ينطلق من الفانتازيا ليقدم للجمهور مادة فنية مختلفة تشبهه وتختلف عن السائد، عبد الحميد بوشناق يحتفي بالجمهورية والوطن والقيم والحقوق بطريقته الفنية جد الخاصة، فصنع لجمهور الدراما الرمضانية للعام 2024 جمهورية مختلفة سماها اسما غريبا "رقوج" لتكون نقطة الاحداث وفي جمهورية بوشناق "رقوج" جمع كل المتناقضات التي تعيشها الجمهورية الكبرى تونس، وفي رقوج الكثير من الاسقاطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ونقد لواقع الجمهورية عبر فانتازيا الفن والكوميديا السوداء.
بين تونس الحقيقية و"رقوج" المتخيلة الكثير من اوجه الشبه، من تونسه استلهم مخرج العمل وصاحب فكرته العديد من الصور لنقدها وتحويلها الى مادة درامية، فسلط الضوء على معاناة المواطن مع الادارة، وترددت الكلمة الشهيرة "ارجع غدوة" في اكثر من حلقة، نقد تقصير الموظف في اداء وظيفته من خلال شخصية رئيس البلدية الدائم البحث عن الاموال وطرق شرعية وغير شرعية لتكوين ثروة دون الانتباه لدوره في خدمة الموظفين، رئيس البلدية الذي يمثل السلطة يحرس على سيارته الوظيفية وفوضاه المالية على حساب الوظيفة وخدمة مصالح المواطنين وفي الشخصية ابدع الممثل صابر الوسلاتي في ملامسة اعماق الشخصية وتقديمها.
الكوميديا سلاح لتعرية الواقع والكشف عن معاناة الموطن امام غلاء الاسعار وتغوّل الفاسدين وانتشار ثقافة "الكنترة" ومن خلال نصوص ومشاهد تضحك المتفرج يدفع بوشناق جمهوره لطرح السؤال وتفكيك الاشارات المبثوثة بين الكلمات والجمل، فالعمل جريء ونقدي، يشرّح الجمهورية التونسية ويضع اسباب العلة امام الجمهور ويقدمها له في قالب كوميدي ومشاهد مضحكة.
على الضحكة بني الحوار بين الشخصيات الذي كتبه كل من محمد صابر الوسلاتي ووليد عياد وهالة عياد وعبد الحميد بوشناق، ومن الضحكة يقدمون رؤيتهم لواقعهم وينقدونه، في جمهورية "رقوج" يحملون المتفرج ليعايش الصراعات اليومية التي يخوضها الامني الشريف والراغب في تطبيق القانون عبر شخصية "عدلي" فالجميع يبحث عن نقطة ضعفه ليتم تطويعه خدمة لمنظومة فساد "الورل" وبطانته.
يكتبون بلغة سلسلة تقنع الجميع وتشد اليها الباحثين عن الضحكة في الموسم الرمضاني لينقدوا الاعلام خاصة الاعلام الموجّه والمدجّن ف"روزا" الصحفية توجه كل برامجها خدمة لسياسة "محسن الورل" لتبييض جرائمه وسرقاته وتظهره في البرامج في صورة الابن البار بوطنه وحامي حمى المواطنين وكم عرفت تونس من اشباه "الورل" يبحثون عن كرسي الحكم على رقاب الجياع واحلامهم وكم من منبر اعلامي كان الوسيلة الاولى لتبييض الفاسدين والدفاع عن ثرواتهم غير المشروعة.
"رقوج" تشبه تونس كثيرا فهي الاخرى يشتري مواطنيها المواد الاساسية خلسة، وهي الاخرى يبحث ابنائها طيلة الوقت عن (السميد والسكر والزيت) والمحظوظ يجد ضالته خلسة بعيدا عن انظار السلطة ومن نص ساخر بنيت الشخصيات وتشكّل الحوار ليكون مقنعا ومضحكا وجادا في الوقت ذاته.
لا تخلو "رقوج" من معاناة النساء بسبب المنظومة والسلطة، في العمل تحرم الحرفيات من المشاركة في معرض الكرم والذهاب الى العاصمة لسهو رئيس البلدية عن ارسال المطالب والمستندات، تعاني النساء من العمل المضني في الحقول الفلاحية مقابل ملاليم قليلة لكنهن يصمدن فقط لمواجهة صعوبة الحياة وشظفها، في العمل تحرم "محبوبة" من بطاقة تعريف وطنية تضم كلمة "متبرع" رغم اكتمال الملف دون سبب واضح، ويرفض المجتمع "روزا" الصحفية فقط لاختلافها في اللباس عن نساء المكان، كل اساليب العنف الرمزي المسلط على النساء يقدم في العمل وتقدمه ممثلات كل متمكنة من شخصيتها ولها طريقتها الخاصة في اللعب.
"رقوج" عمل درامي يقوم على السخرية، الكوميديا السوداء سلاح كتاب السيناريو ومخرج العمل لتشريح واقع بلدهم ونقد الهنات والمشاكل الموجودة فيه، في مكان واحد ولقب اوحد "رقوجي" وضعوا الشخصيات وبنوا عوالم درامية تتماهى مع الواقع وتتقاطع معه ايضا، ومنذ الجينيريك يكتب "احدث، شخصيات، ولهجة هذا المسلسل من وحي الخيال، واي تشابه في الاسماء او الاحداث او اللهجة هو من محض الصدفة لكنه خيال يكاد يكون حقيقة يتماهى معها المتفرج ويجد نفسه بين مشاهد العمل وحكاياته.