وإهتمامات وسائل الإعلام ومراكز الفكر لا تقتصر على منطقة الشرق الأوسط المعروف عنها عشق الأحداث الدراماتيكية ، إذ إمتدت الضوضاء إلى الفناء الخلفي للولايات المتحدة ( 75% من صادرات كندا تتوجه للسوق الأمريكية ) بتقديم رئيس وزراء كندا إستقالته وما صاحبها من تجاذبات تعكس أزمة داخلية تفاقم من الوضع الإقتصادي المتردي في البلاد منذ 2020 .
نشرت ' فاينانشيال تايمز ' مقالاً حول عدم اليقين الذي يسود المشهد السياسي في كندا وسط افتقار الحزب الليبرالي لخطةٍ واضحة لخلافة «ترودو»، وعدم تحديد موعدٍ للانتخابات المُقبلة، مما يسهم في مرور كندا بفترة من عدم اليقين السياسي، مع منافسة الولايات المتحدة، جارتها المتقلبة.
والمثير للإنتباه أن بعض المراقبين لديهم ترجيحات بأن يتم استبدال حكومة «ترودو» الليبرالية، بأخرى «محافظة» بقيادة بيير بواليفير، وهو سياسي يميني يتقدَّم بفارقٍ كبير في استطلاعات الرأي، ويحظى كذلك بتأييد إيلون ماسك، حليف «ترامب»، وهو ما قد يُمثِّل تحولاً جذريًا في السياسة الكندية، ويدفع البلاد بإتجاه معسكر الديمقراطيات الغربية التي تخرج من التقدمية نحو عصرٍ جديد من الشعبوية الاقتصادية ومعاداة الهجرة، وسيحتاج رئيس الوزراء الكندي المُقبل- وفقاً لتقرير صادر عن المجلس الأطلسي- إلى معالجة مجموعةٍ من القضايا، بما في ذلك أهم علاقةٍ خارجية للبلاد، تلك التي تربطها بالولايات المتحدة.
كما يفترض التقرير تركيز رئيس الوزراء المُقبل على ثلاثة مجالاتٍ للتعاون مع إدارة «ترامب»، تتمثَّل في زيادة الإنفاق الدفاعي، وتعزيز التجارة والأمن الاقتصادي، والطاقة والمعادن الحيوية، قد يُسهم في تعزيز العلاقات الثنائية.
وعلي الرغم من مرارة الواقع السياسي والإقتصادي الذي تمر به كندا مع قرب النسخة الثانية من حُكم ترامب، وبغضِّ النظر عن هوية رئيس الوزراء الكندي الجديد، فسيُواجه انتخاباتٍ في وقتٍ ما في أو قبل 20 أكتوبر، ولكن بين مارس ويوم الانتخابات، يتحتَّم عليه العمل بشكلٍ وثيقٍ مع إدارة «ترامب» بشأن هذه القضايا الحرجة وغيرها.
ولعل أفضل التقارير الإعلامية التي عبرت عن الحالة الجديدة التي تعيشها كندا التقرير الذي نشرته TIME حول رفْض «ترودو» العنيد الاعتراف بأن وقته في المنصب قد انتهى، قد تركه وحزبه وبلاده في وضعٍ رهيب، خصوصًا مع قيام «ترامب» وإيلون ماسك بتهديده بجعل كندا الولاية رقم 51 ( للتخلص من الرسوم الجمركية والتحديات الجيوسياسية ) ما جعل الكنديين في خطر.
وفي حين ذهب تقرير TIME إلي وصف أزمة تكاليف المعيشة بعد الوباء بأنها قد دمَّرت «ترودو»؛ فمثله كمثل «بايدن» و«سوناك» و«ماكرون»، وكلِّ الرؤساء في الغرب تقريبًا، كما انخفضت أرقام استطلاعات الرأي التي حصل عليها «ترودو» إلى أدنى مستوياتها ( استمرّ في منصبه 9 سنوات )، بانخفاض التكاليف المعيشية للأسر الكندية، فإن التقديرات الإعلامية تركز عل أن فتْح «ترودو» أبواب البلاد على مصراعيها بلا مبالاة؛ لانعاش اقتصاد ما بعد الوباء، والسماح بدخول أعدادٍ كبيرة من العمال الأجانب والطلاب الدوليين، أدَّى لتفاقم ما كان بالفعل أحد أسوأ أزمات الإسكان في العالم.
من الواضح أن العالم بقاراته ودوله يستعد لدخول ترامب مجدداً إلي البيت الأبيض وهناك من يتعامل مع ظهور ماسك على الساحة السياسية الدولية بشكل جاد ( تثير تعليقاته في الشأن الداخلي في ألمانيا حفيظة الساسة الأوروبيين ) وهناك من يراهن على تعامل ترامب مع طموحات ماسك بمنطق رجال الأعمال وتوظيف قوته المالية لتحقيق أهداف قصيرة المدي مع تحجيمه في وقت لاحق .