ضمن تقرير بعنوان " استدامة الدين العمومي في تونس: التحديات والديناميكيات" إن إرتفاع مستوى المديونية إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023 مقارنة ب43% في 2010 يعد أمرا مثيرا للقلق بالنسبة لبعض معايير الاستدامة التي تحدد قدرة أي بلد ما على الايفاء بإلتزاماتها دون الإضرار بقدرتها على الاستثمار في التنمية.
وقد أكد المعهد بحسب التقرير الصادر مؤخرا أن ارتفاع نسب المديونية قد أثر في هامش التحرك و قلص من فرص التعافي مشددا على أن استثمار الدين لتمويل النمو وخلق الثروات يعد ضامنا مهما لاستدامة الدين العمومي .
ودعا المعهد إلى ضرورة تنويع مصادر تمويل الميزانية العامة للدولة التي ارتفع مستوى العجز فيها الى مستويات غير مسبوقة وصلت 9.7 في المائة خلال سنة الجائحة في 2020 و لامست مستوى 8 في المائة في 2023.
وأضاف التقرير ان الحد من النمو المستمر لمستويات المديونية يفترض تطورا في القدرات الإنتاجية للدولة وإصلاح النظام الضريبي الامر الذي يمكن من خلاله السيطرة على عجز الميزانية كما دعا التقرير الى أن ضمان إستدامة الدين على المدى البعيد يشترط تطوير آليات الاستثمار لا سيما من خلال تحسين مناخ الأعمال لإنعاش الاستثمار الخاص ومواصلة حماية الشركات والأسر في هذا المجال علاوة على القضاء على الاقتصاد الموازي، والشروع في هيكلة الاقتصاد الوطني، من خلال استهداف القطاعات ذات القيمة المضافة العالية والمحتوى المعرفي العالي وتعزيز التحول الرقمي والبيئي.
وقد تطرق التقرير الى جملة من المؤشرات المتعلقة بالمديونية ،حيث بلغ قائم الدين العمومي في سنة 2023 127.2 مليار دينار أي ما يعادل80.2 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ، مقابل 25.6مليار دينار و39 بالمائة من الناتج الداخلي الخام لسنة 2010 و تباعا صعدت حصة الفرد من الدين من 2.43 ألف دينار سنة 2010 إلى 10.3 ألف دينار سنة 2023، أي بمعدل نمو إجمالي يبلغ نحو 330 %.
ويعتبر الدين الخارجي المهيمن على الدين العمومي ،حيث يمثل في المتوسط 64 بالمائة من قائم الدين بين سنوات 2011 و2023.و يمثل الدين الخارجي 64 بالمائة من الديون القائمة سنة 2023 مقابل 61 بالمائة سنة 2010.
ومنذ سنة 2021، تزايد استخدام الدين الداخلي، إثر ارتفاع الاحتياجات التمويلية لموازنة الدولة وبسبب تشديد شروط التمويل الخارجي هذا و يتميز الدين العمومي بأهمية القروض البنكية بالعملات الأجنبية. ومع ذلك، فإن الدين الخارجي تهيمن عليه بشكل متزايد موارد دعم الميزانية المعبأة في إطار متعدد الأطراف لأموال الدعم الخارجي للإصلاحات المرتبطة بالتحول السياسي والاقتصادي في تونس.
يعدّ ارتفاع الدين في تونس في السنوات الأخيرة من المؤشرات التي ترتفع معها درجات الخطر باعتبار تنامي التشكيك في القدرة على سدادها مع ارتفاع تكلفة الدين الخارجي، أمام ضعف النمو المتواصل منذ سنوات،في الوقت الذي يشهد استخداما مفرطا للقروض لتسديد الدين، تظل التنمية دون موارد مما يؤثر سلبا في النمو الاقتصادي.
وللتذكير ،فقد شدد صندوق النقد الدولي في تقرير له في 2021 على ضرورة تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق للمؤسسات العمومية بغية تخفيض التزاماتها الاحتمالية. وحث السلطات على اعتماد خطة للحد من مخاطر هذه المؤسسات على المالية العمومية والنظام المالي، وتعزيز الحوكمة المؤسسية، وتحسين إعداد التقارير المالية والشفافية.
وقد نبهت المؤسسة الدولية بشكل لافت إلى مسالة المديونية ،حيث قال صندوق النقد الدولي أن الدين العام التونسي من الأرجح أن يبلغ مستوى غير مستدام ما لم يُعتمَد برنامج قوي وموثوق للإصلاح يحظى بتأييد واسع النطاق ،ذلك أن بلوغ المديونية مستوى غير مستدام يعني بأن إمكانية سداد القروض يصبح صعبا أمام المستوى العالي للدين بالعملة الصعبة وذلك مقارنة بالإمكانات المتوفرة والتي تدهورت جراء التراجع الكبير للصادرات وتدحرج عائدات القطاع السياحي، بحيث تصبح جدولة الديون أمر لا مناص منه خاصة إذا لم يتم إدخال الإصلاحات الضرورية لدفع الادخار والاستثمار.
و أشار صندوق النقد إلى أن ملف الدين الخارجي لتونس يتميز بمتوسط سعر فائدة منخفض و حصة كبيرة من الديون الميسرة وهو ما يجعل من الدين الخارجي قوي نسبيا في مواجهة معظم الصدمات بإستثناء الانخفاض في سعر الصرف ، حيث سيؤدي الانخفاض الحاد في سعر الصرف الحقيقي - الذي تم توقعه من خلال انخفاض قيمته لمرة واحدة بنسبة 30 في المائة في السنة الثانية من التوقعات - إلى زيادة الدين الخارجي بشكل حاد (إلى حوالي 152 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2021) وسيظل مرتفعاً طوال فترة التوقع.