أمام تصاعد المخاوف من إرتفاع التضخم جراء التمويل المباشر للبنك المركزي: التضخم المستورد واضطراب مسالك التوزيع والجفاف .."الغذاء" الأمثل للتضخم....

يرمي المشروع المصادق عليه حديثا من طرف مجلس النواب

إلى تمكين البنك المركزي التونسي من ترخيص قانوني لتمويل الميزانية بما يتلائم مع التشريعات التي تضبط أعماله بالترخيص له منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد التونسية بمبلغ 7 مليار دينار وذلك في إطار إيجاد الحلول الممكنة لتمكين الدولة من تسديد النفقات الضرورية والمتأكدة وخاصة المتعلقة منها بسداد الديون.

وقد أثار المشروع الحديث عن التداعيات الاقتصادية المرتقبة خاصة خلال الفترة الحالية التي تتسم بمستوى مرتفع من التضخم وسياق دولي يشجع على مواصلة المنحى التصاعدي للتضخم علاوة على المخاطر المحتملة الناجمة عن ارتفاع الكتلة النقدية،وقد سعت وزيرة المالية سهام نمسية خلال مناقشة المشروع في مجلس النواب إلى تبديد المخاوف التي بثها خبراء الاقتصاد تجاه الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة ،حيث نفت أن يكون الاقتراض المباشر من البنك المركزي تأثير على التضخّم حيث أن أسباب التضخم عديدة ومتنوّعة ومنها ارتفاع الطلب واضطراب مسالك التوزيع وارتفاع تكاليف الإنتاج والضغوطات النقدية والمضاربة والسياسات الجبائيّة وغيرها من العوامل، مبيّنة ان طريقة سحب القرض ومجالات صرفه من شأنها ان تقلص من التداعيات السلبية على السياسة النقدية.

وقد أجاز مجلس النواب من خلال مصادقته على المشروع تعليق العمل "استثنائيا" بالفصل 25 من القانون عدد 35 لسنة 2016 والمتعلق بالقانون الأساسي للبنك المركزي، والذي لا يتيح في الأصل للبنك إمكانية منح الخزينة العامة للبلاد التونسية تسهيلات في شكل كشوفات أوقروض.
وأكدت وزيرة المالية أن التمويل المتأتي من المداخيل الذاتية للدولة لا يفي بتعهداتها المالية، وأكدت أهمية العمل على دفع الاستثمار وخلق الثروة ورفع الإنتاج والإنتاجية في عديد القطاعات خاصة منها الفلاحة والفسفاط ،كما اعتبرت أن التوجه لتعبئة موارد الدولة من البنك المركزي يمثّل حلا لتسديد حاجيات التمويل ولن يزاحم تمويل الاقتصاد، وأكدت عزم تونس تسديد ديونها رغم الأزمة العالمية وتأثيرها السلبي المباشر على اقتصاديات العالم وان المساعي حثيثة للحصول على تمويلات خارجية التي لا يمكن توفيرها في الثلاثي الأول من هذه السنة، وهو ما يبرّر طلب استعجال النظر في مشروع القانون المعروض، لان الدولة مطالبة بتسديد قرض رقاعي بقيمة 3000 مليون دينار في الآجال والتزامها بذلك يعدّ من مقومات السيادة الوطنية.
واكّدت الوزيرة انه سيتم توجيه جزء من قيمة القرض لخلاص الدين فيما ستخصص البقية للمصاريف التنموية والاستثمارات العمومية ومنها تفعيل نشاط الفسفاط كما سيتم رصد 1000 مليون دينار لإنقاذ مصنع عجين الحلفاء بالقصرين ومعمل الفولاذ ببنزرت.
وأوضحت الوزيرة أن إجراءات العفو الجبائي المضمّن بقانون المالية 2024 جارية، وقد تم إصدار القرار المتعلق بالرزنامة وخلاص 232 مليون دينار بعنوان الديون المثقلة في ظرف شهر جانفي، على الرغم من دخول التطبيقة الإعلامية حيز التنفيذ في 5 فيفري 2024.
وفي سياق متصل يؤكد خبراء الاقتصاد أن تمويل البنوك المركزي التونسي للميزانية يدفع التفكير إلى جدية التفكير في قانون البنك المركزي لسنة 2016 والذي يفرض إستقلالية البنك المركزي عن الحكومة وهو أمر وجب مراجعته ولكن في إطار مقاربة أكثر واقعية ،حيث تسمح العديد من البنوك المركزية في العالم بتمويل ميزانية دولها على غرار الاحتياطي الأمريكي أوالمركزي المغربي أو المصري ،غير أن التدخل يجب ان يكون مدروسا بحيث تكون عملية التمويل مرتبطة بسقف زمني معين وظرف اقتصادي محدد ولايمكن جعل عملية التمويل متاحة في جميع الأوقات وتحت أي ظرف.
وفي إتجاه أخر من رأي الخبراء ، فإن لجوء الحكومة إلى مدخرات البنك المركزي التونسي ستكون له تداعيات سلبية، ولا سيما على التصنيف السيادي للبنك المركزي من قبل وكالات التصنيف الدولية التي تعتبر أن التمويل المباشر لخزينة الدولة من قبل البنك المركزي يمس استقلاليته ومصداقيته علاوة على أن الخطوة التي تمت المصادقة عليها ستقلص احتياطي العملة الأجنبية لدى البنك، مما قد يصعّد عمليات التوريد ويخلق ضغطا كبيرا على العملة الأجنبية ويهدد بإضعاف الدينار وتفاقم التضخم المستورد.
كما يرى بعض الخبراء ان الخطوة التي قامت بها الحكومة كانت في إطار سياق إصلاحات ولم يقع تنزيلها بمفردها ،حيث تؤكد الحكومة عزمها على الدخول في برنامج إصلاحات ، حيث قالت وزيرة المالية أن الحكومة تعمل منذ مدّة على سنّ تشريعات جديدة على غرار مشروع القانون المتعلق بمكافحة الإقصاء المالي ومشروع قانون الصرف الذي سيتم عرضه في الفترة المقبلة على أنظار مجلس نواب الشعب بالإضافة إلى مشروع الإنعاش الاقتصادي، معتبرة في ذات السياق أن تنقيح مجلة الصرف سيكون مشروعا ثوريا.
وفي مايتعلق بالمخاوف من تصاعد وتيرة التضخم جراء ارتفاع الكتلة النقدية و المخاطر المحتملة إزاء تدهور قيمة الدينار،فإن ذلك يبقى مرتبط بإرتفاع الطلب على الاستهلاك من جهة و التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط و إستمرار الصراع في غزة لاسيما وان تونس مهددة بالتضخم المستورد في ظل تبعتها المرتفعة لتوريد الطاقة والغذاء وهو مايعني ان الحديث عن ان التمويل المباشر للبنك المركزي قد يغذي المنحى التصاعدي للتضخم لايمكن الجزم فيه خاصة ان متابعة تطورات نسب التضخم نجد أن ارتفاع الطلب واضطراب مسالك التوزيع وارتفاع تكاليف الإنتاج وتداعيات التغييرات المناخية والجفاف من أهم العوامل المغذية لنسب التضخم وارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية.

 

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115