منبر: في الفصل الخامس من مشروع دستور 2022 الأمة، الدولة ومقاصد الإسلام

يثير الفصل الخامس من الدستور المعروض على الاستفتاء جدلا منقطع النظير. ومن المنتظر أن يتواصل لمدة نظرا لخطورة مضمونه وغرابة صيغته. ويثير مجددا مسألة الهوية السياسية لتونس بالإثارة عبر التخلي على تصور خلنا أنه استقر

مفاده أن تونس دينها الإسلام. وهذ الذي يفسر النفير من طرف الزملاء واهل الاختصاص. ولقد استفدت كثيرا من تدخلات الزميلات والزملاء (سناء بن عاشور التي كانت الأولى في التنبيه على المنعطف، ونايلة السليني، أمال قرامي، ألفة يوسف وسلوى الشرفي وزياد كريشان وسليم اللغماني ونادر حمامي، وفوزي بدوي ويوسف الصديق). هؤلاء قرأت لهم أو سمعت تدخلاتهم. مع الاعتذار لغيرهم. والمهم التعمق في «البدعة» التي وردت علينا. وبدوري أبدي الملاحظات الأتية اثراء للنقاش.
«تونس جزء من الأمة الإسلامية. وعلى الدولة وحدها ان تعمل, في ظل نظام ديمقراطي, على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية»
يتركب الفصل الخامس من ثلاثة مستويات يصعب الربط بينهما : مستوى أنثروبولوجي يطرح مسألة الهوية أي الانتساب للامة، ومستوى ثيولوجي بالمعنى الواسع لكلمة يتجلى في مقاصد الإسلام/شريعة ومستوى سياسي يسوغ الدولة الدينية عبر عقيدة الدولة.
• أمة إسلامية أم أمة تونسية؟
1 - أمة الإسلام. نقرا في المعاجم اللغوية العربية أن الأمة لها ثمان معاني البعض منها قرآنيي : الرجل الأمّة الأوحد (1)، القامة (فلان حسن الأمة) (2)، الأم (3)، الزمان أوالوقت كما في الآية التي تأخر العذاب { إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} (4)، الإمام {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } (5)، الدين {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ }(6)، أتباع النبي (7) الجماعة { وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} الماشية (8). و استقر بهذا المعنى الأخير: الجماعة المخصوصة، المتفقة على دين واحد {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}.وهو المعنى الذي تبناه القدامى (أنظر رضوان السيد، الامة والجماعة والسلطة ، دار اقرأ، 1984 صص 43 - 44؛
والمعاصرين مثل ماسينيون
(Massignon, L’Umma et ses synonymes, Opera Minora, vol. 1, Beyrouth, pp.
97 - 103؛ وناصيف نصار، مفهوم الأمة بين الدين والتاريخ،1986).
أعتبرت الأمة الاسلامية « أمة إجابة» دورها أن تجعل الإنسانية جمعاء «أمة». وهذا ما يقوله رضوان السيد (م.م. ض 51) ومحمد الطالبي في «أمة الوسط» (دار سارس، 1996، صص 67 - 75). وهو نوع من الاسلاموية تجعل من أمة الإسلام امة كونية في طور التكوين. ويعتدّ في ذلك ب «دستور المدينة» (أو الصحيفة أو كتاب النبي) الذي عقده النبي في 622 م بين المسلمين من قريش وأهل يثرب «ومن تبعهم» والذي ينص كما ورد في سيرة أبن هشام على أنهم «أمة واحدة من دون الناس» ...»لليهود دينهم وللمسلمين دينهم». ومع تدهور العلاقة مع اليهود وقع استيعاب اختلاف الديانات السماوية في أمة واحدة في المفهوم الفقهي ل «دار الإسلام» التي تسمح لأهل الذمة بحرية ممارسة الشعائر وبدون الحق في الولاية الدينية أو الخلافة. فأول واجب للخليفة هو «حفظ الدين... ليكون الدين محروسا من خلل والأمة ممنوعة من زلل» (الماوردي، الأحكام السلطانية، دار الحديث، القاهرة، 2006، ص 40).
