والذي يحتضن مقر جريدتي "الرأي" و "Démocratie " الرائدتين في مجال الصحافة الحرة . كما أرتبط اسم المقر بحسيب بن عمار والمجموعة المستقلة عن الديمقراطيين الاشتراكيين. وكانت الجريدتان مفتوحتان للأقلام غير المهنية مثلي و مثل صديقي المرحوم هشام قريبع والمنصف المرزوقي وغيرهم كثيرين. كان حمادي بن سعيد رابطا بين الحلقات الثلاثة. فهو عضو مؤسس للمجموعة التي انفصلت عن مجموعة أحمد المستيري (التي أسست حركة الديمقراطيين الاشتراكيين) ورئيس تحرير جريد ةDémocratie . كنت قد رجعت من فرنسا في سبتمبر 1981 بعد ما تخليت على التجربة اليسارية فلقيت من مجموعة الرأي قبولا وترحابا وانفتاحا على الرأي المخالف لم أتعوده في صفوف اليسار عموما. لم يكن مقر الجريدة كبيرا لذلك كنا نلتقي جميعا سياسيين وصحافيين محترفين ومتعاونين. كان المقر عبارة عن خلية نحل. كان حمادي بن سعيد اذن همزة الوصل بين هذه العوالم الثلاث.
كان مناضلا سياسيا دستوريا ليبراليا، منحدرا من عائلة دستورية (من جهة خاله محمد صالح بلحاج) وكانت أمه بحكم الجوار في رحبة الغنم مرتبطة في السراء والضراء بماتيلد الزوجة الأولى للحبيب بورقيبة. وانتسب للشق الليبرالي في السبعينات. وكانت له صولات وجولات في هذا المجال. وترشح كمستقل للانتخابات الجزئية ببن عروس في جوان 1984 احتجاجا على انسداد الأفق بعد خيبة أمال انتخابات 1981. ووقع العريضة التي بادر به محمد الشرفي في 2004 التي طالب فيها مائة شخصية وطنية من بن علي عدم الترشح للانتخابات الرئاسية ل2009. وكان صحفيا ألمعيا. أدار حوارات تاريخية مع أحمد بن صالح (وهو أول حوار أدلى به بعد هروبه من تونس) الجزائري أحمد بن بللة في المنفى (سيوسرا) بعد خروجه من السجن وأخيرا وليس آخرا حوارا مع أية الله خميني في 1979من منفاه بنوفل لو شاطو Neauphle-le-Château بباريس. وله نوادر مع هؤلاء يطول تقديمها. وبعد حجب جريدة الراي في 1987 بعد الانقلاب (احتجاجا على منع مقالة لأم زياد) التحق بن سعيد بباريس. وعدّد التجارب المهنية. وأخر عمل مهني نضالي هو تسليمه لبطاقته المهنية الفرنسية احتجاجا كما ورد في رسالة التخلي على التغطية الإعلامية الفرنسية للإبادة الجماعية التي تجري أمام أعيننا في غزة. كان حمادي منسقا ماهرا للجريدة وودودا مع كل من يكتب ويزور الجريدة. يشجع المبتدئين ولا يغار من أنداده المنافسين. أصبحنا أصدقاء وفي فترة ما كنا لا نتفارق اطلاقا مع هشام قريبع. ودامت هذه الصداقة أكثر من أربعين سنة لم تشبها شائبة. حمادي بن سعيد ينتسب لجيل في طور الانقراض. أعرف أنه مارس السياسة من زاوية المبادئ وغير مبال بالمناصب والتي رفضها عندما اقترحت عليه. أو كانت سهلة لديه لو طالب بها لقربه من أصحاب القرار أخرهم الباجي قائد السبسي الذي كان في مجموعة حسيب بن عمار. كان رجلا شهما أجبره المرض للانسحاب من الحياة العامة قبل أن يفتك به مؤخرا.
رحمه الله.