فبعد أسابيع من التصعيد، بدأت قوات الإحتلال الإسرائيلي بالتحرك نحو شمال غزة، في محاولة للسيطرة الكاملة على هذه المنطقة الحيوية والتي تمتد من الحدود السابقة حتى ممر "نتساريم".
تشير التقديرات إلى أنّ الهدف من هذه المرحلة هو إعادة هيكلة شمال القطاع المحتل بشكل تدريجي لتسهيل عملية التوطين اليهودي في المنطقة وضمها إلى إسرائيل،ويرى مراقبون أن تنفيذ الخطة الإسرائيلية سيتم وفقا لمستوى المعارضة الدولية التي قد تثار نتيجة لهذه الخطوة.ويؤكد مراقبون أن الإحتلال يعتمد استراتيجيات لإبعاد السكان الفلسطينيين من شمال غزة، من خلال تجويعهم وإظهار أن العملية تتم تحت غطاء "حمايتهم" .
من جهته يرى رئيس حكومة الإحتلال الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في هذا التطور تحقيقا لما يعتبره "إنجاز حياته". إذ يرى نتنياهو أن "الوقت قد حان للانتقال من مرحلة التنازلات إلى التوسع". وخلفت هذه الخطط الصهيونية قلقا من مصير الفلسطينيين في شمال غزة ، حيث سيتم تهجيرهم إلى ماتزعم إسرائيل أنه "المنطقة الإنسانية" في الجنوب.
في سياق متصل، بدأت ''إسرائيل'' اتخاذ خطوات إدارية متقدمة.ووفق تقارير إعلامية فقد تم تعيين ''العاد غورين'' رئيسا لوحدة تنسيق أعمال الحكومة في مايسمى "مناطق الشؤون الإنسانية المدنية" في القطاع، وهو ما يعكس تحولا نحو أسلوب الحكم العسكري الصهيوني في غزة .
وأصدر نتنياهو توجيهات لجيش الاحتلال للاستعداد لتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة بدلا من المنظمات الدولية، وهو ما أثار استنكارا وتنديدا دوليا متزايدا ، وأيضا تحذيرات داخل كيان الإحتلال من المخاطر والتكلفة المرتفعة لهذه الخطوة. لكن وفق متابعين فإن نتنياهو ما زال مصمما على موقفه، معتقدا أنّ السيطرة على توزيع المساعدات تعني التحكم في الوضع الإنساني، مما يوفّر فرصة لطرد منظمة "الأونروا" من غزة نهائيا دون الاكتراث بالقوانين الدولية.
إنّ تنازل نتنياهو عن إعادة المختطفين الإسرائيليين واختياره تجاهل موقف المجتمع الدولي والدعوات الدولية للقبول بصفقة قد يكون له تأثير كبير على الوضع الإقليمي المتفجر.و بهذا، تدخل إسرائيل إلى المرحلة الثانية من حربها ضد حماس، في محاولة يائسة منها لتحقيق أهداف إستراتيجية بعيدة المدى بعد فشلها في امتصاص صمود المقاومة ، ووسط تصاعد المخاوف من آثار هذا التصعيد على الأوضاع الإنسانية والسياسية في المنطقة.
ما وراء المرحلة الثانية
و تتوالى الأنباء عن تصاعد التوترات في الصراع المستمر بين إسرائيل وفلسطين، حيث تبرز تفاصيل جديدة عن المرحلة التالية من الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة. ووفقا لتقارير نشرتها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، يستعد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته لخطوات غير مسبوقة في هذا الصراع الدامي. وتكشف التقارير عن خطة تهدف إلى توسيع الأراضي الإسرائيلية عبر الاستيطان وضم شمال قطاع غزة.
تتضمن المرحلة الجديدة من الحرب الإسرائيلية على غزة، بحسب الصحيفة، "التحضير للاستيطان وضم شمال القطاع"، وهو ما يثير القلق بشأن المستقبل السياسي والجغرافي للمنطقة. ووفق تقارير في الغرض فان إسرائيل تخطط لاستكمال سيطرتها على منطقة شمال القطاع حتى محور نتساريم، مع استعداد تدريجي لاستيطان المنطقة وضمها إلى إسرائيل.
وفق مراقبين وفي ضوء الخطط التي تتضمن الاستيطان والضم، فإن المجتمع الدولي سيواجه تحديات كبيرة في الرد على هذه الخطوات، والتي قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع في وقت تشهد فيه مفاوضات وقف إطلاق النار حالة من الجمود المستمر.
