زيارة دولة للمغرب تدوم 48 ساعة بعد فترة "جفاء دبلوماسي" دامت خمس سنوات جراء أزمة بين البلدين وسوء تفاهم بين الرئيس الفرنسي وجلالة الملك محمد السادس.استقبال الملك محمد السادس الرئيس إيمانويل ماكرون على مدارج الطائرة في مطار الرباط مصحوبا بولي العهد مولاي الحسن واصطحابه في سيارة مكشوفة في طريقهما للقصر الملكي تحت هتافات الجماهير هي صورة معبرة عن نية إعادة العلاقات التاريخية المتميزة بين البلدين.
وتجسم الجفاء بين البلدين في رفض المغرب المساعدة الإنسانية الفرنسية خلال الزلزال الذي ضرب منطقة مراكش في سبتمبر 2023. لكن الدبلوماسية "الخفية" الناعمة سهلت تغيير الموقف الفرنسي وفتحت الباب أمام "المصالحة" بعد أن قدم الملك "امتنانه العميق" للموقف الفرنسي في خطابه أمام البرلمان المغربي يوم 11 أكتوبر. وتمثل التقارب في عدد المشاركين في الوفد الرئاسي الرسمي ونوعيته.122 شخصية يمثلون الحكومة (9 وزراء) والنواب (10) وخمسين شخصية من المجتمع المدني الفرنسي من بينهم مغاربة مثل الكاتب الطاهر بن جلون والكاتبة ليلة سليماني والكوميدي جمال دبوز وشخصيات من المجال الثقافي مثل رئيس المعهد العربي بباريس جاك لانغو المديرة العامة لليونسكو المغربية الأصل أودري أزولاي وغيرهم من الممثلين والمثقفين الذين لهم علاقة وطيدة مع المغرب.
يضاف لهذا العدد 40 شخصية من رجال الأعمال يصاحبون باتريك مارتين رئيس منظمة الأعراف. ومن الملحوظ أن جل أهم الشركات الكبرى الفرنسية ممثلة في الوفد منها "طوطال" و"أل في أم هاش" و "ألستوم" و "أنجي" و"فيوليا" و "أورنج". كلها لها مشاريع سارية في المغرب وتقدمت في نفس الوقت بمشاريع إضافية في شكل معاهدات وعقود معروضة للتوقيع بين الجانبين. وتجسد الدعم الفرنسي لهذه المشاريع في مشاركة وزراء حاليين في الحكومة منهم وزير الداخلية ووزير الاقتصاد ووزير الدفاع ووزيرة الثقافة رشيدة داتي صحبة عدد من الوزراء و النواب القدامى "القريبين من الرباط".
10 مليار يورو من الاستثمارات الفرنسية
وأعلن قصر الإليزيه أنّ مجمل العقود الجديدة المتفق عليها تصل إلى 10 مليار يورو من الإستثمار الفرنسي في مشاريع مختلفة. وتهم بعضها بسط الجزء الثاني من شبكة سكك الحديد ة لقطارات سريعة من نوع "تي جي في" بين طنجة ومراكش وبيع قطارات لشبكة ثانية بين القنيطرة ومراكش بميزانية قدرت حوالي 130 مليون يورو. وكذلك تم توقيع اتفاق لاستغلال شركة ّ"سي أم أ" الميناء الجديد في منطقة الناظور غرب المتوسط. وتتوجه استثمارات إضافية إلى شركتي صنع السيارات "ستيلانتيس" (بيجو سابقا) و "رينو" التي فضلت الاستثمار في المغرب بعد فشل تجربتها في تونس.
حجم التبادل بين البلدين عام 2023 وصل إلى 14،1 مليار يورو كم بينهم 6،7 مليار من الاستثمارات الفرنسية المباشرة في حين كانت 8،1 مليار يورو عام 2022. ذلك يجعل من باريس ثاني مستثمر بعد إسبانيا التي استغلت الفجوة بين المغرب وفرنسا لتطوير علاقاتها الاقتصادية مع الرباط. ويرغب الوفد الفرنسي، الذي نجح في تنظيم الألعاب الأولمبية بباريس، في تقديم خدماته للمغرب التي تعتزم تنظيم نهائيات كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم عام 2025 والمشاركة مع إسبانيا والبرتغال في تنظيم الدور النهائي لكاس العالم لكرة القدم عام 2030 خاصة أنّ الرباط تخطط لبناء أكبر ملعب لكرة القدم في العالم لاحتضان كأس العالم.
علاقات استراتيجية تشاركية
الوفد الرسمي الفرنسي ينظر إلى إعادة العلاقات مع المغرب كفرصة لاسترجاع دور باريس في "أرضية التعاون المغربية" التي تدخل في استراتيجية الملك محمد السادس تجاه الفضاء الإفريقي. وكانت فرنسا قد شرعت في عهد الرئيس فرنسوا هولاند في عملية "بناء مشترك" للتعاون في مشاريع اقتصادية لاكتساح البلدان الإفريقية الفرنكوفونية والناطقة باللغة الإنقليزية. ويمثل المغرب اليوم بفضل كفاءاته وقدرته على دخول الأسواق الإفريقية عبر شبكة من العلاقات و البنوك، من بينها "وفاء بنك"، والمؤسسات أرضية لتطوير المشاريع في عدد هام من القارة.
وتسهر باريس على العمل لتخفيف منافسة إسبانيا لها في المملكة من جهة، ولاستعادة ما خسرته من نفوذ، من جهة أخرى، في بلدان الساحل الإفريقي مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو خاصة. الرجوع الفرنسي إلى السوق الإفريقية في مشاريع مشتركة يسهل على رجال الأعمال الفرنسيين التوجه نحو السوقالإفريقية ويجعل من المغرب، الذي يتقدم بخطى حثيثة في بناء أنبوب النفط بين نيجيريا وأوروبا عبر التراب المغربي، وميناء الدخلة على المحيط الأطلسي، المعبر الأساسي في غرب إفريقيا للسلع والمشاريع بين أوروبا والقارة الإفريقية.