نحتن لانفسهنّ مساحات من الحرية وكتبن بدمائهن وافكارهنّ قصصا سيذكرها التاريخ دائما.
فالمراة التونسية منذ فجر التاريخ الى اليوم عنوان للقوة، للمقاومة وللنضال، امراة افتكت حقوقها وفرضت افكارها ونجحت ان تكون رائدة لذلك اختارت جمعية فسيفساء بمدنين تكريم النساء من خلال ندوة فكرية عنوانها "الاشكال التعبيرية ومظاهر الصمود في الانتاجات الادبية والفنية" في افتتاح الدورة السادسة لـ "نسانا ع الركح" بمشاركة كل من منير العرقي وكيلاني الذوادي وثريا بوغانمي وصباح بوزيتة.
بين المقاومة بالفن والسلاح كتبت النساء اجمل تاريخ
الفن مقاومة وتونس لها العديد من الرائدات في هذا المجال، نحتن اسمائهن في سجلات المقاومة والابداع، فمن عليسة الى اليوم كتبت المراة التونسية اسمها باحرف من ذهب وكل قاومت في مجالها، بهذه الكلمات افتتح منير العرقي مداخلته عن نضالات المراة الفنانة، واشار العرقي الى اهتمامه بنضالات المراة في اعماله "بهجة" و"100نجمة ونجمة" و"محارم" وثلاثتها تلتقط تاريخ نساء تونس، وتحدث العرقي عن اول الفنانات صانعات الفرحة على غرار حبيبة مسيكة وشافية رشدي وفضيلة ختمي ممن فرضن انفسهنّ في الساحة الغنائية رغم سطوة المجتمع الذكوري وتسلطه في تلك الفترة اي الثلاثينات.
النساء يولدن مقاومات، وفي تونس "ليس سهلا ان تكون المراة ممثلة" واشار العرقي في مداخلته الى رائدات التمثيل في تونس اللواتي فرضن انفسهنّ في هذا المجال على غرار العبقرية جليلة بكار التي بدات نضالاتها مع المسرح الجديد ثم فاميليا وكانت من اللواتي فتحت الباب للنساء ليكن ممثلات ويتبعن تجربتها المميزة، تحدث كذلك عن صباح بوزويتة وفاطمة سعيدان والرائعة الممثلة صباح بوزيتة ورجاء بن عمار اول من اسس الرقص المسرحي في تونس وقدرتها على الانفتاح على المهمشين وامتصاص وجعهم وتحويله الى فعل ابداعي، كما اشار العرقي الى نصوص دنيا مناصرية وقدرتها على الحفر في الذاكرة واخرها نص مسرحية "البوابة52" اخراج دليلة المفتاحي وليلى طوبال الجريئة في فنها وتصريحاتها.
ونوه العرقي الى ممارسة النساء للفن هو نحت لذاتها ووسيلة للانصهار في المجتمع والدفاع عن حقوق النساء وافتكاكها، فكل الأساليب الفنية هي انتصار للقيم السامية.
تختلف اشكال المقاومة، ومن المقاومة بالفنون الى المقاومة بالسلاح لتكون "نساء قاومن الاستعمار" هو عنوان مداخلة الاستاذ والناشط في المجتمع المدني كيلاني الذوادي وتحدث اساسا على نضالات المراة في بني خداش من ولاية مدنين، فالخداشيات مجموعة من النساء الصالحات، وعرفت بني خداش بموقعها الجغرافي المميز لذلك هي مدينة لولادة الثوار وشهدت لانطلاق أول شرارة للمواجهة عام 1952 من بني خداش بقيادة مصباح الجربوع.