2 - الأمة أمتان. رجع مفهوم الأمة بقوة كرابطة نفسية اعتقادية عند تفكك الإمبراطورية العثمانية ونشأة الأوطان. وليس من باب الصدفة أن تكون أول مقالة في مجلة «العروة الوثقى» (1884) بعنوان «الجنسية والديانة الإِسلامية» والذي مفاده أن المسلمين «لا يعتدون برابطة الشعوب وعصبات الأجناس، وإنما ينظرون إلى جامعة الدين». وثاني مقالة « ماضي الأمة وحاضرها وعلاج عللها». فلم تعد الأوطان مسقط الرأس كما هو الشأن في أدب «الحنين الى الأوطان» بل كيانات، أمم ودول على حده في طور التكوين الحديث او تثبيت كياناتها التاريخية. وفي الأزمنة الحديثة، هنالك تصوران للأمة، الموضوعي والارادي. الأول أثني يحدد الأمة بخصائص ملموسة تاريخية موغلة في القدم أهمها اللغة. وهو تصور ألماني بدأ بكتاب يوحنا فيشت «خطاب للأمة الألمانية»
(Johann Fichte, Discours à la nation allemande, 1807).
أما التصور الثاني فهو فرنسي نظر له أرناست رينان في محاضرته «ما هي الامة؟».
ويحدد الأمة لا كلغة ولا كعرق بل كإرادة ذاتية للعيش المشترك: «الأمة هي روح، مبدأ روحاني» تستدعي ذكريات مشتركة في الماضي وتعبر حاضرا على «إرادة العيش المشترك»(Ernest Renan, Qu’est-ce qu’une nation ?, 1882).
3 - نحن أمة. نجد آثرا للتصوريين الارادي والموضوعي في كتاب على البلهوان «نحن أمة»، 1944. فينقل محاضرة رينان حرفيا (في صفحتين متتاليتين)، ثم ينتقل لتقديم الخصائص الموضوعية كما نظر لها أصحاب التصور الموضوعي والتي حددها كما يلي: «الجغرافية ، وحدة اللغة والدين والعادات والتاريخ». ومن هنا لا تكون «الدولة التونسية الا مظهر من مظاهر الأمة» ف»تتغير أنظمة الدول ويحل دستور محل آخر، ولكن الحكم السياسي للأمة لا يمحّي بسبب تلك التغييرات». الأمة التونسية أولا، «لها جميع مميزات الأمم» حتى وان كانت «جزء لا يتجزأ من الأمة المغربية كما أن المغرب نفسه جزء من الامة العربية». ولا يذكر بلهوان الأمة الإسلامية (علي البلهوان، الأعمال الكاملة، وزارة الثقافة، 2013، صص 251-283). يقول المؤرخ التيمومي أن تونس «توليفة « ترجع جذورها الى آلاف السنين، أصبحت دولة حديثة ومدنية من الحفصيين فصاعدا. ومع الاستقلال أصبحت «كيان قومي» (الهادي التيمومي، كيف صار التونسيون تونسيين، توني، «دار محمد علي الحامي» 2021 صص 18 و 117 - 144). ومع بورقيبة انتصرت سردية الامة التونسية لمدة على حساب مفهومي «الرابطة الإسلامية» و»الامة العربية». فسمي المجلس التأسيسي لسنة 1956 بـ»المجلس القومي التأسيسي» و أول مجلس النواب أولا ب»مجلس الأمة» الى حدود سنة 1981 والنائب حسب الفصل 25 لدستور 1959 يمثل الأمة. (أنظر متابعة المسألة في
Ali Mezghani, La tentation passéiste, Tunis, Edisud, 2022, pp. 324 -330)
