المسرحي الاردني/الفلسطيني: حكيم حرب للمغرب: القضية الفلسطينية لم تعد قضيتنا كفلسطينيين فحسب، بل هي قضية كل فنان ومثقف وحر وإنساني في هذا العالم.

يحمل وطنه اينما ولىّ، فلسطيني المولد وانساني الهوى،

احبّ المسرح واختاره ليكون سفينة الحرية يقودها حيث قيم الحب والسلام، المسرح لدى المخرج والمؤلف حكيم حرب هو صوت الوطن وانعكاساته الى الجمهور، احبّ هذا الفن واراده صوتا لفلسطين ولكل القضايا والقيم الانسانية فنجح في بعث عالم مسرحي يشبهه مسكون بالاختلاف والبحث والانتصار الازلي لكل القضايا العادلة واولها القضية الفلسطينية.

حكيم حرب الذي عرف مهرجان قرطاج منذ العام 1991 تحصل في دورة 2023 على جائزة صلاح القصب للابداع المسرحي كما كرّمته تونس في 2009، للمغرب فتح ابواب الذاكرة عن قيمة المسرح ودوره في تشكيل وعي جماعيّ بقضايا الانسان المعاصر.

كيف تقدم مسرحية "انتيجوني" اخر اعمالكم التي شاركت في ايام قرطاج ومهرجان المسرح العربي؟

"أنتيجوني" التي نقدمها اليوم غير أنتيجوني سوفوكليس التي كتبت قبل أكثر من 2500 عام، انها أنتيجوني العربية التي استفدت عند إعادة كتابتها من نصوص سوفوكليس وجان آنوي وجان كوكتو وغيرهم، بهدف الوصول لنص معاصر يتناول قضايانا المصيرية كعرب.

فأنتيجوني هي أول شهيدة في المسرح العالمي، وترجمة اسمها الى العربية يعني "ضد الرضوخ"، وما أحوجنا لذلك في هذه الظروف العصيبة التي نعيشها كأمة عربية تواجه العديد من المخاطر والتحديات التي تهدد وجودها . حاولت في عرض أنتيجوني أن أقدم قراءة مغايرة لهذا النص الثري والعميق، معتمداً على مبدأ الشك على مبدأ الشك الديكارتي، انطلاقاً من قاعدة "أنا أشك إذن أنا موجود"، فالشك هو مفتاح الحقيقة وهذه المعالجة الحديثة لاسطورة انتيجوني هي اسقاط على واقعنا السياسي العربي وما تشوبه من حالات تزوير للحقائق.
"انتيجوني" عمل مسرحي عبّرتم من خلاله عن معاناة الشعب الفلسطيني وانتصاراته منذ بداية الحرب على غزّة هل هو الامل في انتصارات حقيقية؟
المسرح عالمي للتعبير عن رفض كل اشكال الحروب، ورغم كل الخيبات يبقى الأمل فيما يحدث الان في فلسطين حيث أنه رد فعل حقيقي على 75 عام من الظلم والاضطهاد، لم يترك العالم أمامنا خيار غير ذلك، فإن عشت فعش حراً أو مت كالأشجار وقوفاً، وأعتقد أنها المعركة الحقيقية والنهائية الفاصلة، معركة الحق في مواجهة الظلم، الحقيقة في مواجهة الزيف، الجمال في مواجهة القبح، الإنسانية في مواجهة الهمجية والتوحش، وعلى عاتقنا تقع اليوم مسؤولية كبيرة كمسرحيين لبث روح الأمل وعدم الانكسار، وعلى عاتق كافة احرار العالم تقع اليوم مسؤولية الانتصار للعدالة والإنسانية في مواجهة آلة القتل والدمار.

 