فلسطين ترحب بموقف جنوب أفريقيا
على صعيد آخر أعربت الرئاسة الفلسطينية عن ترحيبها البالغ بإعلان دولة جنوب أفريقيا عن استمرار التزامها بمتابعة القضية المرفوعة في محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، وذلك في ظل الضغوطات الكبيرة التي تعرضت لها لثنيها عن هذه الخطوة القانونية. تأتي هذه التصريحات في وقت يواجه فيه الفلسطينيون تصاعدا في معاناتهم نتيجة للأعمال العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، والتي يعتبرها الفلسطينيون والمجتمع الدولي انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان .
وأكدت الرئاسة الفلسطينية وفق بيان صحفي أنّ دولة فلسطين مستعدة للتنسيق الكامل والمتابعة الحثيثة مع دولة جنوب أفريقيا ومع الدول الأخرى التي انضمت إلى القضية في محكمة العدل الدولية. هذه الخطوة تعكس إصرارا فلسطينيا على تحقيق العدالة والمساءلة، ومنع تكرار جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
وشددت الرئاسة الفلسطينية على ضرورة أن تنضم الدول "الشريكة والصديقة" إلى قضية جنوب أفريقيا، لضمان تنفيذ القانون الدولي وأعماله بشكل متساوي ودون انتقائية. واعتبرت أن هذه الجهود هي جزء من التزام دولي أوسع لوقف الانتهاكات وحماية حقوق الإنسان في كافة أنحاء العالم.كما ثمنت الرئاسة الفلسطينية موقف شعب وحكومة جنوب أفريقيا، الذي يعكس التزاماً ثابتاً بقيم العدالة وحقوق الإنسان. وأشار البيان إلى أن هذا الموقف ليس فقط تعبيراً عن دعم جنوب أفريقيا للحق الفلسطيني، بل أيضاً تجسيد لعمق العلاقات بين البلدين والشعبين الصديقين.
موقف محكمة العدل الدولية
وتأتي هذه التصريحات في وقت تتسارع فيه الخطوات القانونية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية. في ظل استمرار القصف والدمار الذي تشهده غزة، تسعى فلسطين للحصول على دعم دولي أوسع لتحقيق المساءلة القانونية وإيقاف ما تعتبره عمليات إبادة جماعية ضد شعبها.
وفي الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة، تواجه القضية الفلسطينية تحديات كبيرة في الساحة الدولية، بما في ذلك الضغوط الدبلوماسية والضغوط الاقتصادية التي قد تؤثر على جهود تحقيق العدالة. لكن إعلان جنوب أفريقيا واستمرار دعمها يقدم أملا جديدا للفلسطينيين ويعزز من حراكهم الدولي في محكمة العدل الدولية.
وتعد هذه التطورات خطوة مهمة في مسار تعزيز العدالة الدولية والضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها. وتعكس الجهود الفلسطينية المستمرة تنسيقا دوليا مشتركا لمواجهة ما تعتبره جرائم حرب والإبادة الجماعية، في سعي جاد لتحقيق السلام والعدالة لشعب عانى طويلاً من النزاع المستمر.
أطفال غزة:"تعليم مهدد وجيل يضيع"
في خضم الأزمة الإنسانية المتصاعدة في قطاع غزة، يبرز الخوف الأكبر من ضياع جيل كامل من الأطفال الفلسطينيين. فقد أكد فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في بيان له على منصة إكس، أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة قد دمرت بنية التعليم في غزة، مما يهدد بمسح أحلام وتطلعات آلاف الأطفال الفلسطينيين. منذ الهجمات الإسرائيلية التي بدأت في 7 أكتوبر الماضي، تحولت المدارس من معاقل للعلم إلى مراكز إيواء لمئات الآلاف من النازحين.
تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من نصف الطلاب في غزة، الذين كانوا يتلقون تعليمهم في مدارس الأونروا، يجدون أنفسهم الآن خارج الصفوف الدراسية بسبب القصف والتدمير. بدلاً من الفصول الدراسية، أصبحت المدارس الآن مراكز للمعاناة واليأس، حيث أزيلت المقاعد الدراسية لتحل محلها الأسرّة.
