انتخابات تشريعية بريطانية سابقة لأوانها في 4 جويلية القادم فرصة ذهبية أمام الحزب العمالي للعودة إلى المسؤوليات

أقدم الوزير الأول البريطاني ريشي سوناك على الإعلان بتنظيم انتخابات تشريعية في 4 جويلية القادم

في حين كانت الطبقة السياسية تتهيأ للخريف المقبل. وكان من الواضح أن الإضرابات والتقلبات الاجتماعية الأخيرة التي قادتها النقابات في مختلف القطاعات بسبب الأزمة الاجتماعية الخانقة قد سرعت في اتخاذ القرار.

قرار تنظيم انتخابات سابقة لأوانها يأتي بعد فترة من التقلبات الحكومية إثر دخول "البركسيت" حيز التنفيذ عام 2020. فقد شهدت بريطانيا، بصفة غير مسبوقة،6 حكومات مختلفة في الثماني سنوات الماضية. حكومتي ليز تروس وريشيسوناك المحافظتين الأخيرتين تم تعيينهما بدون انتخابات عامة استنادا إلى التقاليد السياسية البريطانية التي تسمح للحزب الأغلبي أن يغير رئيس الحكومة بدون اللجوء إلى انتخابات سابقة لأوانها طالما لم تنته المدة النيابية. بريطانيا تواجه حاليا أزمة اقتصادية حادة في ظرف دولي متقلب بسبب الحرب في أوكرانيا التي تشارك فيها حكومة ريشي سوناك بصورة مباشرة بتزويد كييف بالأسلحة والعتاد والمساعدات الإنسانية.

أزمة خانقة بعد "البركسيت"
منذالاستفتاء على "البركسيت" عام 2016 دخلت بريطانيا العظمى سلسلة من الأزمات السياسية والاجتماعية تحت قيادة الحزب المحافظ الذي، بالرغم من فوزه بالاستفتاء، لم ينجح في حل كل المشاكل المرتبطة بالطلاق مع الإتحاد الأوروبي. داخليا توالى على الحكومة بوريس جونسون وتيريزا ماي وليز تروس ثم أخيرا ريشي سوناك بدون أن تجد الحكومات المحافظة المتتالية طريقها نحو الاستقرار الاقتصاديوتنمية المبادلات كما خطط لها بوريس جونسون في حملته ضد أوروبا. ثماني سنوات بعد الاستفتاء، وإن جدت في الأثناء جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، يبقى "البركسيت" في قلب السياسات الحكومية البريطانية.
في هذه الظروف، وأمام تدهور مستوى الطاقة الشرائية واستفحال نسب التضخم إلى أكثر من 10%، استفاق الشارع البريطاني تدريجيا ونظم في بداية عام 2023 أكبر إضرابات شهدتها المملكة منذ 2011 شاركت فيها قطاعات واسعة من العملة والأساتذة والعاملين في قطاع الصحة والموظفين. وشكلت تلك الإضرابات المصحوبة بمظاهرات في كل مدن المملكة نقطة تحول للرأي العام البريطاني الذي لم يعد يثق في قدرة المحافظين على حل مشكلة الأزمة الاقتصادية الناجمة على خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي.
الأرقام الحالية للاقتصاد البريطاني تظهر عمق الأزمة التي تواجهها حكومة ريشي سوناك.حسب معهد الإحصاء البريطاني يكلف "البركسيت" الاقتصاد البريطاني ما قيمته 113 مليار يورو سنوياوالذي يترجم بتقهقره بنسبة 4%. في نفس الوقت سجل معدل الاستثمار تراجعا بنسبة 20% مقارنة بالبلدان المصنعة السبع. وأصبح النسيج الاقتصادي البريطاني يشكو من هجرة 370000 عامل أوروبي بعد 2016 مما أثر على مستوى التشغيل وأجبر لندن على اللجوء إلى عملة من خارج الفضاء الأوروبي. كل هذه المعطيات أثرت على النمو العام حيث فقد الاقتصاد نسبة 0،6% من الناتج الداخلي العام سنة 2023. وإن نجح ريشي سوناك في خفض نسبة التضخم إلى 2،2% خلال هذا الشهر، فإن اقدامه على تنظيم انتخابات في شهر جويلية المقبل هي من سبيل الرهان.
رهان صعب
الرأي السائد في الإعلام البريطاني هو أن المملكة المتحدة تشهد "نهاية عهد" المحافظين. كل المحللين لن يراهنوا على فوز ريشي سوناك في الانتخابات القادمة بسبب عدم قدرة حزب المحافظين على سن سياسات واضحة لإدارة الأزمة وغياب زعامات قادرة على تنمية الاقتصاد بالتوازي مع التوصل إلى تحسين العلاقات مع أوروبا. ويراهن ريشي سوناك على تحسين نسبة التضخم التي لها مردود مباشر على المقدرة الشرائية للبريطانيين للفوز بثقة الناخبين. لكن الانتخابات البلدية التي نظمت في بداية شهر ماي الجاري أظهرت تقهقر الحزب المحافظ الحاكم في 9 بلديات على 10 وخسارة مواقع تعتبر من معاقل الحزب. كما نجح عمدة لندن العمالي صادق خان في الفوز بنيابة ثالثة على التوالي مفندا كل طموحات المحافظين في استرجاع بريقهم عبر الفوز بالعاصمة.
أظهر الحزب العمالي تحت قيادة كاير ستارمر، الذي خلف جريمي كوربن يساري التوجه، قدرة على إعادة الالتحام مع قواعده التقليدية بالرغم من غياب الكاريزما لزعيمه الحالي. لكن إعادة تنظيم صفوفه وفشل الحزب المحافظ جعلا من كاير ستارمر الوجه المناسب لترأس الحكومة القادمة بعد انتخابات 4 جويلية. وإن تحقق هذا للسيناريو فقد يؤثر على تغيير الاستراتيجيات البريطانية في مسائل تتعلق بالعلاقة مع أوروبا وبالموقف من القضية الفلسطينية علما بأن عددا هاما من كبار المسؤولين في الحزب عبروا عن معارضتهم لسياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين وحرصهم على إعادة بناء علاقة إيجابية مع الإتحاد الأوروبي. وهو في حد ذاتهتوجه لا بد أن يؤثر في التوازنات الدولية الحالية.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115