في بعض اعمالكم تنطلقون من نصوص شكسبير وشخصياته لنقد واقعنا العربي؟ كيف يتعامل حكيم حرب مع هذه النصوص العالمية؟
النص الشكسبيري بشكل خاص والعالمي بشكل عام هو ملك للبشرية جمعاء، ويعد تراث إنساني، عندما أتناول نصوص شكسبير وغيره من الكتاب العالميين لا أعمد لتقديمها كما هي، بل أقوم بإعادة كتابتها من جديد بإعداد مغاير يتضمن وجهة نظري الخاصة ككاتب ورؤيتي كمخرج.
فكافة النصوص العالمية الجديدة التي قمت بإعدادها او إعادة كتابتها تحمل توقيعي الخاص وتتضمن قضايانا كعرب وتتحدث بلسان أهلنا وشعوبنا العربية، وترتدي ثوبنا وتزخر بتفاصيل بيئتنا العربية وما تحتويه من تفاصيل سينوغرافية وموسيقى وأغان عربية، والأهم من ذلك أنها تتناول آمال وآلام الإنسان العربي، والتي تتقاطع مع آمال وآلام الإنسان بشكل عام فوق كوكب الأرض، لاسيما وأن موضوعات هذه النصوص وأسئلتها هي موضوعات وأسئلة جوهرية ترتبط بالمصير الإنساني بغض النظر عن الجنس والعرق واللغة والدين والتاريخ والجغرافيا ، ولكنني أتعمد عند تقديمها أن تبدو فوق الركح ابنة بيئتنا وواقعنا كعرب.
فمهمتنا في المسرح ليست الترويج لثقافة انجليزية أو فرنسية او روسية ،مهمتنا أن نتقاطع إنسانياً وثقافياً وجمالياً مع ما أنتجه العقل البشري على مدى العصور، وأن نعيد صياغته وتقديمه لجمهورنا العربي بلغتنا نحن وموسيقانا وأغانينا وبكل ما تزخر به بيئتنا من تفاصيل اجتماعية وإنسانية تجعل المتلقي يرى نفسه في هذا النوع من العروض ولا يشعر بالغربة او الاغتراب عند تعاطيه معها.

كيف اثرت التحولات السياسية في العالم العربي على مشروعكم المسرحي؟

التحولات السياسية العربية ولا سيما التي حدثت منذ عام 2011 وحتى الان جعلتني أؤمن أن الواقع السياسي العربي أكثر درامياً وترجيدياً وغرائبياً من المسرح، مما جعلني في السنوات الأخيرة اقترب من التهكم والسخرية في عروضي المسرحية لأن الواقع العربي متخم بالترجيديا وأن المسرح لن يستطيع منافسة الواقع العربي بمأساويته وعبثيته، فاتسمت مسرحياتي الأخيرة : "جنونستان"، "عصابة دليلة والزيبق"، ليلة سقوط طيبة"، "عرائس فوق مسرح متوهج" بطابع السخرية والكاريكاتيرية والكوميديا السوداء على قاعدة شر البلية ما يضحك .

هل يؤثر المكان والجغرافيا في التجربة المسرحية ونوعية الاعمال؟

في الأردن نعيش وسط طوق ملتهب ، غرباً فلسطين وشرقاً العراق وشمالاً سوريا وجنوباً اليمن ، وكثيراً ما أتسائل عن جدوى ان تقيم مسرحاً فوق فوهة بركان !، المتلقي الأردني بشكل خاص والعربي بشكل عام لم يعد يثق بأي خطاب مسرحي أو ثقافي أو سياسي أو ديني، لقناعته التامة بأن كل ما يحدث حوله مشكوك فيه ، فدع رجالك الأحرار يرتدون ملابس السلطة وانظر حينها ماذا يفعلون، ولهذا كانت مسرحيتي "أنتيجوني" تعبيراً عن هذا الشعور الذي يعيشه الناس في وطننا العربي من الماء الى الماء، فالتاريخ يكتبه المنتصرون، والحقيقة غائبة، ومن نتوسم به الخير نتفاجئ بأن هدفهم الوصول الى الكرسي ثم يكشفون عن أقنعتهم لنرى الوجه البشع
من البحر وامتداده الى بحر المسرح كيف كان القرار؟

معظم المهتمين بالمسرح أصبحوا يعرفون قصتي مع البحر والمسرح، لا سيما بعد صدور كتابي العام الماضي عن الهيئة العربية للمسرح والذي بعنوان "القبطان الذي ضل طريقه نحو المسرح"، والذي تناولت فيه هذا الموضوع بالتفصيل، لذا سأتحدث باختصار حتى لا أكرر حديثي، فأقول بأن علاقتي بالمسرح ما هي إلا تعويض عن خيبة أملي في أن أكون قبطاناً يقود سفينته لاكتشاف عوالم جديدة بهدف الكشف القناع عن وجه الحياة، وبهدف تحقيق حرية مطلقة لا تحدها حدود أو جغرافيا أو لغات أو معتقدات.
ورغم خيبة الأمل في أحقق حلم القبطان إلا أنني لم أجد تعويضاً في الحياة عن ذلك إلا في المسرح أو بشكل أدق في لعبة الوهم، نعم الوهم هو الذي جعلني اتشبث بالمسرح، فما نقوم به فوق الركح ما هو الا لعبة وهم، نحاول من خلالها أن نستحضر ونعيش ونتقمص شخصيات ونخترق حاجز الزمن والجغرافيا لكي نحقق ما كنا نحلم به ونرمي للوصول اليه.

