حلقي عاليا في سماء الحب والحرية فانت تونسية سليلة حرائر قدمن الروح والحب لهذا الوطن، تحرري واعيدي كتابة تاريخك وافتخري بامجادك ايتها البهية والحالمة دوما بتونس الاجمل، كوني سيدة للحب وحارسة ازلية للذاكرة ايتها الشامخة كسنابل ملئى بالحب، كوني انثى متمردة لها القدرة للتربع على عرش التاريخ والمسرح من اكثر الفنون حفاظا على الذاكرة منه تستمد دليلة مفتاحي قوتها وثباتها واختلافها.
دليلة مفتاحي الممثلة والمخرجة والحالمة، تشبّه نفسها بزهرة البهيرة "النرجس" تلك الزهرة البرية التي تنبت فقط في بيئة ندية ميزتها الحبّ عن المسرح تقول "اعطاني الوكسيجين والحياة، ماذ يمكنني ان انجز غير ممارسة المسرح، هو ديني ودنيتي وديدن الحب والحياة عندي، طلب مني حياة وقدمتها، يوم اموت سيبقى تاريخي، الفنان لا يموت، المسرح مشروع حياتي بعد المئات من الاعوام سيظل اسمي خالدا باعمالي"، هذه لزهرة البرية شرّعت ابواب لقلب للمغرب لتحدثنا عن البدايات وكيف ينتصر المسرح للنساء.
من الجلوس تحت الكرسي والمشاهدة خلسة الى جائزة فضل ممثلة هكذا البداية
طفلة صغيرة لازالت لم تتشكل ملامح شخصيتها بعد، تدرس في السنة الاولى من التعليم الابتدائي، بضفائرها الجميلة ونظراتها الحالمة في المدرسة اجمل فضاءات اللقاء من تلك اللحظة ولدت ممثلة "دمدومة" صنعت نجاحها وبريقها في المشهد المسرحي والدرامي في وطنها، عن تلك الطفلة داخلها تحدثت دليلة المفتاحي بتلقائية، فتحت ابواب الذاكرة البعيدة واستحضرت ملامحها الطفولية "احببت هذا العالم الساحر، اول تجاربي التمثيلية كنت في سن السادسة، اتذكر جيدا كنت ادرس بالسنة الاولى، انجزنا عمل عنوانه "دكتور كنوك" ونحن لم ندرس بعد اللغة الفرنسية، كتب النص الفرنسي بأحرف عربية وقدمناه، كنا تلاميذ صغار هناك وميض عجيب لمع في داخلي وها انني بعد كل هذه التجارب كلما صعدت على الركح تسكنني نفس القشعريرة ونفس وميض الحب ذاك".
دليلة المفتاحي ممثلة ومخرجة تونسية، احبها الجمهور وتوجت لأكثر من مرة كأفضل ممثلة، تلعب بتلقائية، لازالت طفلة شغوفة بفنها رغم ان اول شخصية قدمتها كانت لعجوز في التسعين من العمر، كبرت الطفلة وكبر معها حبّ اكتشاف عوالم المسرح العجيبة " كنت مشاكسة احب اكتشاف فضاءات المسرح وكيفية التدريبات، كنت صغيرة جدا لذلك اتسلل بهدوء واجلس تحت الكرسي في دار الشعب اين تقوم الفرقة بتحضيراتها لأعمالها المسرحية، شاهدت تشكل الشخصيات والنصوص وانا منبطحة تحت الكرسي اوثق بعيني العديد من التفاصيل، ادميت قدمي الصغيرتين بفعل طول مدة الجلوس للمشاهدة ، ولاحقا اعيد بنائها في مخيلتي واعايشها، الى ان حانت اللحظة وأصبحت ألعب على الخشبة مثل الكبار وكان عمري 14عاما تاريخ التحاقي بفرقة المسرح بجندوبة".
