فيلم "كول التراب" لنضال شطّا (عرض 35 مم): ملحمة الذات في مواجهة الحياة !

تحت عنوان "35 مم المحمل الأصل" دعت المكتبة السينمائية عشاق السينما

لاكتشاف سحر عروض الأفلام من طراز 35 مم طيلة أسبوعين من 7 إلى 21 فيفري 2024 في مدينة الثقافة بالتعاون مع الإدارة العامة للفنون الركحية والفنون السمعية البصرية. وقد ضمت باقة الأفلام العناوين التالية: "صراخ" لعمار الخليفي، "غدوة نحرق" لمحمد بن إسماعيل، "فاطمة" لخالد غربال، "ثلاث شخصيات من أجل مسرح" لكلثوم برناز، "سراب" لعبد الحفيظ بوعصيدة، "يا سلطان المدينة" للمنصف ذويب، "كول التراب" لنضال شطّا...

في تنشيط لذاكرة السينما التونسية، احتضنت قاعة الطاهر شريعة يوم الأربعاء 21 فيفري 2024 عرض فيلم "كول التراب" ( عرض 35 مم) للمخرج نضال شطّا الصادر سنة 2000 والمتوّج بجائزتين في أيام قرطاج السينمائية.

جائزتان في "جي سي سي"... وأوّل ظهور لطفي العبدلي

إلى أواخر التسعينات يعود تاريخ تصوير مشاهد الفيلم الروائي الطويل «كول التراب» للمخرج نضال شطّا حيث كانت التجربة الأولى لهذا المخرج في عالم الأفلام الروائية الطويلة وأيضا كان الظهور الأوّل للممثل لطفي العبدلي على شاشة السينما إلى جانب فتحي الهداوي، ومحمد علي بن جمعة، وياسمين بحري، وفريد مميش، ودرة مازيغ، وهيفاء بوزويتة...
وقد عاد فيلم»كول التراب» للعرض في القاعات في سنة 2016 بعد أن العرض الوحيد لهذا الفيلم ضمن أيام قرطاج السينمائية سنة 2000 ليكون التتويج على ركح هذا المهرجان مضاعفا وذلك بحصد جائزة أفضل عمل أوّل والفوز بجائزة أحسن دور ثانوي (فتحي الهداوي). وبعد هذه الإطلالة اليتيمة، غاب الفيلم في دهاليز الغياب ولزم الصمت والانزواء إلى أن قرّر أصحابه بعثه للحياة من جديد بعد إخضاعه إلى تعديلات فنيّة وتحسينات تقنية...

ما بين البحر والصحراء...رحلة بحث عن الذات

ما بين أعماق البحار الغامضة والمخفيّة وامتداد فيافي الصحراء الممتدة والمكشوفة...اختار المخرج نضال شطا أن ينتقل بكاميرا التصوير ما بين هذين العالمين الكبيرين، المتقابلين، المتكاملين...كما ارتأى أن يرافق بطل فيلمه «حكيم» في رحلة البحث عن تحقيق الذات ونحت كينونته وإثبات استقلاليته سواء بالغوص تحت المياه أو السفر في الصحراء الشاسعة.
في «كول التراب»، يجد المشاهد نفسه أمام حكاية الشاب «حكيم» (تقمّص الدور لطفي العبدلي) الذي فقد بوصلة التوازن بسبب تمزّق فكره وإحساسه ما بين عذابات الفؤاد بعد ابتلاع البحر لشقيقته المُقعدة وفقدان أخته الوحيدة إلى الأبد وبين اختناق النّفس وضيقها ذرعا من تسلط الأخ الأكبر (أدّى الدور فتحي الهداوي) وانغلاقه على ذاته... وهو الذي لا يجيد في يومياته شيئا سوى هواية فنّ الغوص والتفتيش في عمق البحر عن ثمين الأشياء الدفينة في جوفه أو قضاء أوقات «متعة « مع حبيبة يريدها عشيقة ويرفضها زوجة ...
وفي سؤال قلق عن حياته وحاضره ومستقبله وصراع شرس مع نزواته وهواجسه وأحلامه ...يقرّر «حكيم» خوض المغامرة المجهولة العواقب التي اقترحها عليه بارون التهريب «فريد» أقوى وأخطر رجل في المنطقة. فتكون رحلة بطل الفيلم من مكان السكن المتاخم للبحر إلى جوف الصحراء لتحقيق المهمّة المطلوبة ، زاده في ذلك رغبة جارفة في تحقيق الذات ومواجهة الحياة في نهاية المطاف.

تصوير تحت الماء ...

في رحلة البحث عن الذات التي يتجاذبها التيه والحيرة والضياع... كثيرا ما يُقدم بطل الفيلم على وجع السؤال الوجودي والطرح الميتافيزيقي والفلسفي حول الموت، القدر، الحب، الجنس...فعكس الفيلم عمقا في التناول السينمائي لقصة فيلم "كول التراب".
وفي هذا الفيلم، استعان المخرج التونسي نضال شطاّ بمدير تصوير أجنبي لتأمين نقل المشاهد التي تم تصويرها تحت الماء وفي عمق البحر، في شكل شبيه بوثائقيات عالم ما تحت البحار وأقرب إلى حصة التصوير العلميّة حول فنّ الغوص.
إلى حدّ الآن تسير أحداث الفيلم ضمن سياق المنطق والعلم ومؤشرات التطور والتكنولوجيا ... إلى أن ينتهي الفيلم إلى مربع الخرافة والشعوذة !
إذ أن بطل الفيلم الذي خاطب نفسه بلسان الشكّ والسؤال والوعي بالمصير سمح لنفسه في نهاية الفيلم أن يمدّ إصبعه للعرّاف المغربي لإحداث جرح فيه، عسى قطرات دمه تكون شفيعا لإخراج الكنز من باطن الأرض. وفي مفارقة أخرى، تعود «عائشة» من أوروبا بغاية زيارة «عرّاف»بمدينة توزر - قيل عنه أنه شهير ومن حرفائه الرئيس الفرنسي جاك شيراك- عساه يداوي مرضها النادر الذي عجز عنه الأطباء في الخارج... وما بين طلاسم العرّاف والشفرات الغريبة التي يدوّنها على ظهر المريضة، تغيب صورة «عائشة» دون أن يحسم المخرج أمره في الشفاء من عدمه على يد عرّاف الجبل !
وما بين الفلسفة والشعوذة، بقى الخيط رفيعا ما بين الحقيقة والخرافة وكان مصير الإنسان معلّقا ما بين الميتافيزيقيا والمادي/ المحسوس في فيلم "كول التراب".

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115