وفي الوقت نفسه، تواصل إسرائيل حربها الوحشية على غزة، مدعومة من القوى الكبرى، متجاهلةً نداءات المجتمع الدولي لوقف العدوان وتحسين الوضع الإنساني. لقد أودت هذه الحرب بحياة الآلاف وأثرت بشكل مدمّر على البنية التحتية للقطاع، بما في ذلك المدارس والمستشفيات.
في هذا السياق، تحذّر التقارير من أن استمرار الأزمة قد يتسبب في فقدان جيل كامل من التعليم والتطور. فقد أكدت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أن عدد الطلاب الذين فقدوا حياتهم في الهجمات قد بلغ 8672، بينما تعرضت المدارس والجامعات لدمار كبير. هذه الحقائق المأساوية تشكل جرس إنذار عالمي، تستوجب تحركا عاجلا لإنقاذ ما تبقى من مستقبل أطفال غزة.
بلينكن يطالب بمراجعة سلوك إسرائيل
من جهته طالب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بمراجعة شاملة لسلوك الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، وندد بإطلاق النار الذي أدى إلى مقتل ناشطة أمريكية تركية في مسيرة مناهضة للتوسع الاستيطاني، وهو ما قالت إسرائيل إنه كان حادثا غير متعمد.
وقُتلت عائشة نور إزجي إيجي (26 عاما) بالرصاص في مسيرة احتجاجية في قرية بيتا بالقرب من مدينة نابلس بالضفة الغربية حيث يشن مستوطنون إسرائيليون ينتمون إلى اليمين المتطرف هجمات على نحو متكرر على الفلسطينيين.وقال جيش الإحتلال الإسرائيلي أمس إن تحقيقه الأولي وجد أنه من المرجح جدا أن الجنود هم من أطلقوا الرصاصة التي قتلتها .وقال الرئيس جو بايدن في وقت لاحق للصحفيين إن "الرصاصة ارتدت عن الأرض". وأوضح مسؤول أمريكي أن هذا هو استنتاج التحقيق الإسرائيلي الذي تسلمت الولايات المتحدة نتائجه.
لكن المسؤولين الفلسطينيين قالوا إن الرصاصة أصابت إيجي في رأسها.وفي أقوى تصريحاته التي تنتقد القوات الإسرائيلية حتى الآن، وصف بلينكن مقتل إزجي بأنه "بلا مبرر وحدث دون استفزازات"، مشيرا إلى أن واشنطن ستصر على أن تجري الحكومة الإسرائيلية تعديلات على طريقة مباشرة قواتها للعمليات في الضفة الغربية.وأضاف للصحفيين في لندن "ينبغي عدم إطلاق النار على أي شخص وقتله لمشاركته في احتجاج. وينبغي أيضا ألا تكون حياة أحد في خطر لمجرد التعبير بحرية عن آرائه".وتابع "وفقا لتقديرنا، فإن القوات الإسرائيلية بحاجة إلى إجراء تعديلات جوهرية في طريقة مباشرة عملياتها في الضفة الغربية، فضلا عن تعديل قواعد الاشتباكات".وأردف "هناك مواطنان أمريكيان لقيا حتفهما على أيدي القوات الإسرائيلية. وهذا غير مقبول".
وقال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي للصحفيين "سنراقب ذلك عن كثب"، مشيرا إلى أن التحقيق الجنائي يعد خطوة غير معتادة بالنسبة للجيش الإسرائيلي.وأضاف "نرغب في متابعة تطورات هذا التحقيق وما يمكن أن تسفر عنه النتائج، بالإضافة إلى من سيتم محاسبته وكيفية ذلك".ووصفت عائلة إيجي التحقيق المبدئي بأنه "غير كاف على الإطلاق"، وحثت الرئيس الأمريكي جو بايدن على المطالبة بإجراء تحقيق مستقل.
تحقيق أولي
وقال أفراد أسرة إيجي في بيان "نشعر بالغضب مما يُقال عن أن قتلها على يد قناص مدرب لم يكن مقصودا بأي شكل من الأشكال".وتشهد الضفة الغربية زيادة في الهجمات العنيفة التي يشنها مستوطنون على الفلسطينيين في الضفة الغربية، مما أثار غضب حلفاء إسرائيل الغربيين من بينهم الولايات المتحدة التي فرضت عقوبات على بعض الإسرائيليين المتورطين في حركة استيطان متطرفة. وتتصاعد التوترات وسط الحرب الإسرائيلية على غزة.