وتبخر مفهوم «الامة» تحت قصف ثنائي مكون أولا من المدافعين عن الجماعة الإسلامية (من المحافظين الزواتنة الى الإسلاميين مرورا بالدساترة المحافظين ) وثانيا من القوميين العرب. وحتى اليسار لم ينج من الخلاف بين رواد الامة التونسية والأمميين. يقول التيمومي «تشهد تونس اليوم (2014) جوعا للانتماء وركضا وراء الهوية» (مم ص 11). فدخلنا في المزايدة الهووية. ولكن تراجع الخط الوطني وانتصار التصور «التذويبي» لم يصل الى ردة الفصل 5 مقارنة بديباجة دستور 2014 عبر «انتمائنا الثقافي والحضاري للأمّة العربية والإسلامية». ومن هذه الزاوية يكون الفصل 5 قاسمة الظهر للخط الوطني التونسي. فهنالك شعب يعلن «نحن الشعب التونسي، صاحب السيادة « بالرغم من «تاريخنا الحافل بالأمجاد والتّضحيات وبالآلام والبطولات» نقر بأن تونس هي سوى «جزء» من شيء آخر هو بدوره لا شيء مادامت الامة الإسلامية ليس لها وجود سوى في المخيال الجمعي العابر للأقطار. ونفس الشيء ينسحب على الفصل 6 (تونس جزء من الأمة العربية).
• مقاصد الإسلام والشريعة
1 - رفع الالتباس. ليس صحيحا أن مقاصد الإسلام تعني اليوم مقاصد الشريعة. أو تحيل لها مباشرة. ما يميز العصر الحديث هو الوعي بضرورة فك الارتباط بين الإسلام والشريعة. لنضرب مثالا وندلي برأي نظري. المثال نجده في مقاربة محمد الطالبي، يتبنى المقاصدية كمنهج تنظيري. يقول الطالبي: «ن القراءة المقاصديّة ترتكز، في مرحلة أولى، على التحليل الاتجاهي ً analyse vectorielle) ) للنص، فهي قراءة، في الوقت نفسه: تاريخيّة - إناسيّة ـ غائيّة» ويضيف : «ان في استطاعة القراءة المقاصدية... أن تسهم ، بقسط كبير، في أسلمة الحداثة وتحديث الإسلام»، (محمد الطالبي، عيال الله، تونس، ساراس، 1998، ص 144). يقول في رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي على خلفية منعه من تكوين الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين : «نحن نقرأ كتاب الله قراءة عقلانية حداثية مقاصدية محينة (actualisée)، سهمية، متجهة دائما في اتجاه السهم (vecteur)، الموجه بهداية الله» (المغرب، 17 مارس 2013) وقوامها أن «الإسلام حرية». أما الرأي فهو أن أي قراءه تحديثية تبحث في كلام الله على ما أراد الله قوله عبر مراده أو «الغاية» من وراء الدلالة الحرفية للنص هي قراءة «مقاصدية». و جل الفكر الاصلاحي والحداثي يفكر ضمن براديقم المقاصد. لا داعي في ذكر الأسماء كما فعل الحمامي لأن كل القراءات الاجتهادية التي تبحث في أرادة الشارع و ما يرمي اليه الشارع في آيات الأحكام وخاصة آيات الحدود لتجاوزها و»أأنستها»، هي مقاصدية. تتصور أن كلام الله يتطور مع القارء (أنظر على سبيل المثال بسّام الجمل، آيات الأحكام في المقاربات الحديثة والمعاصرة، منشورات مؤمنون بلا حدود، 1916). هي تلعب القرآن ضد القرآن (آيات واضحة ضد أخرى) ، والواقع المعاش ضد النص، و التاريخ ضد اللاهوت، والتطور ضد الجمود. كما يقول الأب أغستينوس «النص المقدس ينموا مع قرّائه كما تكبر الأم مع صغارها»
(L’Ecriture grandit avec ses lecteurs, comme la mère grandit avec ses petits).
