عقد مسؤولون أمريكيون وصينيون أول اجتماع سري بينهما منذ تولي الرئيس ترامب الرئاسة وإطلاقه حرب الرسوم الجمركية، وذلك في قبو مقر صندوق النقد الدولي. إذ تُوج باتفاق الطرفين على عقد مفاوضات تجارية في "جنيف"، اختتمت باتفاق أمريكي صيني على خفض جمركي لـ90 يومًا، والتهدئة الموقتة للمناكفات التجارية بين واشنطن وبكين لم تكن الأخبار الإيجابية الوحيدة التى تواكبت مع أول زيارة خارجية لترامب فى ولايته الثانية ، إذ يمثل الإفراج عن عيدان ألكسندر تحولاً فى نظرة ترامب للأوضاع في غزة وكان تعليقه أن ذلك يعد بادرة حسن نية من جانب حماس تجاه واشنطن .
كما نشر مجلس العلاقات الخارجية تقريراً يحمل عنوان ( إتفاق ترامب مع بكين يضع مصداقية واشنطن على المحك ) يُبرز أنه على الرغم أن محادثات التجارة الأمريكية-الصينية في جنيف قد أسفرت عن تهدئةٍ تفوق التوقُّعات في الحرب التجارية الدائرة. فإنه ليس من السهل إصلاح الضرر الذى ألحقته هذه المناوشة بمصداقية الولايات المتحدة التجارية ودور الدولار على الساحة العالمية، إذ يُرجَّح أن ترتفع الواردات الأمريكية من الصين بشكلٍ كبير خلال الأشهر الـ3 المقبلة مع إقبال الشركات وتجار التجزئة على تخزين البضائع الصينية، الأمر الذى قد يعني زيادة الطلب على الخدمات اللوجستية، وارتفاع تكاليف الشحن، وزيادة الضغوط التضخمية في الولايات المتحدة، وربما يحاول مسؤولو إدارة «ترامب» تصوير محادثات التجارة على أنها تُحقِّق هدف «الانفصال الاستراتيجي»، لكنهم في الواقع فقدوا مصداقيتهم ومنحوا الصين نفوذًا أكبر.
وتطرقت تقديرات المجلس الأطلسي إلى الدوافع الحقيقية التي دفعت واشنطن للتهدئة مع بكين ، والذى يفترض أن الدافع الحقيقي وراء إبرام الولايات المتحدة لاتفاقٍ مع الصين قد يكون بسبب تأثُّر السوق الأمريكية بتبعات اختفاء عديدٍ من السلع الاستهلاكية من المتاجر الأمريكية. وبالمثل، فقد يكون الدافع وراء موافقة الصين هو تزايد عمليات تسريح العمال في الموانئ والمصانع في جنوب الصين، ويُشير الاتفاق التجاري الأمريكي-الصيني إلى أن الخلاف بين البلدَين لا يقتصر فقط على الرسوم الجمركية في حدِّ ذاتها، أو الانفصال عن الاقتصاد الصيني، بقدر ما يتعلَّق بخفض العجز التجاري، ومعالجة الحواجز التجارية، وغيرها من المسائل الاقتصادية. كما خلُص التقرير إلى أن الولايات المتحدة والصين متفقتان على أنهما لا تستطيعان تحمُّل تكاليف السعْي إلى الانفصال طويل الأمد وتحويل مسار التجارة، كما أنهما تتفقان ضمنيًا على ضرورة معالجة الاختلالات التجارية التي نشأت على مدى العقود القليلة الماضية.
وقد تطرق تقرير لمركز ECSSR إلي أبعاد توصُّل أمريكا والصين لاتفاقية تجارية ، والإعلان عن خفض مؤقت للرسوم الجمركية المفروضة، وإعطاء مهلة إضافية (90 يومًا) للتوصُّل لاتفاق تجاري نهائي، ويأتي الخفض بهدف تهدئة التوترات التجارية ومواصلة المناقشات بشأن العلاقات الاقتصادية، وتكشف الهدنة الجمركية بين الغريمين عن خفض الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على الواردات الصينية من إجمالي 145% إلى 30%، وستخفِّض الصين رسومها الجمركية على السلع الأمريكية من 125% إلى 10%.
وقد انعكست المؤشرات الإيجابية للمحادثات التجارية على الأسواق العالمية، إذ ارتفعت العقود الآجلة لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 2.8%، وارتفعت العقود الآجلة لمؤشر "ناسداك 100" بنسبة 3.6% ، ومع ذلك هناك عدة تساؤلات حول مستقبل السياسات الإقتصادية الأمريكية في العام الأول للرئيس ترامب وهل يراجع النبرة الإستعدائية في تصريحاته ضد الصين !؟ وهل يتوجه الطرفان لمفاوضات موسَّعة تحقق توازنًا تجاريًا مستدامًا بين واشنطن وبكين ؟!
وفى ضوء ما شهدته عام 2020 من توقيع واشنطن وبكين على ما عرف حينها بإتفاق ' المرحلة الأولى ' ، فإن التوصل لاتفاقية تجارية عادلة ومستدامة تحقق مزيدًا من الانفتاح التجاري بين الطرفين يظل رهناً للإرادة السياسية من جانب واشنطن وترامب أولاً .