ويحتج الفلسطينيون أسبوعيا في بيتا منذ 2020 على توسيع مستوطنة إيفياتار، وهي موقع استيطاني قرب القرية. ويتخذ أعضاء في الائتلاف الحاكم من القوميين المتطرفين إجراءات لإضفاء الشرعية على مواقع استيطانية غير مصرح بها سابقا مثل إيفياتار. وهي خطوة تقول واشنطن إنها تهدد استقرار الضفة الغربية وتقوض الجهود الرامية إلى حل الدولتين.
استشهاد خمسة فلسطينيين بقصف جوي
ميدانيا أفاد الهلال الأحمر الفلسطيني وفق وكالة فرانس براس أمس الأربعاء بمقتل خمسة فلسطينيين في قصف جوي إسرائيلي استهدفهم في مدينة طوباس بالضفة الغربية المحتلة.
وقال المتحدث باسم الهلال الأحمر أحمد جبريل "استشهد خمسة مواطنين في قصف جوي إسرائيلي استهدف مجموعة من المواطنين في طوباس. لقد نُقل الشهداء إلى المستشفى الحكومي التركي في طوباس".وأضاف أنّ الغارات وقعت قرب مسجد التوحيد في طوباس.
من جانبه، أعلن الجيش الإسرائيلي أنّ وحداته "تنفّذ حالياً عمليات لمكافحة الإرهاب في منطقتي طوباس وطمون"، مشيراً إلى أنّ إحدى طائراته "ضربت خلية إرهابية مسلّحة" في طوباس الواقعة في شمال الضفة الغربية.وفي نهاية أوت، أطلقت إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق في طوباس ومدينتي جنين وطولكرم المجاورتين لها وكذلك أيضا في مخيمات اللاجئين الواقعة ضمن هذه المدن .
مقعد للفلسطينيين في الجمعية العامة للأمم المتحدة
هذا وشغل الفلسطينيون في الأمم المتّحدة مقعدهم الجديد في الجمعية العامة حيث باتوا يجلسون حسب الترتيب الأبجدي لأسماء الدول، وهو أحد الحقوق الجديدة التي حصلوا عليها بعدما منعهم فيتو أمريكي هذا العام من أن يصبحوا دولة كاملة العضوية في المنظمة الدولية.
وفي ماي صوّتت الأغلبية الساحقة من أعضاء الجمعية العامة لصالح منح الفلسطينيين العضوية الكاملة في المنظمة الدولية وأصدرت قرارا يمنحهم بعض الحقوق الإضافية بعدما حال استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو دون حصولهم على العضوية الكاملة.والقرار الذي ينصّ صراحة على عدم حصول دولة فلسطين على حق التصويت في الجمعية العامة أو على الحقّ في أن تُنتخب عضوا في مجلس الأمن الدولي، ينصّ على أنه اعتبارا من الدورة السنوية التاسعة والسبعين للجمعية العامة يمكن للفلسطينيين أن يقدّموا مباشرة مقترحات وتعديلات، كما يمكنهم الجلوس بين الدول الأعضاء حسب الترتيب الأبجدي.
و جلس السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور على المقعد الجديد، بين مقعدي السودان وسريلانكا، وقد وضعت أمامه لافتة كتب عليها "دولة فلسطين".وعلّق السفير المصري أسامة محمود عبد الخالق محمود على تغيير نظيره الفلسطيني مكانه، قائلا "هذه ليست مجرد مسألة إجرائية، إنها لحظة تاريخية".بالمقابل ندّدت إسرائيل بهذه "الترقية"، وذلك على غرار ما فعلت عندما تبنّت الجمعة العامة القرار المؤيد للفلسطينيين.
وإثر اندلاع الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس، طلبت السلطة الفلسطينية في افريل من مجلس الأمن الدولي النظر مجدّداً في الطلب الذي قدّمته في 2011 لنيل العضوية الكاملة في الأمم المتّحدة.وتتمتّع فلسطين في الأمم المتحدة منذ 2012 بوضع "دولة مراقِبة غير عضو".ولكي تصبح دولة ما عضواً في الأمم المتحدة يجب أن تصوّت غالبية الدول في الجمعية العامة لصالح هذه العضوية، كما ينبغي أن تصدر توصية إيجابية بهذا الشأن من مجلس الأمن الدولي.
وبعدما صوّتت الجمعية العامة لصالح حصول الفلسطينيين على العضوية الكاملة، استخدمت الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل، في 18 افريل في مجلس الأمن الدولي حق النقض ضد القرار.