يرحل بصوته الرهيب الى العوالم المظلمة من الروح لينيرها ويكتب بكلماته الغزلية اجمل قصص الحب واسعدها، يشاكس الفرحة ويعاند الحزن وينتصر على الغربة والوجع بغنائه وصوته وروحه الجبارة.
غنى للحب من قصائد نزار قباني وصدح للعراق أرضا وفكرة وغزلا بكلمات بدر شاكر السياب واكتشف ذاته ووطنه والقصيد وسحره مع رفيقه وشقيق الروح كريم العراقي، هو القيصر كاظم الساهر الفنانّ الحامل لهواجس الحب والمنتصر لجمالية الفصحى تعبيرة منفلتة وصادقة، فنان حافظ طيلة اعوام على عرشه الموسيقى وبنى قلاعه وحصونه بالكثير من الاجتهاد والصرامة والصدق وظلّ حارسا لحصون الكلمة الفصحى وفارسا مقداما يدافع عن القصائد المغناة، هو شاعر وملحن وكاتب ومغنى وطفل لا يكبر وامام جمهور قرطاج الدولي في الدورة الثامنة والخمسين صعد كاظم لجمهوره بكل شيخوخة الاغنية وحكمة اللحن وطفولته الفنية وفتوّته الانسانية.
قيصر الاغنية العربية وصانع اجمل هياكل الحب
موسيقاه صوت لصدى الروح، اغانيه تعبيرة فنية عن حالات انسانية وقيم لا تموت، كاظم الساهر قطعة لحنية منفلتة لا تعبّر عن مكان او زمان، بل هو لحظة عشق متبعثرة ومتناثرة ككل القصص الخالدة، على ركح قرطاج العظيم غنّى كاظم الساهر شامخا، لبس روح جلجامش واعاد كتابة ملحته بصوته وكلماته، على ارض قرطاج العظيمة أعاد القيصر توزيع نوتاته وحكايات وطنه وقصص العشق وصنع منها ملحمة اخرى بطولية، تمزج القوة والغزل بالشدة والمعاناة تماما كملاحم وطنه الساكن في روحه وكلماته الموجهة، جلجامش السمرائي عاد الى الحياة في روح احد أحفاده كاظم بن جبار بن ابراهيم السامرائي ليضرب موعدا مع الجمال والحرية حدّ الانطلاق الى اجمل العالم عوالم الموسيقى والحبّ والشجن.
قيصر الاغنية العربية كما لقبه الراحل نزار قباني قدم في اخر حفلاته على ركح قرطاج دورة 2024 مزيجا بين الامس واليوم، غنى قديمه وامتع جمهوره بجديده في الاغنية وكان مايسترو العرض وساحره بامتياز وتلاعب بمشاعر محبيه كما اراد، لاعب الكلمات الغزلية وانتشى بالقصائد واستمتع بكلمات الفصحى التي يبدع فيها وينتصر لها كملك يخوض اخر معاركه لحماية اشدّ قلاعه حصانة وقوة، والقيصر كان حارسا للقصيد وللاغنية بالفصحى منذ بداياته الفنية عام 1981 الى العام 1994 حين غنى "اختاري" لنزار وكان اللقاء الاول بين مبدعين.
على صوته نشأت اجيال وأجيال، فنان بصوت جبّار وحضور ركحي رهيب، و"يتمتع صوت كاظم الساهر بمساحة صوتية رائعة (طبقتين صوتيتين ونصف طبقة)، بالإضافة إلى تميزها بالقوة والحدية والتفجر، سواء كان يغني على طبقة القرار أو كان يغني على طبقة الجواب أو بتعبير أدق طبقات الباس والتينور والألتو والسوبرانو. لذا يكاد أن يكون المطرب العراقي والعربي الوحيد الذي نجح بامتياز هائل بالاقتراب إلى حد ما في غنائه من قوالب الغناء الأوبرالي" كما وصف صوته في موقع "ويكيبيديا.
كلما غنّى امتع وتألق كنجمة في سماء بلاد الرافدين، احبّ الموسيقى واختارها عالمه للسلم والحبّ، كبر ذاكر الطفل الفقير ليصبح أشهر الفنانين العرب واكثرهم جماهرية، كبر الفتى الحالم وتحدّى صعوبات الحرب والغربة لينحت في عوالم النجاح اسم سفير الاغنية العراقية وقيصر الاغنية العربية كاظم الساهر وتكون حفلاته ممتلئة في كل بقاع الدنيا، فكاظم كلما صعد على الركح حمل معه شجنه وانينه وابتسامة الطفل التي لا تفارقه.
