إلى "اتفاق عريض" في شأن منح كورسيكا "حكما ذاتيا" يتم التنصيص عليه في الدستور. وكانت الحكومة الفرنسية قد دخلت في مفاوضات مع النواب في كورسيكا في إطار عملية نقاش جاد تحت اسم "سيرورة بوفو" قادها وزير الداخلية الحالي.
وأشار وزير الداخلية أن دورة المفاوضات التي انتهت باتفاق حافظت على "الخطوط الحمر" التي قررها الرئيس إيمانويل ماكرون والمتعلقة بعدم إرساء عبارة "شعب كورسيكا" وأن لا يتجاوز التفاوض شهر مارس الجاري. وشهدت الجزيرة وضعا متأزما تخلله أعمال عنف في الجزيرة عام 2022 إثر مقتل إيفون كولونازعيم حركةالاستقلاليين في السجن على يد سجين إسلامي متطرف. ولم تستأنف عمليات التفاوض إلا بعد هدوء الشارع في الجزيرة واسترجاع جيل سيميوني رئيس المجلس التنفيذي المنتخب في كورسيكا زمام الأمور من أجل مواصلة التفاوض مع باريس.
حكم ذاتي في رحم الجمهورية
أعلن جيرالد درمانان أنه توصل إلى الاتفاق مع ممثلي جزيرة كورسيكا حول "كتابة دستورية" أي مشروع نص يذكر المبادئ العامة التي يتمحور حولها "وضع الحكم الذاتي" الذي سوف تتمتع به الجزيرة "في رحم الجمهورية الفرنسية". أي أن النواب المشاركين في عملية التفاوض في غالبيتهم قبلوا مبدأ التخلي عن "الاستقلال" عن فرنسا. وهو الخط الأمر الذي وضعه الرئيس ماكرون ووزيره للداخلية من أجل التفاوض في الحكم الذاتي. هذا يفتح المجال أمام "تنازلات" حكومية في مسائل ثانوية لا تمس بوحدة تراب الجمهورية.
الخط الأحمر الثاني هو أن عبارة "شعب كورسيكا" التي يمكن أن تفتح الباب دستوريا أمام المطالبة بالاستقلال لم تذكر، بل استبدلت بعبارة "المجموعة الثقافية في كورسيكا". وجاء النص النهائي ليذكر أنه "يتطلع للاعتراف بنظام الحكم الذاتي في كورسيكا في رحم الجمهورية والذي يأخذ بعين الاعتبار مصالحها الخاصة المتعلقة بوضعها كجزية متوسطيةوبوضعها كمجموعة تاريخية ولغوية وثقافية طورت علاقة خاصة مع أرضها." ويشمل هذا البند الأول من الاتفاق المجالات التي يتمحور حولها "الحكم الذاتي".
العلاقة مع القوانين الفرنسية
المسألة التي أخذت وقتا في التفاوض هي مسألة سن القوانين بحكم أن كورسيكا لها "برلمان" منتخب ولها قادرية على سن القوانين للجزيرة. لكن الصيغة النهائية للإتفاق نصت على أن لكورسيكا الحق في "توطين" القوانين الفرنسية أي تنقيحها قبل اعتمادها في الجزيرة وذلك بعد موافقة المجلس الدستوري ومجلس الدولة. وهي عملية تمكن كورسيكا من التحكم مباشرة في المسائل التي تتعلق بتراب الجزيرة مثل البنية التحتية والطرقات والبناء وحماية البحر والمحيط.
وعبر وزير الداخلية عن قابلية أن يسن نواب الجزيرة بعض القوانين المحلية شريطة ألا تتعارض والقوانين العامة وبعد موافقة المجلس الدستوري ومجلس الدولة. وهو استثناء لا يمس حسب السلطات بسيادة الدولة. ورفض وزير الداخلية، من ناحية أخرى، مبدأ التنصيص على "المقيمين" في الجزيرة خشية أن يؤسس القانون الدستوري مبدأ تواجد نوعين من المواطنين يمكن أن يمنح لسكان الجزيرة حق منع الفرنسيين الآخرين من التملك في كورسيكا. وهو مس من الوحدة الوطنية.
المسار الدستوري
يبقى أن تتحرك آلة المسار الدستوري عندما يقرر ذلك الرئيس إيمانويل ماكرون. وحسب مصادر من قصر الإليزيه يرغب الرئيس في غلق هذا الملف قبل العطلة الصيفية للبرلمان. ويبدأ المشوار بعرض نص الاتفاق الدستوري على برلمان الجزيرة نهاية شهر مارس للموافقة عليه في صيغته الحالية ثميبدأ العمل البرلماني في فرنسا بتصويت الغرفتين قبل انعقاد "المؤتمر التشريعي" الذي يضم مجلس الشيوخ والجمعية العامة. ولا يقبل إدراج النص الدستوري كبند من الدستور الفرنسي إلا بنسبة ثلاثة أخماس أصوات البرلمانيين.
مرحلة معقدة وغير مضمونة بسبب تحفظات في صفوف بعض النواب في كورسيكا ومعارضة الأحزاب التي تطرح منذ عقود مسألة الاستقلال عن فرنسا.من ناحية أخرى، سوف يجد النص معارضين في صفوف الأحزاب المتواجدة في البرلمان والتي لا ترغب في الموافقة على مسألة منح الحكم الذاتي للجزيرة خشية أن تنطلق بعض الجهات الأخرى مثل بريطانيا وألزاس وبلاد الباسك في نفس المطالب. الأيام القادمة سوف تكون حاسمة في تحقيق أحد المطالب الأساسية للطبقة السياسية في كورسيكا والتي تعتبر الحد الأدنى المقبول حاليا.