ففي ظل التعاطي الضعيف المستمر تتآكل منظومات الإنتاج الفلاحي واحدة تلو الأخرى ،فقد طالت منظومات الإنتاج الحيواني والنباتي وقد إنعكس التدهور المسجل بوضوح على نسق الأسعار على مستوى الاستهلاك ،حيث سجلت أسعار المواد الغذائية الفلاحية إرتفاعا بأكثر من 11 % بحساب الانزلاق السنوي و هي أعلى نسبة مسجلة مقارنة بالمواد الغذائية المحولة او المواد غير الغذائية أو مجموعة الخدمات.
واصل مؤشر أسعار الاستهلاك خلال شهر مارس المنقضي في الارتفاع متمما بذلك المنحى التصاعدي المسجل منذ بداية السنة، وقد مثلت المواد الغذائية المساهم الأول في النمو المسجل والمقدر ب0.7 في المائة بحسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء.
يتسارع نسق تطور مؤشر الأسعار على الصعيد الوطني في وقت تشهد فيه المقدرة الشرائية تدهورا، وتظهر نشرية التضخم ان الارتفاع المسجل يرجع بالأساس الى تطور أسعار المواد الغذائية سواء بين شهري فيفري و مارس او بحساب الانزلاق السنوي ،حيث ارتفعت المواد الغذائية باحتساب الانزلاق السنوي بنسبة 10,2%، ويعود ذلك بالأساس الى ارتفاع أسعار القهوة بنسبة 35% وأسعار الزيوت الغذائية بنسبة 22,2% وأسعار لحم الضأن بنسبة 22% وأسعار التوابل بنسبة 18% وأسعار الخضر الطازجة بنسبة 17% وأسعار لحم البقر بنسبة 13,6% وأسعار الأسماك الطازجة بنسبة 12,4%.
وتبين المعطيات الرسمية أن أسعار المواد الفلاحية الغذائية قد سجلت أعلى نسبة صعود قدرت ب11.2 في المائة بحساب الانزلاق السنوي فيما وصل معدل الارتفاع للثلاثية الأولى من عام 2024 مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2023 ،12% وهو ارتفاع يعكس تدهور منظومات الإنتاج الفلاحي وغلاء مدخلات الإنتاج الذي اثر سلبا في أداء مختلف القطاعات الفلاحية التي زادت معاناتها مع تواتر سنوات الجفاف وتقلص إمدادات مياه الري ،حيث تعرف أسعار اللحوم الحمراء و الخضر و الغلال صعودا مستمرا في الأثمان تحت الضغوطات المناخية وارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج.
وتعكس هذه الزيادات تأخر الانطلاق الإصلاحات الفعلية التي من شأنها أن تحافظ على المنظومات الفلاحية و تقلص من التبعية إلى التوريد و تباعا في الفجوة الغذائية التي باتت على أشدها و تجدر الإشارة في هذا الباب إلى أن أخر دراسة لصندوق النقد العربي بعنوان «الأمن الغذائي العربي: التداعيات الاقتصادية ودور السياسات الكلية « قد أظهرت وجود علاقة عكسیة ذات دلالة إحصائیة بین أسعار الغذاء ومؤشر إنتاج الغذاء، حیث إن ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء بنقطة مئویة واحدة یؤدي إلى انخفاض مؤشر إنتاج الغذاء بحوالي 0.06 نقطة مئویة، وبالتالي تراجع مستوى الأمن الغذائي.
وتقول الدراسة أن هذا الأمر ينطبق بدرجة كبیرة على تلك الدول التي تعتمد على الأسواق الخارجیة في استیرادها للمواد الغذائیة والمحاصیل، أو تلك التي تتعرض لصدمات خارجیة ترفع من أسعار المحاصیل الزراعیة وبالتالي زیادة أسعار الغذاء وقد أوصى صندوق النقد في هذا الاتجاه بضرورة تبني سیاسات اقتصادیة من شانها تخفیض أسعار السلع الضروریة وذلك من خلال تنمیة القطاع الزراعي وتشجیع الإنتاج المحلي، ومراقبته أسعار السلع الضروریة، ومكافحة التهریب والاحتكار، وتعزیز دور شبكات الأمان الاجتماعي.
یعتبر الأمن الغذائي من التحدیات الرئیسة التي تواجه الدول العربية ومن بينها تونس فعلى الرغم من توفر الموارد الطبیعیة والبشریة، فإن القطاع الزراعي في الوطن العربي لم یحقق الزیادة المستهدفة في الإنتاج لمقابلة الطلب على الأغذیة، وقد وصلت قيمة الفجوة الغذائية في الدول العربية إلى 42 مليار دولار تتوزع أساسا على الحبوب الغذائیة حوالي 20.8ملیار دولار أمریكي وهي الأعلى من بین السلع الغذائیة الأخرى، بینما بلغ العجز في اللحوم حوالي 8 ملیار دولار. من ناحیة أخرى تواجه الدول العربية عجز كلي في البقولیات بقیمة 1.1 ملیار دولار، وفى السكر بقیمة 3.2 ملیار دولار، وفى الزیوت والألبان بقیمة 3.6 و3،5 ملیار دولار أمريكي.