لجمهوره الذي يعتبره عائلته بعد رحلة السنين الطويلة لازال الكاظم يغنّي وينتشي مع موسيقاه، وكلما صعد على الخشبة عبّر عن امتنانه للجمهور المساهم في نجوميته وشهرته، هو الذي علّم الأجيال العشق باغانيه المترنمة بالحب دينا وصلاة، جمهوره الحافظ لـ"اشهد" و"اني خيرتك" و"لقعدلك عالدرب قعود" و"عبرت الشط" و"مستبدة" و"يا وفية" وغيرها من الاغاني التي ابدع الشعراء في صياغة جملها وتميّز الساهر في ادائها لتكون خالدة ابدا، وكلما غنّى كتب تاريخ ميلاد جديد تماهيا مع الاغنية:
تاريخ ميلادي انا غيرته
وعلى يديك يكون بدء حياتي
هذي القصائدُ كيف كيف أصوغها
إن لم تكوني أنت في كلماتي
عيناك أغنيتي وحلم طفولتي
وجمال وجهك.. جمال وجهك
دجلتي وفراتي
فكاظم الساهر ساحر بارع يلاعب الكلمات ويصنع منها ترياق النجاح، احبّ الموسيقى طفلا، وكانت اوّل هدية اقتناها لنفسه قيثارة قبل تعلم العزف على العود، تلك الليالي الموجعة والحرّ المنهك ترك في نفسه اثرا زيّنه باغاني الحبّ والدفاع عن النساء "فهنّ كل المجتمع وكل الرجال فوضى" كما يقول الساهر في تصريحاته، وهنّ "القويات، واليهنّ غنى وكتب " كوني امرأة خطرة.. كوني القوة كوني النمرة. غني.. عيشي.. ارقصي، سيلي عرقا، زيدي القا، كوني فرسا يا سيدتي، كوني حقل بهار يلذع، كوني الوجع، كوني برقا، كوني رفضا يا سيدتي كوني غضبا" وللحب سال حبره واحترق كثيرا قبل ان يقدم لحنا سيظل خالدا حتى بعد فناء الجسد، كما خلدت كلمات نزار قباني الذي غنّى له "اشهد ان لا امرأة" و"زيديني عشقا".
كاظم الساهر غادر العراق أرضا ولم يغادره العراق وطنا واحساسا وقصيدا
عراقي الهوى والانتماء، يحافظ على لهجته في العديد من اغانيه، يحمل عراقه اينما ولى وكلما غنّى كانت كلماته كما الصلوات المقدسة في محراب الوطن، سمرائّي اخذ من لقبه الكثير من العزّة والشهامة.
خدم وطنه في سنوات الشباب وكان جنديا وغنّى له دائما، كاظم الساهر صوت العراق وصدى دجلة والفرات، شهد الحرب وعنفها وعرف الخوف على اغانيه اثناء الحرب العراقية الايرانية " خفت جدا على أغنية مدرسة الحبّ وكنت اضع النوتات في غرفة بعيدة ومعها وصية كتبت فيها من يجد الاغنية يعطيها لمن يستحق وأنام بغرفة اخرى" حسب تصريحاته لدي دبليو عربية، غادر كاظم العراق وبدأت رحلة الغربة منذ عام 1990 حيث عاش في عمّان لمدة سنتين ثم بيروت ثلاث سنوات ثم انتقل في منتصف التسعينات إلى القاهرة واستقر بها لفترة طويلة لكنه من سنوات أصبح يعيش بين أربع مدن ويتنقل بينها وهي الرباط ودبي وباريس وماربيّا، لكن عراقه لم يغادره ولازال صوته وروحه وفرحته وله غنّى "سلام عليك " ومن كلماتها :
سلام عليك على رافديك عراق القيم، فانت مزار وحبّ ودار لكل النعم،
هنا المجد أمّ وصلى وصام وحج وطاف بدار السلام
فبغداد تكتب مجد العظام وما جف فيها مداد القلم
ولازال حلم الحلم للعراق أين لعب طفلا وشاكس يسكن الروح والوجدان وتحوّل كل الم الغربة الى قصائد وأغان تغنّت بالانسان والارض والحبّ، فالحب هو الصلة الروحية الاصدق بين الفنان ووطنه، والحبّ اجمل الملاحم واعظمها، والسامرائي لازال مسكونا بوطن الطفولة، عراقه الذي بكاه حين غنى لبدر شاكر السياب قصيده "جلس الغريب على الجليج" وفيه يقول "الشمس في بلادي من سواها، حتى الظلام هناك اجمل لانه يحتضن العراق" وكاظم الساهر يحتضن عراقه في كلماته والحانه وملاحمه الموسيقية العظيمة.
لعراقه تشارك مع رفيق الروح كريم العراقي النجاحات واوجاع الوطن، فابدعا في ملاحم "بغداد لا تتالمي" و"الى العزيز تحية" و"يا وطني" و"ماسكا عودي" هذا الوطن المتألم بحروبه اوجعهم، فحوّلوا كل الالم الى اغان ينصت لها الانسان اينما وجد، اغان تجاوزت حدود الجغرافيا وحطمت الحدود وحلّقت في سماءات الحرية وارتدادات الحبّ زاد كل انسان ليحلم وينجح.
على ركح قرطاج بعث جلجامش السامرائي من جديد، على ارض التاريخ كتب كاظم الساهر مرة اخرى الياذة جديدة للحب وصلّى من جديد للحياة وللموسيقى وانشد للانسان نشيد الحرية وانتصر للحب اخر عناوين البوماته للعام 2024.