطلاق شركة "سبيس 42" التي تجمع بين الذكاء الاصطناعي والاتصالات الفضائية، كما استقبل الشيخ / طحنون بن زايد - مستشار الأمن الوطني في دولة الإمارات ديفيد ساكس، كبير مستشاري البيت الأبيض للذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية، الذي يزور أبو ظبي تزامناً مع زيارة ترامب للمنطقة ، وبحث طحنون وساكس سُبل تعزيز الشراكة الثنائية في ابتكارات الذكاء الاصطناعي، ووفقاً لتدوينة نشرها الشيخ طحنون على منصة X، فإن تلك اللقاءات تعكس جدوى النقاش والتطور المستمر في العلاقات الاقتصادية بين الإمارات والولايات المتحدة، وأن التعاون في التقنيات المتقدمة يُعد ركيزة أساسية لبناء مستقبل رقمي ذكي ومستدام يلبي تطلعات الأجيال المقبلة.
أما عن التجربة السعودية ، فقد نجحت خلال مؤتمر «ليب 2025» في جذب استثمارات تتجاوز 20 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي ، وتستحوذ المملكة على 86% من سعة مراكز البيانات في منطقة الشرق الأوسط ، بزيادة 5 مرات في 2025 مقارنة عما تحقق في 2017 , ويصل معدّل نمو سعة مراكز البيانات في الرياض إلى 37% سنويًا (أكثر من ضعف المتوسط العالمي). كما تصدرت المملكة معيار الإستراتيجية الحكومية للذكاء الاصطناعي عالمياً على المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي 2024.
وبالنظر إلى أن الإستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي 2030 تستهدف أن تصبح السعودية ضمن أعلى 15 دولة في الذكاء الاصطناعي، فإن إنطلاق "هيوماين " يعكس طموحات متنامية لتبوأ مكانة متقدمة في السوق العالمية الواعدة، إذ تبلغ حجم الاستثمارات العالمية في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في 2024 نحو 465 مليار دولار، وتشير التقديرات إلى أن حجم السوق العالمية للذكاء الاصطناعي سيتجاوز 1.5 تريليون دولار بحلول عام 2030 .
هذا ، وفي ضوء ما يمثله الذكاء الإصطناعي من دورٍ هام في تشكيل المستقبل ، فإن الاستثمارات المتزايدة في منشآت البيانات والبنى التحتية السحابية يمكن النظر إليها على أنها تعمل على ترسيخ مكانة السعودية كمركز - دولي - للتقنيات المستقبلية وقطبًا لكبرى الشركات التكنولوجية العالمية.