رواية "آتاراكسيا" لمحمد بوكوم فيض من الوجع النفسي والانساني يتحوّل الى نص ابداعي

يكتب محمد بوكوم بحساسية المبدع وحرفية الصحفي،

يتقن جيدا شيفرات نصع ويوزعها على كامل العمل، يربك القارئ احيانا ويدعوه لاعادة بعض الصفحات عله يفهم شيفرة صعب تفكيكها، فالكتابة كما الولادة ابداع مميز وحين يكون الكاتب صحفي يكون النص مزيجا من الدقة والخيال، ينتقل بينهما الكاتب الصحفي ببراعة من يريد ايصال المعلومة دون السقوط في هوة الافراط هكذا هو نص "اتاراكسيا".

وهي رواية لمحمد بوكوم صادرة عن دار الوطن للنشر والتوزيه في 133صفحة وقدمها الاستاذ والمترجم ياسين الخضراوي وكنب "في رحاب الحق النفسي، تستوقفنا اتاراكسيا كظاهرة تعكس اعماق النفس البشرية بتعقيداتها اللامتناهية".

حين تنهك الروح يتهاوى الجسد حتما

تعتبر الامراض النفسية وتاثيراتها في الانسان جسدا وروحا من اكثر المواضيع المتناولة في الدراسات العلمية في الاعوام الاخيرة، واصبحت الامراض النفسية بمختلف اسمائها وتمظهراتها مادة دسمة للاعمال الفنية المسرحية والسينمائية وكذلك الرواية، و "اتاراكسيا" تجربة روائية لمحمد بوكوم تدخل عوالم الامراض النفسية وتضع مرضاها تحت مشرط التشريح الروائي والسردي الممتع لكاتب وصحفي يبحث كثيرا قبل الانطلاق في الكتابة.

"اتاركسيا" منذ العنوان يجبر الكاتب قارئه على فتح المعجم لمعرفة معنى المفردة، واثناء تصفح الرواية سيعود القارئ كثيرا الى بعض المعطيات النفسية والعلمية لتفكيك تصرفات شخصية او فهم سيرورة الاحداث، وحالة "الاتاراكسيا" بما تعنيه من الوصول الى الطمانينة المطلقة ولا قلق ولا خوف هي سبيل الشخصية الرئيسية هناء.
يختار الكاتب شخصيات مثقفة، بطلة روايته طبيبة جراحة، متميزة في عملها وتنتمي لهائلة ميسورة، تعيش "هناء" منذ طفولتها الكثير من الصد وقسوة الاب، تعايش خوف والدتها وصمتها الدائم ومن خلال تتبع شخصية هناء سيطرح بوكوم العديد من القضايا الاجتماعية والمعاملات السيئة التي تؤدي الى الامراض النفسية.
"هناء" الشخصية المثقفة والدكتورة في التشريح تتعرض في طفولتها للعديد من الصدمات واولها رفض والدها لكونها انثى، صدمة الطفولة هذه اثرت على شخصيتها وقراراتها وقلقها الدائم لينتهي بها المطاف مريضة نفسية ومدمنة على حقن "الكيتامين" حد الاصابة بانفصام في الشخصية واحداهما وحش متعطش للدم والانتقام " لم استطع التستر عليك اكثر خاصة وان اصابتك بانفصام الشخصية سمح للشخصية المتعطشة للانتقام بالسيطرة عليك فتم حبسك في مصحة للامراض العقلية" وبالعودة الى شخصية هناء يتضح ان صدمات الطفولة وتراكم الالم حوّلها من طفلة هادئة الى وحش يهوى الانتقام.
اول مواضيعه الاجتماعية هي غياب التعليم للبنات وتاثيره على حياتهنّ اثناء اختيار شريك الحياة، فالام تعيش في صمت وتقبل الاهانة من زوجها فقط لانها اقل منه تعليما وغير مستقلة ماديا، عكس ابنتها القوية بعلمها واستقلاليتها المالية "فهمت هناء مبكّرا ان سبب عجز امها عن فعل اي شيء ورضوخها التام لوالدها منبعه التحصيل العلمي المتواضع لها، وهو ما ترجمته في اصرارها على النجاح ومن ثمة الحصول على عمل لائق يضمن لها الاستقلالية والقدرة على التحرر من تبعية ايّ رجل".
كما تطرق الكاتب الى فكرة تزويج البنات عنوة، فشخصية الكاتب الرئيسية رغم تحصيلها العلمي المبهر ظلت عاجزة امام سطوة والدها ولم تختر حبيبها ليكون زوجها وفي الرواية ينقل الكاتب الاثار النفسية السيئة لهذا الزواج ومدى فشله لكلا الطرفين، كبلاهما ضحية المنظومة المجتمعية "حال الذبابة كحال كثير من البشرـ يصطدمون بصلابة الواقع فتكسر ارواحهم ومه ذلك ينكرون، ما حدث ويطفئون صوت الارتطام من ذاكرتهم ويعودون للاصطدام مرة اخرى".
"اتاراكسيا" رواية تضع الامراض النفسية على طاولة التشريح الابداعي، يتقن الكاتب توصيف شخصياته ونقل حالات القلق والتوتر التي تعيشها، هناك تماهي غريب يحدث بين القارئ والشخصيات فقارئ العمل سيشعر بالارتباك وهو ينتظر هل سيفرج هن مجدي او لا؟ يتوتر لفشل هناء ومرضها ويسكنه الخوف والاستسلام لكثرة الالام النفسية المحيطة به، وبين الكتابة والمرآو شبه كبير فكلتاهما تنقل حقائق رغم وجعها وكلتاهما تجمل الصورة في الكثير من الاحيان، وباعتماد على الجمل القصيرة والمكثفة تجوّل بوكوم بقارئه في ثنايا الوجع النفسي وحاول ان تعيش شخصياته حالة "الاتاراكسيا" حتى وان كانت مجرد وهم.