2 - ملاحظة منهجية. لا يسمح المجال بالتساؤل حول مكانة المقاربة المقاصدية هل هي قصدية نواها الفاعل في علم التفسير (l’intentionnalité vient de intentio, tendre vers ( أم هي غائية هدفية finaliste وهل يتماهيان (القصد يتجسد في غاية). وما الفرق بين الغاية كعلة والعلل الثلاث الأخرى: الفاعلية أو الآليةcausalité motrice ou automatique والعلة المادية matérielle والعلة الصورية المتماهية مع ماهية الشيء formelle . والفرق بين الغائية والعواقبية conséquentialisme أي الحكم على الاشياء عبر النتائج لا اعتمادا على المحتوى ولا على الإجراءات (procéduralisme).
2 - الخلط والتخليط. أين يكمن الاشكال اذن؟ يكمن في أن دستور سعيد عندما ذكر الكليات الخمسة خلّط بين مقاصد الإسلام في فهمها الواسع المعاصر ومقاصد الشريعة كما وردت في المدونة الفقهية، وهو مبحث متعلق بأصول الفقه أي أدلة استنباط الأحكام الفقهية لا الفقه ولا الأحكام في حد ذاتها. ولا علم الكلام (الثيولوجيا بالمفهوم التقني الغربي)لأنه يعدّ الشريعة من السمعيات؛ ولا الفلسفة التي تتعامل مع الشريعة كمفهوم مجرد لا كأحكام تفصيلية وجب تبرير مراميها، من الكندي الى ابن شد. وقد نبه الطاهر بن عاشور على أن المقاصد من أصول الفقه. أي تأصيل أحكام الشريعة التي لا جدال فيها. والتخليط في حذف الكلية الخامسة من قائمة الشاطبي العقل واستبداله بالحرية. ولكن الطاهر بن عاشور يعتبر الكليات الخمس من «القواطع» «النادرة» في الأصول الضرورية «وما عدا ذلك فمعظم أصول الفقه مظنونة» ( الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، مصر، دار السلام، 1999، ص 5). وهذا يعني أن الكليات الخمسة تحتمل الإضافة ولا تقبل الاستبدال والحذف. وبعبارة أخرى لو ذكر الفصل 5 مقاصد الإسلام لا غير لتجنب اللبس ولوضع مخالفيه في حرج. ومع ذلك حتى ذكر مقاصد الاسلام فقط هو مصدر قلق لأنه ينبني على تصور تقدمي مفادة أن تفسير المقاصد يكون ضرورة تحديثي واصلاحي. فهل ان الجهاد ك»فريضة (فردية) غائبة» مثلا هو خارج القراءة المقاصدية؟ طبعا لا. وهذا ما أكد عليه الزملاء المذكورين آنفا وخاصة نائلة السليني. وبما أن الدستور ذكر الكليات، والكليات من الأصول، فان التساؤل قد يصبح مشروعا حول أصول الفقه كمصدر للقضاء الوضعي في استنباط الأحكام.