بعد كل هذه السنوات هل ندم حكيم حرب على اختياره للمسرح؟

لم أندم ولن أندم مادام الواقع الذي نعيشه لا زال هو ذات الواقع الذي حلمت بالتحرر من قيوده وشروطه، لكنني أشعر بالأسف لكوني لم أصبح قبطاناً، ولو قيض لي ذلك الان لما ترددت بتوجيه دفة سفينتي نحو البحر لأكون ما تمنيت، فعلى الرغم من جمال المسرح وأهميته إلا أنه لا يخلو من المنغصات والشروط والقيود والدخلاء الذين أفقدوه مع الأسف سحره ورحابته وساهموا بتحجيمه وتقييفه على مقاساتهم، مما جعله يضيق أحياناً ، يضيق بأحلامنا الشاهقة.
فأنا لم تتعلق روحي بالمسرح بهدف الشهرة بل لكوني آمنت أنه الفضاء الأرحب لحرية العقل والروح، وبأنه ميدان اثارة يمثل صراع الإنسان مع حقيقته ومحاولته المستمرة لكشف القناع عن وجه الحياة.

في السؤال عن المكان دائما من نابلس مدينة المولد الى الاردن واليونان فامريكا فالاردن مجددا ما هي تاثيرات المكان على الشخصية الفنية لحكيم حرب؟

التجوال في المكان من بلد الى آخر ما هو إلا محاولة للتعويض عن وطن مسلوب، فلوعة أن يكون وطنك محتل ومغتصب لا تضاهيها لوعة، وفلسطين بشكل عام ومدينتي نابلس أو جبل النار بشكل خاص تعيش في داخلي وهي حاضرة في جميع أعمالي المسرحية بشكل مباشر وأحياناً غير مباشر ، وأعتقد ان القضية الفلسطينية لم تعد قضيتنا كفلسطينيين فحسب، بل هي قضية كل فنان ومثقف وحر وإنساني في هذا العالم.
فالعالم اليوم ومع الحرب الهمجية على غزة وما تخللها من قتل للأطفال والنساء والشيوخ وهدم للمدارس والجامعات والمستشفيات؛ أصبح هذا العالم على مفترق طرق بين الانحدار نحو غياهب الظلام والوحشية الى الأبد أو الارتقاء نحو فضاءات السمو والعدالة الإنسانية والتحضر والمدنية ، انها ليست حرب الفلسطينيين وحدهم بل هي حرب كونية لتحديد مصير الكوكب بين النور والظلام خلال السنوات القادمة . لهذا تبقى الروح متعلقة بالمكان الأول لأنه الرحم الحقيقي، ولا يمكن لنا الثبات والاقتناع بمكان آخر مادام الرحم مغتصباً .

منذ اعوام بادرتم لتأسيس مختبر المسرح الجوال ونتج عنه الكثير من الاعمال؟ كيف تقدم التجربة وما هي ثمارها اليوم؟

المختبر المسرحي الجوال حالة رومانسية حالمة عشتها على مدار سبع سنوات وانتهت مع جائحة الكورونا ولم يكتب لها الاستمرار، مثل العديد من الحالات والأحلام الجميلة التي تتحطم على صخرة الواقع المرير، فقد كان الهدف من تأسيسي للمختبر هو اكتشاف وتدريب مواهب جديدة في المناطق النائية والأقل حظاً وفي القرى والبوادي والمخيمات ، بهدف توظيف الدراما في معالجة أزمات الشباب وانقاذهم من السقوط في براثن العنف والمخدرات والسأم والإحباط، ومحاولة وضعهم على بداية الطريق المسرحي لتفريغ طاقاتهم المكبوته بشكل ابداعي بدلاً من هدرها بشكل سلبي، حتى انني أقمت ورشي التدريبية داخل السجون بهدف اصلاح وتأهيل السجناء بواسطة الدراما.