تحتسي قهوتها السوداء بهدوء، تصمت قليلا وكانها تنفض الغبار عن ذكريات مطموسة في الداخل لاعوام طويلة، تلاعب الطفلة الممثلة داخلها، ترسم ابتسامة رضا على محياها متحدثة عن اول مرة صعدت على الخشبة " عشقت هذا الفن العظيم/ المسرح كما شريان الحياة، اتذكر جيدا اول مسرحية (يما ماني وليدك) نص نور الدين الورغي، العمل كان ديو بيني والراحل كمال الطواهري، نجح العمل وقدمنا العديد من العروض في كامل الجمهورية التونسية، كنت كما خطيفة الربيع العب وامثل وها انّ تلك اللحظات السعيدة لازالت محفورة في خبايا القلب".
11عام من مقاومة رفض المجتمع ازهرت بعدها الفنانة وتألقت
نساء هذا الوطن حارسات للذاكرة والتاريخ، نساء هذا البلد شامخات كما النخيل، حالمات دائما، لهن القدرة على افتكاك حقوقهنّ واثبات ذواتهنّ القادرة على تجاوز اصعب المحن، هنّ نور مقدّس يضيء الدروب المظلمة والنساء الفنانات عانين اكثر من غيرهنّ لرفض المجتمع المحافظ لفكرة المراة الفنانة، لكنّهن صمدن ضدّ العقلية الرجعية ونحتن اسمائهنّ باحرف من حب في عالم الفن وكنّ رائدات ومميزات ودليلة المفتاحي احدى طيور المنيرفا المنبعثة من رماد المجتمع.
فنانة، شامخة معتدة بنجاحها استطاعت البزوغ وسط الظلمة وازهرت لتكون نجمة صادقة محبة لفنها ومدافعة عن انسانيتها بفنها "اتعبتني المجموعة كثيرا في البدايات، المنظومة العائلية والمجتمعية كانت رافضة لدخولي لعالم الفن وممارسة المسرح، وحده والدي وقف الى جانبي لانه كان صديق محمد المديوني ونور الدين الورغي بحكم لجيرة، في البدايات كان يوصلني الى التدريبات ووقت التنقل كان ينهض منذ الفجر ليوصلني الى نقطة لقاء المجموعة ثم تركني اتحمل مسؤوليتي لوحدي".
ممارسة الفن متعبة للفنان فكيف للمراة، منهكة للاعصاب ورفض المجموعة زوّد فنانتنا بطاقة لتقاوم وتواصل فمنذ اول يوم وقفت على الركح اختارت مسارها الفني والنضالي، ليصبح صوتها وجسدها حمالي رموز تدافع عن النساء أينما كنّ، وبعد 11عاما بتمامها بدا المجتمع تقبّل دليلة المفتاحي الممثلة، بعد 11عام من العمل والتمثيل والجدية والصدق والنحت في صخور الرفض بدات بوادر القبول تظهر على المجموعة في جندوبة" في البداية كان الاعتقاد السائد ان المسرح شخصيات اغرائية او متفسخة لكن بعد المشاهدة والتعرف على اعمال نور الدين الورغي ومحمد المديوني الصادقة والحرفية فهموا اننا ننجز فنا يعالج الواقع ويتجه الى الانسان" كما تقول محدثنا مستحضرة ظروف اول عمل مسرحي شاركت فيه، اذ كان اغلب الحضور من الشباب السكارى ظنا منهم ان المراة الممثلة ربما سترقص او تغري الجمهور ومع بداية العرض صمت الجمهور وتشكلت بعدها قاعدة جماهيرية مسرحية جد مهمة في مدينة جندوبة.
ستة واربعين عاما من ممارسة المسرح واللعب على الخشبة وامام الكاميرا، ستة واربعين عاما حصيلة فنية متميزة لدليلة المفتاحي الحالمة دائما بشخصيات جديدة، وبعد كل هذه التجارب لا يزال للبدايات طعمها الخاص ورونقها الساحر فقبل اربعين عاما "كنت الممثلة، الانثى الوحيدة، كنا 11ممثل، عشرة من الذكور وانا معهم، من عام 1977الى 1984عشت الفرحة الحقيقية ونشوة المسرح مع فرقة جندوبة وتحصلت لمرتين على جائزة افضل ممثلة اسندها الرئيس الحبيب بورقيبة، كانت الفرقة تتميز بجديتها، ومحمد المديوني ونور الدين الورغي زرعا فيّ الصدق والاجتهاد، في تلك الفرقة تكونت شخصيتي المسرحية وملامحي الفنية".