3 - من الشاطبي الى بن عاشور. يكاد يجمع الفقهاء والمصلحين والمحدثين بـأن الشاطبي هو الذي أعطى لمقاصد الشريعة قالبها النظري في القرن الثامن (14 م). حتى وان تكلم الكثيرون من قبله في المقاصد من باب جلب المصلحة ودرء المفسدة. طبع كتاب «الموافقات» لأول مرة في تونس بمطبعة الدولة في بداية الحماية سنة 1884 في أربعة أجزاء وبتصحيح من ثلاثة علماء الزيتونة (علي الشنوفي، أحمد الورتاني وصالح قايجي). والمقصد هو المعنى والحكمة والمغزى ونحوها التي راعاها الله في التشريع من أجل غاية هي تحقيق مصالح العباد. وقد قسم الغزالي من قبله المصالح المرسلة الى ضروريات وحاجات وتحسينات وذكر الكليات الخمسة باعتبارها من الضروريات: حفظ الدين (مثل قتل الكافر او المبتدع) وحفظ النفس (القصاص) وحفظ العقل (حد السكر) وحفظ النسل (حد الزنا) وحفظ المال (حد السرقة). وقال لا تخلو ديانة من الكليات الخمسة، الغزالي، المستصفى في علم الأصول، الأدلة، شركة المدينة المنورة للطباعة، 2008، ج 2، صص 484-481. لا يذكر الغزالي حفظ الأصول الا عبر الردع المتمثل في الجنايات بيمنا المقاصد هي أيضا حسب الشاطبي من باب الوجود وهي واجبات المكلف من حفظ الدين عبر العبادات والنفس والعقل عبر العادات والنسل والمال في المعاملات (الشاطبي، الموافقات، السعودية، دار ابن عفان، 1997 ، ج 2 صص 17-19). فالمقاصد واجبات وعقوبات. ويفسرها بن عاشور باطناب (مم صص 78-79). كتاب الشاطبي صعب ومعقد واستطرادي. وهذا ما عابه الطاهر بن عاشور( مم ص 38). ينتسب كما يقول الشاطبي بنفسه في أول جملة من المقدمة الأولى الى «أصول الفقه». وهو بحث في الأدلة النقلية والعقلية «الراجعة الى أحكام العقل الثلاثة : الوجوب والجواز ولاستحالة» ( الموافقات، مم ، ج 1 ص 25 ). البحث اذن ليس في الشريعة فهي من تحصيل الحاصل. فأحكامها لا تسأل. يساءل فقط المقصد من الصلاة في العبادات أو تحريم الربا في المعاملات...
يقول سعيد أن الخذر حسين هو الذي أضاف الحرية للكليات الخمسة. هذا ليس بصحيح. فان المسامرة المذكورة في نادي الصادقية (السبت ١٧ في ربيع الثاني سنة 1324 هجري/1906) والتي تحدث عنها زياد كريشان (المغرب، ) لم تذكر لا لشاطبي ولا الكليات الخمسة. تقوم الحرية حسبه على المشورة والمساوات. ويتطرق للحرية في الدين التي تبيح إراقة دم المرتد المعاند. وكان الشيخ محمد الطاهر بن عاشور حاضرا وألقى خطاباً شكر فيه المحاضرة القيمة التي نجد فيها « فلسفة حقيقية لمبدأ عظيم من مبادئ شريعتنا» (الخذر حسين، الحرية في الإسلام، مؤسسة هنداوي، 2017، 85 ص). الطاهر بن عاشور هو الذي يضيف الحرية والكرامة والعدالة للكليات الخمسة. هو كان واع بضرورتها لتلائم الشريعة مع متطلبات العصر. وربما هذا الذي دفعه لاقتراح «علم مقاصد الشريعة وليس ذلك بعلم الأصول». هذا بالطبع مع التشبث بأحكام الشريعة لأن «الشريعة ليست بنكاية». وفي ما عدى ذلك فان مفهوم الحرية كتب فبه المصلحون في القران التاسع عشر. وكان حريا بسعيد أن يذكر خير الين أو ابن ضياف.