وعلى مدار سبع سنوات قمت بتدريب آلاف الأشخاص من الجنسين ومن مختلف الأعمار، لكنني كنت اعمل وحدي لمدة سبع سنوات مع ان هذا المشروع يحتاج لعمل مؤسسي يقوده عدد كبير من الأشخاص، ومع ذلك بقيت اعمل لوحدي متنقلاً من شمال الأردن الى جنوبه ومن شرقه الى غربه، ومع مرور الوقت بدأت أشعر بأنني مثل "سيزيف" أصعد بصخرتي الى قمة الجبل ثم أهبط الى أسفله لإعادة الكرة من جديد حاملاً ذات الصخرة فوق كتفي، فالأشخاص الذين قمت بتدريبهم لم يجدوا مؤسسة رسمية أو خاصة ت عاهم وتحقق لهم فكرة الاستدامة بالتدريب والعمل والانخراط بالفن المسرحي، لهذا ضاعت الجهود سدى ، فليست مهمة المبدع أن يؤمن العمل والاستدامة للمتدربين على يديه، هذه مهمة مؤسسات كبيرة لم تلتقط اهمية الفكرة.

وثقتم سيرتكم في كتاب "القبطان" ما الهدف من كتابة السيرة اليوم ولازال بامكانكم الكثير لتقدموه؟

الهدف من كتابتي للسيرة الذاتية المسرحية في كتاب "القبطان الذي ضل طريقه نحو المسرح، ليس معناه انتهاء المسيرة البحثية والإبداعية، بل هو أولاً توثيق لمسيرة ساهم بها عدد كبير من المبدعين الأردنيين ألا وهي مسيرة مسرح الرحالة من عام 1991 وحتى اليوم، وحفظها من الضياع ، لأن هنالك من يتعمد التعتيم ، كما أن هنالك جهات وأشخاص يسيطرون على كل ما يكتب وينشر ويوثق ويحاولون الترويج لتجارب هامشية وغير مؤثرة على حساب تجارب حقيقية لا تجد الدعم والرعاية والحرص على حفظها والترويج لها، والأهم من ذلك كله هو الجيل الجديد والأجيال القادمة التي من حقها الاطلاع على تجارب حقيقية تساهم بالارتقاء بوعيها ومهاراتها وتسلحها بالإرادة والمثابرة ومواصلة المسيرة.

منذ العام 1991 لم يتغيب حكيم حرب عن ركح قرطاج المسرحي؟ ماذا يعني لكم هذا المهرجان؟

دون مبالغة أو مجاملة بل وبشكل واقعي وحي وملموس فإن أيام قرطاج المسرحية تعد نافذتنا كمسرحيين عرب للإطلالة على التجربة المسرحية العربية والإفريقية والأوروبية، وقد ساهمت الأيام منذ مشاركتي الأولى فيها عام 1991 وحتى اليوم بالارتقاء بذائقتي الفنية والجمالية فتعلمت منها الكثير من الأشياء والأفكار والمقترحات التي كان لها دور كبير بتطوير علاقتي بالمسرح على مستوى الكتابة والإخراج والتمثيل والتقنيات.
فقد شاركت فيها أول مرة عام 1991 ممثلاً مع المخرج العراقي الراحل عوني كرومي الذي كان يعيش في الأردن آنذاك، حيث قدمنا عملاً بعوان "المساء الأخير" برفقة الممثلة الأردنية "إخلاص العيسى"، وكانت سعادتي كبيرة بأن اكتشفت قرطاج كمهرجان عظيم كنت لطالما حلمت بالوصول اليه.
ويعد سر تعلقي وحرصي على المشاركة في أيام قرطاج المسرحية نابعاً من احترامي وتقديري لهذا المهرجان الهام، والذي يمثل فرصة عظيمة للقاء بمبدعين من مختلف دول العالم، وخلق حالة من التفاعل والتأثير والتأثر والمثاقفة فيما بيننا، وهو الأمر الذي ينعكس على تجربة كل منا بسبب هذا المهرجان العريق الذي يشهد تطوراً ملحوظاً من عام إلى آخر، حتى اصبح قبلة المسرحيين من مختلف دول العالم.

لكن كلمة الختام؟

شكراً لحرصكم واهتمامكم واتاحتكم الفرصة لي لكي أطل على القارئ والتونسي والعربي من خلال هذا اللقاء الشيق والممتع، على أمل أن يتجدد اللقاء في تونس بمزيد من الأعمال والمشاركات المسرحية القادمة وأن تكون تونس وكافة بلادنا العربية بخير وسلام وأمان وقد تخلصت من كل ما يتهددها من مخاطر، وأن تكون أرضنا العربية محررة دون هيمنة أو استعمار أو احتلال وأن يعمها السلام لكي نتفرغ للإبداع، لأنه ما من مسرح ولا إبداع إلا وسط مناخ يعج بالحرية.

 

المشاركة في هذا المقال

تعليق1

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115