المسرح الوطني علامة فارقة اخرى
من جندوبة الى العاصمة، كبرت الفتاة وكبرت معها احلامها ومن فرقة جندوبة الى المسرح الوطني وتجربة اخرى اكثر حرفية وتعددية فالراحل لمنصف السويسي نمدير المسرح الوطني انذاك عمل على تجميع الممثلين من كل الفرق المسرحية "كنا عائلات صغيرة موزعة فاصبحنا عائلة واحدة كبيرة العدد"، كانوا يعملون كما الخلية النحل، وفتح السويسي لبواب لكل لممثلين ليشاركوا في المنجز المسرحي "اتذكر جيدا عام 1985 انجز المسرح الوطني 15عمل مسرحي، وفي رحاب المسرح الوطني كنا نمثل ونحقق احلامنا وذواتنا المسرحية واستحضر بعض الاعمال على غرر الثعلب والثعيلب ومدينة الزهراء ومدينة المقنعين وغيرها".
من المسرح الى الدراما، احبها الركح وعشقتها الكاميرا لتصبح ركنا ثابتا في الاعمال الدرامية الرمضانية، عام 1985 كان اول وقوف امام الكاميرا "كنت سعيدة جدا بالتجربة، حينها مثلت في مسلسل خيوط العنكبوت، للأسف صنصر العمل فهو متكون من 7حلقات لكن لكثرة الممنوعات مرذر فقط ثلاث حلقات من المسلسل وكانت التجربة مع الرائع رشاد بلغيث، ثم تتالت التجارب واشتغلت مع عبد القادر لجربي وحبيب المسلماني وصلاح الصيد ومحمد الغضبان".
وعن الفرق بين العمل في الدارما بين الامس واليوم تحدثنا فنانتنا انّ في الماضي كانوا يشتغلون بمفهوم العائلة، جميع الفريق عائلة واحدة ربما لان هناك عمل واحد وتلفزة وحيدة، عكس اليوم تنوعت التجارب واختلف الخطوط التحريرية وتنوّع الممثلين، فضاع المتلقي بدوره وهو يبحث عن عمل يشبهه وبعد كل هذه التجارب التي تدفقت دفعة واحدة من رحم الذاكرة يمكن الاستعانة بقولة راشيل روي: "أكبر مؤثراتي هي النساء القويات والمبدعات اللواتي يرسمن طريقهن ، ويعشن حياتهن الخاصة ويقودن مجرى التاريخ" ولدليلة المفتاحي تاريخها الخاص جدا والمليء بنضالات عديدة لاثبات الذات وتاكيد انّ نساء هذا الوطن شعلة امل حقيقية لن تنطفئ.
النساء حارسات للتاريخ والبوابة تحيي سيرة مناضلات تونس
يحتفل العالم ليوم اليوم العالمي للنساء، في مثل هذا اليوم من العام 1909 انطلقت الاحتفالات بيوم يخصص للنساء، يوم يعود الى احتجاج مجموعة من النساء في احد المصانع على الظرفية الاقتصادية والسياسية، وبعد كل هذه السنوات اصبح 8مارس يوم عالمي يحتفى فيه بالنساء.
واليوم 8مارس 2024 وعلى ركح الفن الرابع ستبعث العديد من النساء الى الحياة، بعضهنّ ربما كنّ موجودات عام 1909 لكنّ لغياب الاتصال لم يسمعن بنضالات مثيلاتهنّ في امريكا، لكنهنّ صنعن التاريخ بطريقتهن، اليهنّ سيقدم عمل "البوابة52" وهي مسرحية نبشت في الذاكرة النضالية التونسية وستقدم لجمهور اليوم نضالات نساء سقطن من كتب التاريخ.
الى كل المناضلات تهدي دليلة المفتاحي مخرجة المسرحية عملها، الى نسوة كتبن بالدم اسمائهنّ ستكون التحية "انا لست نسوية بالمفهوم الضيق، انا ادافع عن الانسان، اشتغلت على الوجع لدى الرجال والنساء، لكن هناك مواضيبعي تشدني اليها وابحث فيها على غرار موضوم مسرحية البوابة52" كما تقول المفتاحي.