4 - على خطى الغنوشي. يبدوا أن سعيد على خطى الغنوشي الذي يتطرق للكليات الخمسة للشاطبي. نص الغنوشي غير متناسق. فهو من جهة يضع الحرية ضمن الكليات الخمسة (لا بالإضافة ولا بالحذف) كإحدى مظاهر حفظ العقل، ومن جهة أخرى يدرج حقوق الاسان في صنف التحسينات (لا الكليات). يقول الغنوشي : « الإطار الأصولي الذي وضعه العلامة الشاطبي في الموافقات... والتي صنفها ضروريات وحاجيات وتحسينات، وقد حدد الصنف الأول في جملة من المقاصد، حفظ الدين والنفس والعقل والنسب والمال، على اعتبار أن الدين إنما جاء لتحقيق الحياة وما تتحقق به من وسائل، وحفظ العقل وما يتعلق به من تعليم وحرية وتفكير وتعبير، وفي حفظ النسب وما يقتضيه من حق في أقامة أسرة... وفي حفظ المال وما يترتب عنه من حقوق اقتصادية واجتماعية... إلى جانب ما يقتضيه تحقيق المقاصد الحاجية والتحسينات من حقوق الإنسان... ولقد أضاف إليها بعض العلماء مقاصد أخرى كالكرامة والحرية والعدالة (ابن عاشور)»(راشد الغنوشي، الحريات العامة في الاسلام، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1993، ص 39). ومن المفارقات العجيبة أن حركة النهضة لم تتخذ بيانا رسميا من محتوى الفصل كما صمت الغنوشي على «السرقة الأدبية» . وقال الخميري خلال نقطة اعلامية 07 جويلية 2022 «إن حركة النهضة ترفض مشروع الدستور لأنه تدثر بمقاصد الاسلام لتوظيف الدين، في حين أن الدين قائم على الحرية وليس الاستبداد، وقد عاد بهذا التوظيف لما قبل الحداثة وقبل الاصلاح الديني».
• نحو دولة الإسلام
1. الدولة فقط. ان اخطر ما جاء في الفصل 5 هو احتكار الدولة لتفسير المقاصد. وقذ نبه البدوي من خطر ايديلوجية الدولة مذكرا بعقيدة خلق القرآن زمن المأمون. والاتي كانت قمعية. النص يسوغ هذه القراءة. فالدولة «وحدها « لها واجب «أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام». والعمل على تحقيق هو فعل لا رأي. الا أنه وضع المقاصد حيز التنفيذ يستوجب تأويل نظرا لظنية البعض منها كما يقول الطاهر بن عاشور: «مقاصد الشريعة مرتبتان: قطعية وظنية». 2. اسلام الدولة. هذا فضلا على ان الدولة ستواصل إدارة الشأن الديني عبر مؤسسات الدولة (الوزارة، الزيتونة، الفتي، المجلس الإسلامي الأعلى). وهكذا سيكون لنا دين دولة بأتم معنى الكلمة، دولة تحتكر التمثيل والتأويل والتنفيذ. ومع ذلك، يعدّ من السذاجة تصور احتكار الدولة للإسلام. فالدين له رصيد رمزي يتنافس عليه الفاعلون. فمن يتصور نهاية استعمال الدين من طرف تجمعات وحركات دينية يتوهم عالم قيمي تحكم فه الدساتير، فقط.
دولة بلد اسمه تونس، شعبها جزء من أمة إسلامية. وحسب تعديل 8 جويلية على الدولة فقط أن تعمل في ظل نظام ديمقراطي وهو كما قال القاضي أحمد صواب «جاء فقط لتلطيف عبارة ''مقاصد الشريعة»». والشريعة لا تتناقض مع الديمقراطية في مفهومها الإجرائي (انتخابات) المرادف في نظر المصلحين والأصوليين لمفهوم الشورة. وهذا الذي دفع الإسلام السياسي لقبول الفكرة. ولا يتشاور في أحكام الله. الشريعة تتناقض فقط مع الدولة المدنية الاتي تستمد تشاريعها من المفاوضة الجماعية. وهذا ما أصر سعيد على تنجبه في دستور لم تذكر فيه كلمة الدولة المدنية اطلاقا.
خاتمة. ما يحدث «يعدّ لانتصار العقل الديني على العقل المدني» كما تنبأت بذلك سناء بن عاشور في مقالها(Dissonnances/ نشاز، 17 جوان L’arbre qui cache la forêt,). يقول الهادي التيمومي أن الحركة التحديثية في تونس مرت من «وضعية دولة الإسلام الى وضعية اسلام الدولة' (م م، ص 125). ويبدوا أننا نستعد القيام بحركة عكسية ، نحو دولة قروسطية كما نبهت ناسلة السليني أو كما قالا كل من سناء بن عاشور وسليم اللغماني دولة تمر «من اسلام الدولة الى دولة الإسلام».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115