يطمح مهرجان "جَوْ تونس" إلى أن "تُصبح الفنون أدوات فاعلة للتفكير والعمل والتغيير والتقارب وإعادة اختراع مستقبل سماتُه الحرية والعدالة والتضامن ... " في شكل قافلة متنقلة تجمع الفنانين والمفكرين من تونس وإفريقيا وبلدان الجنوب بصفة عامة حول مفاهيم الصورة عموما في شكل نقاشات ومعارض فنية وعروض حيّة ، ينشد "جو تونس" التحرر... عبر الفن !
تحت شعار "أصوات المقاومة" وانطلاقا من 9 أكتوبر إلى 9 نوفمبر 2024، تهدي الدورة السابعة لتظاهرة "جو تونس" ضيوفها وجمهورها فرصة اكتشاف 9 معارض، موزعة على 9 مواقع ذات رمزية في تونس العاصمة وضواحيها، ومن بينها فضاءات عامة التزاما بحق الجميع في الثقافة وإيمانا بأنّ الفن قضية مشتركة بين كل الناس.
مقاربة فكرية وتحررية
من دورة إلى أخرى، تسعى تظاهرة «جو تونس» إلى أن تكون منصّة فنية متحركة وقاطرة ثقافية للفن المعاصر. وقد انتظمت أولى دورات «جو تونس» سنة 2013 ببادرة من لينا الأزعر المختصّة في الفن المعاصر والحائزة على شهادة الماجستير في تاريخ الفن من معهد سوثبي للفنون بلندن ورئيسة مؤسسة كمال لزعر. تهدف تظاهرة "جو تونس" إلى خلق روابط بين فناني المنطقة العربية والمتوسطية وتوحيدهم حول الاهتمامات المشتركة في هذه المجتمعات.
في تقديمها لفلسفة الدورة السابعة لتظاهرة «جو تونس» التي لا تخلو من الانشغال بالراهن، الآن وهنا، أفادت لينا الأزعر بما يلي : " في هذه الأوقات المُتشنجة، حيث تهب رياح الفتنة العالمية العاتية وصراعات الهويات القاتلة وتدق طبول الحرب هنا وهناك، يُعد إعادة اختراع مصير إنساني سلمي مُتضامن مطلبا مُلحا يتطلب مبادرات مواطنية عاجلة، وفي هذا الظرف الدقيق تستوي الفنون والثقافة كحواجز صلبة في مواجهة دُعاة التقاتل وتوفر جسورًا ضرورية بين الفكر والعمل إذا ما أردنا إعادة بناء مستقبلنا الإنساني المشترك. وإنّ جو تونس، بينالي الفن المعاصر، الذي بادرت مؤسسة كمال لزعر الثقافية إلى بعثه إلى الوجود سنة 2013 وتُنظمه بالشراكة مع المعهد الفرنسي بتونس، يُجسد هذه الرؤية لمستقبل يُعاد رسمه من منظور الفنون والثقافة. ويتميز هذا الحدث الفريد في الساحة الثقافية والفكرية، والذي يُقام كل سنتين في تونس، بنهجه مُتعدد التخصصات والتزامه بالتناول الثقافي والفني للقضايا التي تشغل الرأي العام محليا وعالميا. وبهذا أصبح منصة ديناميكية يُمكن للفنانين الإقليميين والدوليين اعتمادها لعرض أعمالهم والتفاعل مع جماهيرهم من خلال المعارض والورش والحوارات، مما يُساهم في جعل تونس مركزا للتميز والإشعاع الثقافي العالمي. ولأنه يعالج القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية بطريقة إبداعية مُبتكرة.
يعكس "جو تونس" مقاربة "فكرية تحررية شاملة تنبثق من بلدان ومجتمعات الجنوب ومن الفئات المستنيرة في دول الشمال وتُقدم بدائل فكرية تتجاوز ادعاءات شرعية تفوق الفكر الغربي وصلاحيته المُطلقة وتُثمن التمازج الثقافي الذي يعزز التفاعل والإثراء المتبادل بين مُختلف التقاليد الثقافية لذا فإن "جو تونس" ليس مجرد حدث فني عابر؛ بل هو قوة تغيير إبداعية تطمح لإعادة بناء علاقاتنا بالعالم وتقترح مشهدا جديدا تلتقي فيه الأفكار والثقافات والآمال وتتفاعل، لتُعيد رسم السلام وتساهم في اختراع مستقبل إنساني سلمي متضامن..."
فلسطين ... نضال كوني من أجل الحرية
في حوار مع التاريخ و تقاطع مع التراث ، تتخذ المعارض الفردية والجماعية في مهرجان "جو تونس" من الأمكنة غير التقليدية والمعالم الأثرية مقرا لها حتى "تكون بيانات نابضة بالحياة، حيث يتحول كل عمل فني إلى فعل تمرد ضد المحق والقمع والظلم . وتتخذ المقاومة أشكالا لا تُحصى ولا تُعد." فمن خلال الصور الفوتوغرافية، والتنصيبات والعروض الفرجوية والذاكرة الموشّاة بالقصص المنسية، يفتح الفنانون المشاركون أبواب عوالمهم الداخلية، داعين إيانا لمشاركتهم في المقاومة التي يخوضونها..."
وتحضر فلسطين في هذا المهرجان كأيقونة للمقاومة وللنضال من أجل الحرية... وهو ما يتجلى في عدد من معارض "جو تونس" على غرار معرض "فليقبّلك النسيان على فمك" لباسل عباس وروان أبو رحمة، حيث يستكشف الفنانان كيف يصبح محو الشعوب من صفحات التاريخ والتهجير القسري شكلا من أشكال العنف الفظيع الذي يتوجب مقاومته. ويذكّرنا هذان الفنانان، عبر عروض الأداء والغناء والرقص، بأن الثقافة والذاكرة والهوية هي أشكال للمقاومة لا تقل قوة عن المقاومة بأعتى الأسلحة.
من جانبها، تغوص ريما حسن في حياة اﻟﻼجئين الفلسطينيين من خلال معرضها "شذرات من الوطن". وغني عن القول بأن الصور التي تلتقطها ريما حسن في المخيمات ليست مجرد لقطات من الحياة اليومية لفلسطينييّ الشتات، بل هي تجسيد لرباطة جأش وصمود شعب يرفض أن يلفه النسيان؛ شعب يتشبث بتاريخه كما لو أنه خيط أمل غير قابل للتدمير. وتُبيّن ريما حسن، ولعلها في ذلك تستلهم من شعر محمود درويش أن الأمل، حتى في حالات المعاناة القصوﯨ والألم، يبقى شكلاً من أشكال المقاومة ومنارة تنير طريق من يعانون من ظلمات القمع والاستعمار والاجتثاث....
في رمزية معلقات مهرجان "جو تونس"
ضمن تشكيلة مختارة من الألوان، تترجم المعلقات الرسمية للدورة السابعة لجو تونس 2024 فلسفة هذا المهرجان ورؤية منظميه وفقا للتفسير التالي:
الأصفر الفاقع: هو رمز للطاقة والإبداع والتفاؤل ويمثل اللون الرمزي لجو منذ سنة 2013.
البنفسجي: يرتبط بلون المعارض ويعبر عن روح التعاون والتجديد.
الأحمر القاني: لون الشغف والالتزام ويعكس العروض والأداء التي تمثل كل خطوة فيها تقدم نحو مستقبل شامل.
الأزرق الفيروزي: يرمز للقاءات والنقاشات ويمثل السلام والهدوء والانفتاح.