البوابة52مسرحية تدافع عن الذاكرة والهوية التونسية، على الركح ستعود الحياة الى نسوة حملن السلاح وصعدن الى الجبل وفجرن القناطر وكنا فاعلات حقيقيات في حركة التحرر الوطني، نساء ظلمهنّ التاريخ الذي كتبه المؤرخين الرجال فسقطوا من صفحات التاريخ الرسمي، لكن بقين كما الوشم لا يطمس وطيلة 5اعوام ودنيا مناصرية كتبة النص تبحث عن سيرة هؤلاء المناضلات وبعثت الحياة في 16امراة مناضلة دافعت عن تونس من الاستعمار الفرنسي.
يتعبها وجع الذاكرة، تحمل بين جنبات لقلب مسؤولية الدفاع عن نساء تناساهنّ التاريخ المكتوب، لكن الاغنية والتاريخ الشفوي لازال يحفظ نضلاتهنّ، الى حسنية رمضان وخديجة شعور التي قالت يوما "الي هزيتو قنابل في شوني اكثر ملي هزيتو مونة لصغاري" ستكون التحية المسرحية الصادقة، الى كل امراة ساهمت في حرية التونس وساعدت في بناء لشخصية الوطنية لهذا البلد كتبت دنيا مناصرية نصها واشرفت دليلة المفتاحي وممثليها طيلة عامين على ولادة عمل مسرحي من رحم النسيان وّ"ربما تتغير العقلية ونجد يوما شارعا يحمل اسم حسنية رمضان، او خديجة الشعور، نحنا نفضنا عنهن غبار لنسيان ونترك للوطنيين بقية المسؤولية".
المسرح جزء من الذاكرة الوطنية والتوثيق،والخشبة تحمل هواجس المنسيين وتعيد صياغة حكايتهم وقصصهم كفعل توثيقي، ربما سيرتهن تتحول الى فيلم سينمائي يبقى خالدا، والتونسيات منذ القديم مدافعات شرسات على حرمة هذا البلد "على الخشبة سيعرف الجمهور انّ خولة ليست اول من انزل علم ورفع عوضه علم تونس، فعام 1952 سبقتها زكية باي ابنة محمد الامين باي التي انزلت علم فرنسا من اعلى القنصلية الفرنسية ورفعت عوضه علم تونس، معلومة عن مناضلة تونسية لا يعرفها الكثيرين سيجدها الجمهور" لانّ لمسرح مسحة للحياة.
تواصل محدثتنا فتح نوافذ الذاكرة، تحدثنا عن النساء وهمومهنّ التي تستلهم منها مادة ابداعية تدافع عن القيم الكونية، ومسرحية "اليبوابة52" ليست اول عمل مسرحي يتناول موضوع حقوق النساء، فقبله قدمت مسرحيات "الخادمات" و" سبعة صبايا في قصبايا" و"بيت البراندا" و"قلب الرحى" و"السيدة المنوبية" وفي كل عمل تشتغل على هواجس المنسيين.
يحتفل العالم بالمراة وتحتفل النساء في تونس بشموخهنّ الدائم فالتونسية اصلها ثابت وراسها في السماء دوما، التونسيات كنّ ولازلن رمزا للصمود والحرية والتونسية لا تهزم ايا كانت الظرفية التاريخية والسياسية والى المراة التونسية كتب اولاد احمد اصدق تعابيره:
"وصفت، وصفت فلم يبق وصف
كتبت، كتبت فلم يبق حرف
أقول إذن باختصار وأمضي
نساء بلادي نساء
ونصف"
والى المراة التونسية تقول المفتاحي "افتخرن بانفسكن، انتنّ قادرات على التغيير وصناعة واقع اجمل، لكنّ القدرة على محاربة كل الوجع كما حاربت جداتكنّ المستعمر، انا امراة تونسية سليلة مناضلات وحارسات حقيقيات للتاريخ وسأحرص على اكمال مسيرتهنّ فداخل كل انثى جذوة حرية".