الكتابة التزام بالحقوق والقضايا العادلة

الكتابة التزام بكل القضايا العادلة ومحمد بوكوم صحفي يكتب في الشان العام وله اسلوبه الخاص في صياغة نصه الروائي، سبق وان اصدر رواية "ديستوبيا13" وهي اجتماعية سياسية طرحت انذاك موضوع الشباب ما بهد الثورة، والكاتب لم ينسى اهتمامه بالشان العام ولا أحلام جيل الثورة.
واشار في نصه الثاني "اتاراكسيا" الى ضياع احلام جيل باكمله، لمّح الى تلاشي بعض الاحلام التي خرج لاجلها شباب تونس، فالشعب يريد الشعار الابرز ضاع ما بعده في الاعوام الاخيرة وظلّ الكثيرين مسارات الثورة وهتافات شبابها " "سارت في الممر بخطى متثاقلة وهي تقرئ ما كتب على الجدار الشعب يريد... لكنها لم تستطع تبين ما يريده الشعب فقد كانت الكلمة الاخيرة منقوصة، وكتبت منها الالف فقط".
كما نقد بوكوم بعض السياسات التعسفية داخل السجون من خلال شخصية "وجدي" الذي يقتله جلاده مقابل بعض الأموال ثم تسجل "انتحار" وتنتهي حياة انسان بسبب الجشع والظلم.
وفي التزامه بالقضايا العادلة اهدى الكاتب اهداء نصه الى ابناء غزة الصامدين، الذيم لم تنهكهك الحرب ولم تكسر كرامتهم وارسلوا للعالم رسالة صدق وشموخ حقيقين وكان الاهداء كالتالي:

"الى غزة شعبا ومقاومة"
الى ذلك المقاوم الذي قفز في الهواء فرحا كطفل بري وهو يصيح ولعت،
الى اطفال غزة، الى رجولة تفتحت قبا موعدها فصارت مدرسة نتعلم منها الكرامة،
الى الامهات والثكالى، الي الشيوخ الثابتين، انحنى الزمان ولم تنحن ظهوركم وظلت عنيدة تفضح الاحتلال،
اليكم جميعا اهدي هذه الرواية فانا لا املك الا قلمي وهو معكم"

 

 

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115