في مداخلته نفض الاستاذ كيلاني الذوادي غبار التهميش عن نسوة قاومن المستعمر وحفرت اسمائهن في الأغنية الشفوية والذاكرة المحلية، وقدم العديد من الامثلة على غرار "سكرانة" التي قتل في سبيلها اكثر من 400فارس وأصبح موقع المعركة يسنى "مشهد سكرانة" وتحدث عن علياء بنت لزرق المهداوية وفاطمة بنت علي الملولي وغالية الجربوع ومبروكة بن ضو ولمعة بنت موسى بن نصر وصريوة بن سعيد ذوادية وجميعهنّ آوين الفلاقة في منازلهنّ وحملن اليهن المؤونة والسلاح الى الجبل، كلهنّ عرفن بالشجاعة واخترن التمرد على خنوع المجتمع وكنّ شجاعات مقدامات لم يخفهنّ جبروت المستعمر الفرنسي، فالمقاومة جزء من تاريخ نساء تونس.
جسد المراة يولد تراجيديا والمقاومة سبيلها لفرض ذاتها
هل الجسد يفكر؟ هل الجسد المعاصر قادر على تحقيق السعادة؟ وهل يعرف الانسان جسده وتصالح مع جزئياته وقدرته على التفكير؟ بهذه الاسئلة اختارت الكوريغراف ثريا بوغانمي الانطلاق في مداخلتها، وصاحبة "شقائق النعمان" و"توحشت" و"رحل" اختارت الجسد ليكون صوتها وصدى لترددات افكارها، الغت الكلمة واتجهت الى بوح الجسد، بحثت فيه واستقرت معانيه وفككت شيفراته وجعلته جسدا مفكرا وثائرا له القدرة على الدخول الى كل المناطق المظلمة في حياة الانسان.
اكدت بوغانمي ان الرقص خلق نوعا جديدا من المقاومة والتحدي، فالرقص وسيلة للتصالح مع الوجود ولكن يبقى الاستعمار الحقيقي هو نفينا لجزء مهم منا وتهميشه اى الجسد، فالصراع قائم منذ القديم بين العقل والجسد وطالما رفض الجسد، لكن مع التقدم والممارسة اصبح الجسد مفكرا وهناك مدارس فلسفية زمسرحية عديدة تميزه على غرار ارطو الذي اخرج الجسد من منطقة الراحة وجعله جسدا مفكرا، واشارت الكوريغراف اننا في مجتمعاتنا العربية لازلنا نرفض مشاهدة جسد المراة في لباس ما على الخشبة ولازال هناك الكثير من العمل لتغيير منظومة عقلية كاملة.
ثريا بوغانمي تشتغل على الرقص المسرحي وتعتمد الجسد حمّالا ليشفرات نقدية تنقد من خلالها اوضاع النساء وتدافع عنهنّ وفي مداخلتها اكدت صعوبة انجاز مشروع فني يقوم اساسا على الجسد لغة وفكرة واشارت ان كل الراقصات المسرحيين يتبعن منهج رجاء بن عمار المؤسسة، ودافعت عن جسد المراة المفكر، فللنساء طاقة رهيبة تفجر هلى الركح والجسد الانثوي يولد تراجيديا ومقاوما وختمت مداخلتها بالاشارة الى انّ روح الحياة في الجسد.
في السياقي النضالي تحدثت صباح بوزيتة عن تجربتها في مجال المسرح والفنون، فهي اول النساء خريجات المعهد العالي للفن المسرحي، اول امراة تدرس فنون درامية وتدفع الكثير من طاقتها النفسية وضغوط المجتمع جراء اختيارها الدراسي ثم مسيرتها الفنية، تحدثت صباح بوزيتة عن المسرح فنا للمقاومة.
واشارت بوزيتة ان المسرح علمها المقاومة وقول لا وتحدي الرفض المجتمعي، ومن اوجه مقاومتها رفضها للعديد من الاعمال التي قد تنقص من قيمة المراة وتجعل منها سلعة، فالرفض ايضا مقاومة، واكدت بوزيتة انه وطيلة اربعين عاما من ممارسة المسرح تحدث الكثير من المصاعب لتنحت اسمها في مساحات الابداع وتدافع عن المراة الفنانة صاحبة الافكار التقدمية والمدافعة في اعمالها عن النساء جسدا وفكرة.